مقالات

أسباب موازية للذعر الغربي...

02/11/2023, 07:25:36

يحتشد الغرب بكثافة للقضاء على حماس؛ ليس لأنها تهدد السلام في المنطقة؛ بل لكونها نازعت الغرب في تبنيها فلسفة القوة. إنهم ليسوا متضامنين مع إسرائيل فحسب، بل يدافعون عن حقهم في احتكار القوة، ويشعرون بالذعر لوجود تيار يتحداهم، ويقدم الدليل على جدارة العربي بالسيادة على وجوده.

يود الغرب أن يُبقي المنطقة في دائرة الوهن، كي يحتفظ بوهمه في التفوق الأبدي، كما لو كان تقدمه حتمية لها علاقة بالنبوغ الجيني؛ لهذا يرى في نهج حماس سلوكا خطيرا يزعزع مكانته، ويتجرأ على خلق نموذج موازٍ قابل للتطور، ويطالب بحقه في الصعود الحر دونما الرجوع إليهم.

في نظرتهم لأنفسهم، يؤمن الغرب بنهج التحدي والمواجهة، الذي تتبناه حماس، ويدركون أن انتصارها سيحيل نموذج القوة الفاعلة لمنهج جذاب لباقي قوى المنطقة، ويرغبون بلجمه والحيلولة دون انتصاره.

تبدو محاولاتهم بائسة بالنظر للزخم والصدى المهول لفعل حماس. مهما حشدوا من قوة مضادة، فلا يبدو أنهم قادرون على طمس الأثر المعنوي الخلاق الذي حفرته المقاومة في نفس كل عربي وحر.

أتذكر حديث للمفكر الفلسطيني عزمي بشارة، يقول فيه: إن السبب المركزي لتمكّن الصهيونية من إقامة دولتهم المزعومة، هو لأنهم مستعدون للحرب على الدوام. أي أن امتلاكك لقرار الحرب هو الشرط الأساسي لقدرتك على إقامة دولة والدفاع عن وجودها ومصالحها.

ما يعني أن الطريقة الوحيدة المجدية للدفاع عن حق الفلسطيني في إقامة دولته لا يمكن أن يأتي من المسار السياسي الفاقد لأي قوة تسنده. حماس أثبتت بطلان الطريق الناعم لتحقيق الخلاص. فالدول ليست منظمات حقوقية يُمكنها أن تتسول مشروعيتها من الخارج، وتضمن وجودها بواسطة الشعارات الإنسانية وإعلانها الدائم والمتكرر عن التزامها بشروط الخارج.

في كتاب التاريخ واليوتوبيا، تحدّث الفيلسوف الفرنسي من أصول رومانية، سيوران (1911_1995م)، بلمحة عابرة عن طرائق تأسيس الدول، يقول فيما معناه: " يكاد يكون من المستحيل أن تتمكن أمة من تأسيس كيانها السياسي، دونما ضريبة من الدم"، هذا ليس شرعنة للعنف؛ بقدر ما هو استقراء لمسار التاريخ، أشبه بقانون لا تستطيع أي أمة أن تتفاداه.

في اللحظات التأسيسية من حياة أي شعب، يبدو متعذراً التعويل على المنهج الديمقراطي لامتلاك المشروعية. إذ لا قيمة لأي مشروعية نظرية قبل تثبيت المداميك الأولى للدولة. والدول تحتاج إلى قوة أولية منظَّمة تنجح في إجبار العالم على الإقرار بحقك أولًا، ثم لاحقًا -وحتى بالتوازي لا مشكلة- تأتي التدابير السياسية لتصميم النظام السياسي المدبِّر لشؤون الدولة.

الحرية، الديمقراطية، المساواة، الحق في تقرير المصير، وحتى الكرامة الإنسانية؛ كل هذه المفاهيم وغيرها، بقدر مركزيتها واتفاق البشرية بأنها مبادئ كونية تسري على الجميع، تظل مجرد شعارات طيبة، خاضعة للتفاوت من مكان لآخر. أي أنها لم تتحول بعد إلى قيم صلبة ومحميّة من أي اختراقات. لكأن كل شيء في العالم خاضع للتفاوض البشري الدائم، حتى الثوابت الإنسانية مهتزة وعرضة للتلاعبات. وهذه خلاصة تعود بنا مرة ثانية إلى ضرورة الانتباه لفلسفة القوة، ومدى صوابية حماس في انتهاج هذا الطريق.

الخلاصة:

من الواضح أن حماس تدرك في أدبياتها أن التعويل على أي منهج يستبعد القوة هو رهان بلا آفاق، وهو ما يجعل المجتمع الغربي يشعر بالذعر من اليقين الذي تمضي به حماس، وعدم الاستعداد للتخلي عن أدواتها في النضال وصولًا إلى انتزاع الحق. ولهذا شاهدنا حالة الطوارئ الغربية، والاحتشاد لحجب الحقيقة، وتكثيف شيطنتهم للمقاومة، ومنح أنفسهم الحق بتحديد ما هو مشروع، ومن يتوجب تجريده من المشروعية.

الحقيقة، لقد تمكنت حماس من إبطال أمنيتهم في الاحتفاظ بموقعهم المرتفع، كأسياد للوجود، ومصدر الفعل بلا منازع. كتلة صغيرة ومنظمة حفرت في الصخر ونجحت في تكوين قوة قادرة على رفض التصورات المفروضة، وتصعيد الحقائق المدفونة للسطح مرة ثانية. هذا سلوك جذري مربك للعقل الغربي الموتور بالتفوق.

ولا يفهم المرء لماذا يفشل العقل الغربي بكل ميراثه المنطقي من نسيان السياقات التاريخيه لتشكّل الدول، بما في ذلك دول الغرب نفسها. فما من دولة نالت استقلالها عبر النهج المنظماتي، لقد كانت القوة الدرع الأول للتحرر الوطني. تمامًا كما هي فلسفة "حماس اليوم".
تاريخ أمريكا نفسها، إذا فتشت فيه، ستجد زعماء قوميين تمجدهم أمريكا اليوم كانوا أبطالًا لا تكاد تجد مثقال ذرة من فروق بين ما كانوا عليه وما يُمثله أبو عبيدة اليوم؛ لكنهم يرونه إرهابيا.
يفشلون في رؤية التناقض، ومع ذلك يواصلون تدريس تلاميذهم في المدرسة عن أبطال تحرير يشبهون الملثَّم. دعك منهم. أبا عبيدة: تمسَّك بفلسفتك، أنت في الطريق الصائب.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.