أصدر الباحث والصحفي القدير أحمد شرف سعيد الحكيمي معجمه في «لهجة المعافر وتراثها»، في ثلاثةمجلدات ضخمة، تشتمل على 1552 صفحة بالقطع الكبير.
يتناول المجلد الأول شكرًا وتقديرًا لمن ساعده، والقائمين على المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية، ثم توطئة، ومقدمة عن لهجة المعافر، وتاريخها، ومحيطها، وبيئتها. يقرأ المعافر في اللغة، ويقرأ المناخ، والموقع الجغرافي، كما يقرأ المعافر في المصادر التاريخية اليونانية، وفي التاريخ اليمني، ويدرسها في العصر الإسلامي، وفي العصر الإسلامي الوسيط.
يدرس اللهجة في اللغة والاصطلاح، وفي اللغة الحديثة، ويدرس جغرافية اللهجة، وخصوصية بيئتها، ومكونات اللهجة المعافرية، وتراثها، ومنهج جمع مفردات المعجم، كما يدرس الظواهر اللغوية والصوتية، وقد أسفر البحث عن جمع قرابة أربعة آلاف وخمسمئة مادة تمثل ما هو مشترك في لهجة معظم عزل مديريات المعافر كما يشير الباحث في مقدمته.
يقع المعجم اللغوي في 1552 صفحة بالقطع الكبير، ويضم المعجم الكبير أربعة آلاف وخمسمئة مادة لغوية. العامية اليمنية حاضرة بقوة في الحياة العامة، وصلتها وثيقة بالفنون والآداب، وحضورها في الأغنية الشعبية باتع منذ عصور موغلة في القدم، وتصدرت المشهد الأدبي منذ أصدر الشاعر والأديب الكبير كاتب الدولة الرسولية أحمد بن محمد فليتة الحكمي منتصف القرن السابع الهجري والعشرات من شعراء الحميني اليمني: المزاح، والحكاك، والعلوي، وابن شرف الدين، وعبد الرحمن وابنه أحمد بن عبد الرحمن الآنسي والقاضي العنسي، والقمندان، والعيدروس، وصولاً إلى عصرنا، وأسس الحميني اليمني للأغنية في الجزيرة والخليج
للعامية اليمنية وعامية المعافر -كما يشير الباحث المدقق- أثر كبير في مجالات الحياة المختلفة في الزراعة، والحراثة، والري، والمواسم، والمعالم الزراعية، والعادات والتقاليد الاجتماعية، وألفاظ البناء والعمران؛ فهي لغة التفكير والتعامل اليومي في مختلف مجالات حياة الناس والأفراد والأسر والجماعات.
معجم الباحث الحكيمي إضافة نوعية وكبيرة لمعجم الأستاذ مطهر الإرياني «المعجم اليمني في اللغة والتراث»، وهو أوسع وأشمل؛ إذ لا يقف عند المفردة التي يدرسها نحوًا وصرفًا وفقهًا لغويًا، وإنما يدرس تاريخ المنطقة، وجغرافيتها، والقيم والعادات والتقاليد، والمعارف البشرية، والعمق الحضاري والثقافي والأدبي.
قليلة هي الدراسات والأبحاث والتوثيق للعامية اليمنية رغم أثرها العميق، ودورها الكبير في مختلف مناحي الحياة أدبًا وشعرًا وثقافة وتداولاً في التعامل اليومي.
اللافت أن الشعر الحميني وهو شعر فصيح ملحون قد أسسه وأبدع فيه قضاة أجلاء وعلماء كبار وعلى رأسهم كاتب الدولة الرسولية ابن فليتة، وهو قاضي وأديب كبير، ومحمد بن عبد الله شرف الدين، والقاضي علي بن محمد العنسي؛ وهو أستاذ المجدد المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير صاحب «سبل السلام»، والمؤرخ أحمد فضل القمندان صاحب «هدية الزمن»، والعلامة عبد الرحمن بن يحيى الآنسي وابنه أحمد، وعشرات غيرهم.
وقد كتبت أكثر من رسالة في الحميني، والعامية اليمنية، وكان أقدمها رسالة الدكتور جعفر الظفاري، ورسالة الدكتور محمد عبده غانم، ورسالة الدكتور عبد العزيز المقالح، وكتابات كاثرة.
