مقالات
"إسرائيل".. انكشاف القوة وتجبر التفاوض
هجوم المقاومة الفلسطينية على المعسكرات في مستوطنات عسقلان وأشدود، في السابع من أكتوبر، يدلل على فشل القوة الإسرائيلية، وهشاشة الأمن الإسرائيلي، وهزيمة الجيش الذي لا يقهر.
فبضع مئات من مقاتلي القسام وكتائب الأقصى تهاجم قواعد ومستوطنات غلاف غزة؛ فتتهاوى القواعد العسكرية الأكثر تحصينًا، وتتداعى المستوطنات، وهي منظمات أمنية وعسكرية.
يقوم الطيران الإسرائيلي بقصف المدنيين بدون تمييز، وتقتل العربات الإسرائيلية والطيران الحربي أكثر من ألف وأربعمئة قتيل إسرائيلي؛ مئتان منهم تفحمت أجسادهم حسب "هاارتس".
ادعت إسرائيل كذبًا بقتل المقاومة الفلسطينية لهؤلاء، كما زعمت بقيام الفدائيين بقتل الأطفال، وتقطيع الرؤوس، والاغتصابات، وتلقفت الصحف ووكالات الأنباء الأمريكية والأوروبية الخبر، ورَدَّدَ الكِذْبَة الرئيس الأمريكي وبعض الزعماء، ولكن سرعان ما تبين كذب الادعاء، وتراجعت كبرى الصحف عن ذلك، ولكن الرئيسين: بايدن، ونتن ياهو ظلا يلوكان الكذبة.
أشعلت إسرائيل حربًا على غزة شبيهة بحرب عالمية، وحرّك بايدن عقب زيارة إسرائيل، وإعلانه المشاركة في الحرب، حاملات الطائرات والبوارج الحربية، وانخرطت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في دعم التحرك، وقامت طائرات التجسس الأمريكية والبريطانية بمسح الأجواء، وخدمة الطيران الحربي الإسرائيلي.
على مدى مئة وثلاثين يومًا دمرت القوة الإسرائيلية مدن غزة وأحياءها على رؤوس ساكنيها. أصيب أكثر من مئة وثلاثين ألفًا، وشُرِّدَ أكثر من مليون وثمانمئة ألف، ومُنعت كل متطلبات الحياة للوصول إلى غزة المحاصرة لأكثر من سبعة عشر عامًا. حرب الإبادة في غزة لا تروي ولا تشبع جشع الفاشست الإسرائيليين والنازيين الجدد: الأمريكان، الأوروبيين؛ فهم لا يزالون مصرِّين على الحرب لتقتيل مليون وأربعمئة ألف في غزة، وتدمير آخر ملاذ للفلسطينيين في رفح، ولا يمر يوم دون اجتياح الجيش والأمن والمستوطنين لمدن وقرى الضفة الغربية لإجبارهم على ترك وطنهم.
القوة الإسرائيلية المسنودة بالمشاركة والدعم الأمريكي والأوروبي تمكنت من تدمير غزة، وتهدد باجتياح رفح، وتواصل القصف والاجتياح، وتمنع وصول الغذاء والماء والدواء والوقود إلا أنها عجزت عن القضاء على المقاومة الفلسطينية، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وإجباره على ترك وطنه المدمر وغير الصالح للسكنى.
ما يعتبره نتن ياهو وبايدن انتصارًا هو في حقيقة الأمر جرائم حرب وضد الإنسانية، وحرب إبادة في نظر العالم. وما يعدونه -كعنوان كبير- «الحرب على حماس»، لا هدف ورائه إلا استئصال فلسطين، وتطهير عرقي للفلسطينيين، وإصرار على الترانسفير. تُعلن الحرب لاستعادة الأسرى، ولا غاية للحرب غير إبادة الفلسطينيين، والتضحية بالأسرى.
بعد مضي مئة وثلاثين يومًا يتجلى فشل الجيش المسنود بالقوة الأمريكية والبريطانية وبعض الدول الأوروبية في استعادة الأسرى، أو إرغام الفلسطينيين على ترك وطنهم، ولا إنجاز للحرب سوى تدمير قطاع غزة، وارتكاب فظائع وجرائم حرب وإبادة في حق الفلسطينيين، ووضع المنطقة العربية كلها تحت التهديد.
مع انكشاف عجز القوة عن التهجير، أو استعادة الأسرى، أو القضاء على حماس يبدأ الأمريكيون -كطرف في قيادة الحرب- في البحث عن حلول سياسية، ويكون المسعى الكاذب تحريك أكذوبة «حل الدولتين» المروج له منذ قرار التقسيم (181)، وهو جوهر «اتفاقات أوسلو ومدريد» التي مكنت المستوطنين من التمدد في الضفة الغربية والقطاع، وتحويل السلطة إلى قناة أمنية.
ما يقصده الأمريكان بالدولة الفلسطينية لا يختلف في جوهره عن اتفاق أوسلو الذي لم تلتزم به إسرائيل، وربما يكون أكثر انتقاصًا في الأجزاء المتبقية من أرض الضفة والقطاع عقب حرب 5 حزيران 1967، أما الحدود والسيادة وامتلاك السلاح فهو ما لا تقبل به أمريكا وبعض المطبعين العرب.
ما فشل الإسرائيليون والأمريكان في تحقيقه بالحرب يريدون تحقيقه بالضغط. والأخطر أن هذه الصفقة الملغومة يريدون بها جر المنطقة العربية كلها إلى التطبيع الشامل، ودمج إسرائيل في الكيانات القائمة. المريب أن الحديث والمداولات السرية بين الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية يدور في الخفاء، وبعيدًا عن أعين المقاتلين الفلسطينيين في حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل المشاركة في المقاومة، والأكثر خطورة أن يغطي الحديث المكرور على جرائم حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل؛ فبدلاً من الدعوة لحل الدولتين يجب أولاً وقبل كل شيء وقف الحرب؛ لأنها جريمة العصر، وجريمة الجرائم كلها.
وقف حرب الإبادة لا تريده إسرائيل ولا الإدارة الأمريكية التي تضع اشتراطات وهمية. فهي مع استمرار حرب الإبادة، واجتياح رفح. أما اشتراط توفير ممرات آمنة فكذب. وأين هذه الممرات الآمنة بعد أن دمرت غزة، ولم يبق فيها مكان آمن؟!
الحكام العرب حتى المطبعون خائفون من جبروت إسرائيل وأمريكا، ومن خططهم، ومن غضب شعوبهم التي تختزن البراكين. فهم يدركون أن أمريكا وإسرائيل لا يهمهما مصيرهم، وأن همهم الأساس تفكيك المنطقة وتمزيقها، وإعادة بنائها على أسس مناطقية وقبائلية ومذهبية؛ لتبقى متصارعة وفاقدة للقوة من أجل السيطرة ونهب الثروات.
ما يدور في الكواليس وتقدمه الإدارة الأمريكية كحلول لا يقل خطورة عن الحرب نفسها، وليس المطلوب فقط طمس القضية الفلسطينية، ولكن ما شهدته العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان ولبنان يُراد له أن يعم المنطقة العربية كلها.