مقالات

إصداران مهمَّان

07/09/2023, 08:27:29

 الإصدارات في اليمن كثيرة وكثيرة جداً، وكأنَّ المبدعين اليمنيين يقولون للحرب الكارثية: إن الحياة أقوى من الموت.

إنها إرادة التحدِّي، فخلال التسعة الأعوام العجاف، أصدر المثقفون، والمتخصصون، والأدباء، والكتاب عشرات الإصدارات في المجالات المختلفة، وفي مختلف أفرع المعرفة عن الحرب والسلام، وعن اليمن وتاريخها، وحضارتها، ومقدرتها على مقاومة الغزو الأجنبي، والحملات الاستعمارية، وكان نصيب الإبداع وافرًا سردًا: قصًا، وروايةً، وشعرًا، ونقدًا، ودارسات وأبحاث عديدة.  

سوف أقف إزاء إصدارين مهمَّين الأول «موسوعة الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية» الذي يقع في تسعة أجزاء. يتناول الجزء الأول التصدير الذي كتبه علوان سعيد محمد الشيباني. وعلوان الشيباني رئيس «مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية، وهو صانع فكرة دراسة الهجرة اليمنية، والآثار المتبادلة للهجرة. علوان الشيباني كرجل أعمال، وابن من أبناء المهاجر، يدرك أهمية الهجرة اليمنية، ودورها في فتح النوافذ والأبواب على مصراعيها مطلع القرن العشرين، وتحديدًا زمن المتوكلية اليمنية، والاستعمار البريطاني في الجنوب.

 غادر المهاجر اليمني الأرض المسيجة بالمظالم الفادحة، والأمية الشاملة، والأوبئة الفتاكة، والمجاعات المهلكة إلى مختلف اصقاع الأرض.

 استطاع المهاجرون اليمنيون، وهم ملايين، أن يكسروا حاجز الموت، وأن يوصلوا أنات شعبهم إلى العالم، وأن يحفروا أخاديد وشقوق وثغرات ومنافذ في الجدار الصيني الذي أقامته المتوكلية اليمنية، والاستعمار.

 نقلوا شكاتهم إلى العالم، واكتسبوا خبرات ومعارف وإمكانات لإعالة أسرهم الجائعة والمنكوبة المنهوبة، وبدأوا في إسماع العالم صوتهم، وأسسوا الصحافة في المهاجر كـ«السلام»، و«الصداقة»، وما يزيد عن أربعين صحيفة في جنوب شرق آسيا.

 كان المهاجرون هم المؤسسون الحقيقيون للحركة الوطنية في اليمن شمالاً وجنوبًا، وأسس الحضارم دولاً في جنوب شرق آسيا،  وأسهموا في نشر التعليم الحديث، ودورهم مشهود في تأسيس العربية السعودية، ورفدها بالمال والخبرات، ولهم دور في الإصلاحات السلامية في حضرموت؛

 فالهجرة صانعة التطور والحداثة والإصلاح، وصولاً إلى الثورة والاستقلال. الأحرار اليمنيون، و«صوت اليمن»؛ الصحيفة، ورابطة أبناء الجنوب العربي، وصحيفة «صوت الجنوب»، حضور المهاجر فيها كبير. عرف أرسطو الإنسان: بأنه حيوان ناطق، ومن حق اليمني أن يعرف بأنه: حيوان مهاجر. يصرخ البردوني في وجه الطاغية أحمد حميد الدين: فيمَ السكوتُ ونصفُ شعبك هاهنا * يشقى ونصفٌ في الشعوب مشرد؟!

علوان سعيد الشيباني- كابن بار من أبناء المهاجر- رحل إلى أثيوبيا يافعاً، ودرس في مصر، ورحل إلى أمريكا طالبًا وعاملاً، وعرف معنى الهجرة، وأدرك الأثر الكبير للمهاجر على وطنه اليمني؛ فهو ثمرة من ثمارها الناضجة، وعطاء من عطاياها الزاخرة. بعد عدة لقاءات مع علوان- يرحمه الله- تشكل فريق بحثي لإعداد الدراسات والبحوث عن الهجرة، واختار بعناية فائقة فريق البحث.

