مقالات
الاستخبارات الإسرائيلية ووحدات خاصة لمواجهة الحوثيين
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن المؤسسة الأمنية في إسرائيل أنشأت وحدتين جديدتين ضمن شعبة الاستخبارات العسكرية خصيصًا لمواجهة التهديدات المتنامية التي تشكلها جماعة الحوثيين في اليمن. وبحسب ما نشرته الصحيفة، فإن الأشهر الأخيرة شهدت تقدمًا ملحوظًا في امتلاك الحوثيين قدرات إطلاق عسكرية وتحويل اليمن إلى منصة إطلاق لخدمة إيران ولمزيد من التحشيد الجماهيري الداخلي، سواء عبر ادعاء الحوثيين تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى بخبرات إيرانية وواجهة يمنية من مهندسين محليين، أو من خلال إنشاء مصانع ومخازن سرية تحت الأرض في مناطق نائية، وهو ما وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه تطور خطير قد يفضي إلى امتلاك الحوثيين آلاف الصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل.
القرار بإنشاء هذه الوحدات الاستخبارية جاء في ظل تصاعد التوتر منذ عام 2023، حيث دخل الحوثيون ساحة الاشتباك المباشر مع إسرائيل عبر عمليات نوعية استهدفت مدنًا ومنشآت إسرائيلية مثل إيلات، النقب، عسقلان، يافا، ومطار رامون وغيرها. هذه الهجمات التي نُفّذت باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى تسببت في تعطيل الملاحة وإغلاق مطار رامون مؤقتًا، كما دفعت السلطات الإسرائيلية إلى إعلان حالة التأهب القصوى رغم عدم حصول خسائر بشرية، لكن سمعة إسرائيل على المحك، وسط إعلان الحوثيين عن نجاح عملياتهم، مما دفع بالتصعيد بتصريحات نارية لوزير الدفاع يسرائيل كاتس من لهجته تجاه الحوثيين، وهدد صراحةً باغتيال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. وكتب على منصة "إكس" أن "عبد الملك الحوثي، دورك قادم، وسوف تُرسل لملاقاة جميع عناصر حكومتك في الجحيم"، مضيفًا أن شعار "الموت لإسرائيل" سيرتفع مكانه العلم الإسرائيلي الأزرق والأبيض في العاصمة اليمنية صنعاء بتحدٍ سافر يدل على عنجهية مستمرة، فهذه التصريحات التي التقطتها وكالات أنباء عالمية مثل الأناضول ووسائل إعلام عبرية عكست ضرورة الانتقال الإسرائيلي من سياسة الدفاع وردع الهجمات الحوثية إلى سياسة أكثر هجومية تقوم على استهداف القيادة السياسية والعسكرية الهامة للجماعة.
الرد الإسرائيلي لم يقتصر على التهديدات الإعلامية، بل شمل ضربات جوية مركزة على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى وأغلبها استهدفت مطارات وموانئ ومنشآت مدنية، وبعضها أسفر عن مقتل قيادات واجهة في الجماعة مثل أحمد الرهوي وبعض "وزراء" الحوثيين، مما يدل على الفجوة الاستخباراتية القائمة لدى إسرائيل وأمريكا. في المقابل توعّد مهدي المشاط بمواصلة استهداف العمق الإسرائيلي، معتبرًا أن الحرب مع إسرائيل جزء من التزام الجماعة تجاه ما يسمونه "محور المقاومة". هذا التبادل التصعيدي وضع البحر الأحمر والممرات الملاحية الحيوية أمام مشهد أمني جديد، خصوصًا في ظل تلاقي التهديدات الحوثية مع حسابات إسرائيل الاستراتيجية التي ترى في الصواريخ الدقيقة تهديدًا مباشرًا لمعادلة الردع.
- آليات التهريب البحرية ودور الحرس الثوري
لا تكتفي طهران بإرسال أسلحة جاهزة كـ"هبات" عابرة، بل تعتمد نموذجًا لوجستيًا متعدد الطبقات يهدف إلى إخفاء المصدر وتمكين التجميع المحلي، وفي القلب من هذا النموذج يقف الحرس الثوري وفيلق القدس كمنظّم ومدبّر. عند النظر إلى الخلفية العملية، نجد نمطًا واضحًا في خطوط الإمداد والتهريب تبدأ من موانئ إيرانية ثم عبور خليج عمان والدخول عبر مضيق باب المندب إلى شرق وجنوب البحر الأحمر، أو المرور على طول سواحل القرن الإفريقي ثم الانعطاف صوب سواحل اليمن في خليج عدن وبحر العرب والبحر الأحمر. وهذا النهج ينطوي على استخدام سفن شحن تجارية وقوارب صيد كـ"غطاء"، وتقسيم الشحنة إلى دفعات صغيرة، وإدراج قطع ومكونات بدلًا من سلاح جاهز، وتوظيف كيانات تجارية أمامية أو واجهية، وتقنيات سُجلت مرارًا في تقارير خبراء الأمم المتحدة.