يضع الباحث الحكيمي منهجًا لمعجمه الضخم فيقول: "سلكت في جمع مفردات هذا المعجم طرقًا كثيرة منها: الزيارات الميدانية التي كنت أقوم بها بين آونة وأخرى إلى بعض المناطق في عزل مديريات المعافر -الحجرية بمحافظة تعز، التقيت خلالها بالعديد من أبناء تلك المناطق، ولا سيما كبار السن والمعمرين، وكنت أحرص على تقصي الألفاظ، والمصطلحات الخاصة بالزراعة والتراث".
ويضيف: "بيد أني أقول أن ذلك لا يعني أني قد استوفيت جمع كل مفردات هذه اللهجة في كافة عزل مديريات المعافر، فذلك عمل لا يستطيع القيام بها فرد واحد". ويشير المؤلف أنه قد استفاد من مراجع عديدة، ويشير إلى المنهج الذي اتبعه: "وقد شرحت كل لفظ وأوردت مثالاً يوضحه، ثم ألحقت كل مثال بشاهد من الأمثال الشعبية، أو الأقوال، والحكم الزراعية، أو من النصوص التراثية كالمهاجل الزراعية، أو أغاني الملالاة أو من نصوص شعرية حديثة قيلت بلهجة المنطقة من قبل شعراء يمثلون مختلف عزل مديريات المعافر".
ولا يقتصر جهد الباحث عند هذا، بل يقوم بمقارنات بين مفردات ومعاني هذه اللهجة، وبين مفردات ومعاني ترد في نقوش المسند، وفي معاجم اللغة الفصحى، كما يورد مقارنات مع ما يطابق لهجة المعافر مع الألفاظ المشتركة السامية في اللغة العربية، ويرصد المعجم- بحسب إشارة الباحث- بعض الظواهر اللغوية والصوتية والصرفية والنحوية في لهجة المعافر؛ ليبين الصلة بينها وبين الظواهر المماثلة في اللهجات اليمنية القديمة.
المعجم العامي للهجة المعافر جهد علمي ومعرفي متميز، وهو لا يدرس الظواهر اللهجية اللغوية فحسب، بل يمتد بها إلى الثقافة العامة والآداب، والموروث والحياة.
درس الأستاذ مطهر علي الإرياني المفردات العامة في منطقته، وقدم دراسة علمية بالغة الأهمية، وقدم الأستاذ عبد الله خادم المعمري أكثر من إصدار، مثل «اللهجة العامية في الأمثال التهامية»، في جزئين، كما درس الموال الساحلي، والشعر المغنى في تهامة، ودرس الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف ميزان الشعر الشعبي، ودرس الدكتور محمد جرهوم بتتبع ودقة المفردات العامية في تهامة وحضرموت آتيًا على الأمثال، والأشعار العامية، واهتم الشاعر الكبير عبد الله البردوني بدراسة ألوان معينة من العامية التهامية، وللأديب العزي حديدي توثيق لألوان عديدة من العامية التهامية، ولا ننسى جهود وأبحاث الشاعر والناقد علوان مهدي الجيلاني في هذا الجانب.
ويشير المؤلف الحكيمي إلى باحث هو الأستاذ مهيوب ناصر القدسي الذي قدم مبحثًا بعنوان «فنون التراث الشعبي في اليمن»، كما يشير أيضًا إلى كتاب عارف الحيقي «ديوان الأغاني الريفية».
في معجم الباحث الحكيمي نقرأ الجوانب الأكثر إضاءة وإشراقًا في تاريخ المعافر ودورها في المستوى الوطني والقومي والعالمي وآثارها في شرق أفريقيا، ودورها في الصناعة، وبناء الكيان اليمني، وآثارها الحضارية وخبراتها ومهاراتها في الزراعة والصناعة والحرف.
درس الباحث المعافر وحاضرتها «سوا»، في التاريخ قديمًا وحديثًا، ودرسها في اللغة، والمناخ، والجغرافيا، وفي المصادر الرومانية واليونانية، وفي الدراسات اللغوية الحديثة، كما قرأ خصوصية البيئة، وقرأ الظواهر اللغوية بتتبع ومعرفة ودقة، ودرس الأشعار، والخبرات البشرية، وإنجازات الإنسان المعافري.
يصف الباحث طريقة إعداد معجمه على الحروف الأبجدية، وهي الطريقة الأحدث والأسهل في صناعة المعاجم. معجم لهجة المعافر إنجاز علمي لغوي وتاريخي وجغرافي وثقافي وأدبي شامل وثق فيه الباحث، ودرس عميقًا كل جوانب الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بموضوعية وعلم وعرفان قل نظيره، وما كتبته مجرد تحية صدور، وليست قراءة.