مقالات
إجراءات للحد من تدهور العملة
تقتضي الضرورات المُلحة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدهور العملة اليمنية، وهي إجراءات ضرورية، وما نطمح إليه كإجراءات آنية أن تتجه الحكومة لحشد مواردها، وضبط الإنفاق، والعودة إلى الداخل، واستلام رواتب المسؤولين بالريال.
على أن تتمثل تلك الإجراءات بالتالي:
1. أن توكل قيادة البنك المركزي لخبراء سبق لهم إدارة بنوك أو البنك المركزي ذاته مع طاقم من أهل التخصص.
2. تمويل الاعتمادات الخاصة بالسلع عن طريق البنك المركزي، وتجريم أي عمليات تتم من خارجه.
3. إخضاع عمليات الصرافة لرقابة يومية لتحديد حجم العرض والطلب على النقد الأجنبي، والاستفادة من البيانات التي يتم تجميعها في التدخل اليومي بصورة فورية، وتحديد سقف للمبالغ التي يسمح لكل مغادر اصطحابها معه.
4. عمل رقابة في كل المنافذ لمنع أي خروج للعملة، فالكثيرون في ظل الرقابة يوظفون أشخاصا لنقل العملة بصفة متكررة إلى خارج البلاد.
5. تكليف فريق من الباحثين في الجامعات اليمنية بتطبيق محاسبة التكاليف الحكومية بتسعير الخدمات، التي يقدمها أولئك المغتربون، أو المهاجرون من المسؤولين في الخارج.
6. تشكيل لجنة من المتخصصين في المالية العامة والاقتصاد لدراسة الإنفاق الحكومي، وتقديم التوصيات للعمل الفوري بتلك التوصيات.
7. التوقف عن الإصدار النقدي غير المغطُى؛ لأن مثل هذا التصرّف يشكل إحدى الجرائم الاقتصادية في الأنظمة الحديثة، وذلك لأن المزيد من الإصدار النقدي يضاعف من كتلة النقد الوطني التي تطارد كمية محدودة من العملات الأجنبية، التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك العملات.
إن تنفيذ تلك الإجراءات لا بُد منها بالنظر إلى القفزات الكبيرة فيما بين العملة الوطنية والعملات الأخرى، التي لم تعد موضع اهتمام المتخصصين، وإنما المجتمع بأسره الذي تزداد أوضاعه المعيشية سوءا بسبب تلك التقلبات، التي أصبح استمرارها مقدمة لتعميم المسغبة والجوع والعوز على المجتمع الواسع بأسره، باستثناء أقلية من التجار والموظفين العامين الذين أُثروا من الحرب، ومن نهب الموارد العامة.
إن هناك بلدانا عدة تعرّضت لمثل ما تتعرض له اليمن، وكان لها مواجهات، وحلول يمكن أن تمثل أحد المصادر الاسترشادية المناسبة.
إن من أسوأ الحلول، التي يتناولها البعض، محاولة استخدام أدوات السياسة المالية والنقدية دون مراعاة الظروف الخاصة والاستثنائية لليمن، لاسيما وأن المعالجات لن تكون تمائم ووصفات عابرة، وإنما حلول علمية ناتجة عن دراسات وبحوث تضع حلولا لمواجهة اقتصادات إنتاجية ومستقرة.
ويتحتّم ضرورة الاستعانة بالخبرات المحلية لاجتراح معالجات معقولة؛ تُوقف هذه العجلة المجنونة التي تتحرّك بدون أي كوابح مناسبة خاصة، وأن اليمن مليئة بالمراكز الاقتصادية المتخصصة المزوّدة بالكوادر الاقتصادية من ذوي الخبرة والدراية، الذين يتحتّم على الجهات المسؤولة في الدولة إشراكهم، وتمكينهم من تشكيل غرفة عمليات ساخنة تتابع لحظة بلحظة ما يجري على شبكة التعاملات الاقتصادية والمالية من خلال نظام معلوماتي متكامل يحدد الموازنة العامة للدولة من حيث "الإيرادات - والنفقات"؛ خلافا للوضع الذي كان ساريا، المتمثل بالتواطؤ الواضح من بعض خبراء المنظمات الدولية لأسباب خاصة بهم، كلما لاح في الأفق بوادر أزمة مالية يسارعون إلى زيادة الإيرادات برفع الأعباء التي يتحملها المواطنون، والتأثير على حياتهم بصورة سلبية مع إغفال دراسة الجانب الآخر الخاص بالنفقات الحكومية، التي غالبا ما تمثّل الكتلة الأكبر من العرض النقدي، فضلا عن أن الإنفاق الحكومي -في حالات عدة- يزداد ولا يقبل الموظفون العامون بشد الأحزمة كما يتم في حالات مماثلة.
إن قضية التآكل المجنون لأسعار النقد، مع ما يخلفه من آثار كارثية على حياة الناس والاقتصاد بصفة عامة، ينبغي أن يتم مقاربتها من أفق اقتصادي، وليس سياسيا، وتعيين الكفاءات من ذوي الخبرة الكافية في العمل المصرفي، وتحديدا البنك المركزي، وتعزيزهم بقدرات من الجامعات؛ كيما يتم تحقيق إنجاز يوقف عجلة التدهور في قيمة العملة الوطنية، خاصة وأن القاعدة الاقتصادية تقول إن "الطلب على النقد مشتق من الطلب على السلع"، ومقتضى ذلك أن البحث عن الدولار أو العملات الأخرى يتم لتمويل اعتمادات مفتوحة.
كما أن الشعور بعدم الاستقرار دفع التجار إلى المضاربة على العملات الصعبة لنقل رؤوس ادأموالهم إلى الخارج، والمرتشين لعمليات تبييض أموال الرشوة، فالدولار هنا يعد سلعة يتم شراؤها، وتتحدد قيمتها وفقا لعوامل عدّة، وكلا الطرفين -في ظل احتمالات المخاطرة- يشترون الدولار بأي ثمن، وهنا تلعب الشائعات دورا مهما في تحفيز التجار إلى ذلك، خاصة وأن الشائعات لعبت دورا كبيرا للتمهيد أإزمات عالمية، كما حصل عام 1939.