 في التصدير يروي علوان جهود باحثين مرموقين مهتمين بموضوع الهجرة اليمنية- دراسة الآثار المتبادلة بأجزائها التسعة في مجالات التاريخ، والفلسفة، والاجتماع، والاقتصاد، والأدب، والفنون، والصحافة، والسياسة، والإحصاء لعامين كاملين 2020- 2021م. يقرأ علوان محتويات الأجزاء التسعة تاريخ الهجرة منذ القدم، وواقع المهاجرين في الداخل، ومكون الهجرة عبر التاريخ، وهجرة الحضارم إلى الهند، وأندنوسيا، والهجرات اليمنية إلى الولايات المتحدة، والهجرات إلى شرق أفريقيا، والهجرة التهامية: أسبابها، وآثارها، والمهاجرين في الأدب اليمني المعاصر، والهجرة في الغناء اليمني، وفناني المهاجر، وأعلام الهجرة، وإنجازات المهاجر في الداخل والخارج،

ويتناول الدراسة الميدانية، التي أشرف عليها متخصصون من داخل الفريق وخارجه، وجرى تنفيذها في الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وأثيوبيا، وأندنوسيا، والكويت، والعربية السعودية، وفي الداخل: تعز، وحضرموت، ولحج، وأبين. ويتناول الجزء الأخير التاسع ملاحق الدراسة، ووثائقها، وصورها منذ ديسمبر 2019، وحتى إطلاق الدراسة في العام 2022؛ مشيرًا إلى توفر الموسوعة في منصة إلكترونية.


 والموسوعة- كما يشير الأستاذ علوان الشيباني- شاملة، وتحيط بكل التفاصيل والمفردات، ويعتبرها محاولة جادة لدراسة ظاهرة الهجرة اليمنية، وتفتح أمام الدارسين والمهمتين مساحات جديدة للاطلاع والإضافة، وتدرس مقدمة فريق الدراسة فكرة الدراسة للهجرة إلى مختلف بلدان العالم لدى رجل الأعمال الوطني المثقف الأستاذ علوان سعيد الشيباني الذي لفتت انتباهه الهجرة كظاهرة مؤثرة في حياة المجتمع اليمني كما في حياة الشعوب التي هاجر إليها اليمني، وبروز الأعداد الغفيرة من رجال الأعمال والأكاديميين والمثقفين والأدباء والكتاب والفنانين الذين تركوا بصماتهم في المجتمع اليمني والحياة العامة.

 سخر الأستاذ علوان «مؤسسة الخير الاجتماعية»؛ لتقديم الدعم اللازم لدراسة علمية تغطي عموم مناطق الهجرة في جنوب شرق آسيا، وشرق أفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، والسعودية، والخليج. وتتناول المقدمة دور مؤسسة الخير في نشر التعليم في مختلف مناطق اليمن، ولا سيما الريف ،والمناطق النائية؛ مشيرةً إلى قدم ظاهرة هجرة اليمن منذ العصور الباكرة،

كما تأتي المقدمة على تتبع ورصد الأبحاث والدراسات عن الهجرة، وجوانب القصور في هذه الدراسات؛ وهو ما تداركته أبحاث الموسوعة التي غطت مختلف جوانب الهجرة في مختلف أنحاء العالم وداخل اليمن، وفي التاريخ القديم والمعاصر، والتأثيرات المتبادلة للهجرة، كما تأتي على دراسة مرحلة الإعداد للأبحاث، ورحلة تنفيذ الدراسات المرسومة، وتتناول إثراء الأبحاث النظرية والدراسات الميدانية. سردية الهجرة منذ انهيار سد مأرب، وصولاً إلى زرع بذور رحلة الشتاء والصيف القرشية- إحدى أهم الممهدات لظهور الدعوة الإسلامية- وتبوء اليمانيين مركز الصداقة في الفتوحات الإسلامية، ثم إن هجرات اليمانيين في القرن العشرين إلى مختلف أصقاع الدنيا هي الإرث المجيد والأساس لصنع اليمن الجديد: يمن سبتمبر 1962، وأكتوبر 1963، ومجد وحدة الـ22 من مايو 1990.

 كل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتحديث في اليمن مرتبطة بسردية الهجرة؛ فقد نشأت الصحافة اليمنية في المهاجر: الصداقة في مصر، والسلام في كارديف، وعشرات الصحف في جنوب شرق آسيا أصدرها المهاجرون الحضارم مطلع القرن العشرين، وكانت الكتيبة الأولى مصر منتصف القرن العشرين الباكورة الأولى لإعلان يمني موحد. كانت هجرة الحضارم إلى جنوب شرق آسيا، وشرق أفريقيا البداية الحقيقية للإصلاح في حضرموت، ونشأة التعليم الحديث، والتشريعات، والصحافة، والتقنين والسلام الأهلي،

 وكانت مهاجر اليمنيين بداية رفد المعارضة الوطنية: حزب الأحرار الدستوري في المتوكلية اليمنية 1944، ورابطة أبناء الجنوب 1951 غير معزولة عن المهاجر الحضرمية. وحتى البعثتان العسكريتان إلى العراق، في ثلاثينات القرن الماضي، غير معزولتين عن الهجرة؛ فالمهاجر الحضرمي، التاجر حسين الحبشي العائد من أندنوسيا إلى صنعاء، هو بطل قصة هاتين البعثتين.