- الضبط الكبير لشحنة 750 طن هو دليل تكتيكي وتأثير استراتيجي محدود المدى
ما أعلنته قوات المقاومة الوطنية بقيادة الفريق الركن طارق صالح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي بشأن ضبط شحنة ضخمة بوزن 750 طنًا من مكونات أسلحة متطورة يمثل نموذجًا صارخًا لحجم الطموح الإيراني في تجهيز الحوثيين. الشحنة ضمّت محركات لطائرات مسيّرة، رؤوس توجيه، أنظمة ملاحة، وأنواع صواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات. ومع ذلك، يبقى تأثير هذا الضبط تكتيكيًا مهمًا—فهو يحرر قدرًا من المواد ويقلّص القدرة اللحظية—لكنّه لم يُغلق بالضرورة شبكة التوريد التي تعمل بآليات تسمح لها بالتكيف وإعادة التوجيه.
الهدف الاستراتيجي من تمكين الحوثيين بأسلحة دقيقة وطائرات مسيّرة ذات مدى طويل لا يقتصر على تدعيم موقع طهران في اليمن فحسب، بل يسعى إلى ضرب خطوط الشحن والتأثير على أسعار الطاقة وخلق رافعة ضغط دبلوماسي على الدول التي تعتمد على مضيق باب المندب، كما يوفر قوة مزعزعة في مواجهة دول المنطقة وإسرائيل، وبالتالي تحويل اليمن من ساحة نزاع محلية إلى عقدة في معادلة ردع إقليمية.
فماذا تعني هذه الشبكات للملاحة الدولية والرد الدولي الواجب تنفيذه؟
أولًا: حماية السفن التجارية ستتطلب مزيدًا من التنسيق الاستخباري بين الدول الساحلية والقوى البحرية. ثانيًا: الاعتماد على اعتراضات أحادية أو محلية، رغم أهميتها، لن يقطع أصول الشبكات إن لم يترافق مع تتبّع الأموال وفرض عقوبات على الشركات الواجهة. ثالثًا: يجب أن تترافق العمليات البحرية مع ضغوط دبلوماسية تُستهدف دولًا أو كيانات توفر غطاءً لوجستيًا. رابعًا: المنظور الإقليمي يتطلب إيجاد آليات لضمان استمرار التجارة الدولية عبر بدائل ومسارات ملاحية أو حماية قوافل بحرية.
التصدّي لظاهرة التهريب التي يقودها الحرس الثوري يستلزم مقاربة ثلاثية المحاور: عملياتية من خلال مزيد من عمليات الاعتراض والتفتيش البحري المنسقة، واستخباراتية تتمثل في تبادل بيانات ملاحية وتجارية وتقنية فورية، ودبلوماسية/اقتصادية بملاحقة كيانات الواجهة وتجميد الشبكات المالية. الاعتراضات الكبيرة كضبط 750 طنًا هي نتائج مهمة، لكنها جزء من معركة أوسع.
من الواضح أن إسرائيل تنظر إلى الحوثيين ليس فقط كخطر عابر، بل كذراع استراتيجي لإيران على البحر الأحمر، قادر على تهديد الملاحة الدولية وخطوط إمداد الطاقة، وفي الوقت نفسه تشكيل خطر مباشر على الداخل الإسرائيلي. في هذا السياق يمكن فهم أن إنشاء وحدات استخبارية متخصصة لمتابعة الحوثيين هو جزء من إعادة رسم أولويات الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلة ما بعد حرب غزة وتصاعد الدور الإيراني في المنطقة. لكن بالمقابل يطرح السؤال الجوهري: ماذا عن الحكومة الشرعية وقواتها الكثيرة، هل ستبقى تتفرج حتى يدمر اليمن بعنتريات الحوثي والعدوان الإسرائيلي الذي لا حدود له ولا رادع؟