 الازدهار والتفتح والإصلاحات، التي شهدتها المدن اليمنية عقب الحرب الكونية الثانية، عميقة الصلة بسردية المهاجر اليمنية؛ فالهجرة هي الصانع الأول والأساس لنشأة المعارضة الوطنية، وجذر الثورة اليمنية، وازدهار الحياة. ما كتبته ليس أكثر من تحية للإصدار، أما الإصدار الثاني، فهو كتاب «من اللهجات اليمنية: معجم في لهجة المعافر وتراثها»، للأستاذ أحمد شرف سعيد الحكيمي، الصادر عن المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية.

مقالات

الخيانة بلباس الجمهورية

يتشدّق أتباع طارق صالح "بالجمهورية"، كما لو أنهم استيقظوا فجأة ذات فجر على صوت المعركة، وقرروا أنهم أرباب الدولة وورثتها الشرعيون، وأن الشعب لا يُؤتمن على تاريخه، ولا يحق له أن يحدد هوية من يمثله، أو من يتكلم باسمه. يتحدثون عن الجمهورية كما يتحدث الكهنة عن كتبهم المقدسة، لكنهم ينسون أو يتناسون أن أول خنجر غُرس في جسد الجمهورية لم يكن بيد الحوثي، وإنما بيد من تربّى طارق في بيته، ورضع من ثدي سلطته، وتكوّن في دهاليز خياناته.

مقالات

أساليب حوثية تعزز ما يفعله سلاحها

لا تستند الحركة الحوثية في استمرار هيمنتها وسيطرتها في صنعاء إلى السلطة والقوة العسكرية وحدها، فالسلطة وقوة السلاح لا يكفيان لضمان استمرارها في موقع الهيمنة، من دون اتباع أساليب وحيل من شأنها إنهاك المجتمع، وإشغال الناس، وإغراقهم في قضايا كونية ومعارك وهمية كبرى تُفرض عليهم دون أن يخوضوها فعلياً. لكنها، من ناحية أخرى، فعالة في صرف الناس عن التفكير أو الاهتمام بمسائل حياتهم اليومية، وما يتصل بشؤونهم الشخصية والعائلية والمهنية والعلمية والاقتصادية، وتأخذهم بعيداً عن القيام بأي نشاط أو فعل مستقل عن الجماعة، أو حتى معها، ما لم تكن هي من حددت فكرة النشاط وطبيعته وحجمه ومجاله والحاجة إليه.

مقالات

حق المرأة في الولاية وحقها في الدية ( 1-2)

هذا هو الجزء الثاني من الندوة التي أقامها «منتدى التنمية السياسية»، و«منظمة صحفيات بلا قيود»، في صنعاء، فندق «تاج سبأ»، في 27 / 5/ 2007. والجزء الثاني مكرسٌ للرد على أوراق الأساتذة: عبد الملك التاج، والشيخ عارف الصبري. في البدء ألقت الأستاذة توكل كرمان- رئيسة «منظمة صحفيات بلا قيود»، كلمةً حَيَّتْ الحاضرين، وتحدثت عن التخلف في البلدان الإسلامية، وأنَّ خروج المرأة مسئولية المرأة والرجل مَعًا. داعية كُلَّ صاحبِ فقه، ومِنْ أوتي حظًا من العلم الشرعي إلى دعوة المرأة للمشاركة في الحياة والنهوض، وإلى نهج واجتهاد جديدين يرفدان إعلان حقوق الإنسان والعهد الدولي؛ تنير الطريق، ولا ترى في الانتخابات بدعةً وَضَلالاً، ولا في مشاركة المرأة فِسْقًا وفجورًا.

مقالات

تعز... الوجه الذي كان يودّعنا!

لم يكن أيُّ مسافرٍ يطيب له السفر إلَّا من خلال مدينة تعز، أو أن تكون تعز آخرَ ما تقع عليه عيناه، يكحّلهما بها حتى تقرَّ نفسه في رحلة قد تطول أو تقصر، داخل اليمن أو خارجه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.