مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

16/09/2025, 14:19:45

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

شكَّلت الإمامة في اليمن واحداً من أسوأ نُظم الحكم، ليس في تاريخ الإسلام فقط بل أيضاً فيما عرفته البشرية من طغيانٍ واستبدادٍ وفسادٍ، مستغلةً منهج الإفقار والتجويع والتجهيل وسيلةً للبطش بكل منتقديها، وإزاحة كل من يقف في طريقها حتى لو كانوا ممَّن يقدِّمون النصح لها من داخلها، لدرجة أن شهدت العائلات المتنافسة على الإمامة اقتتالاً ومذابح كلفت اليمنيين عشرات الآلاف من الأنفس والأرواح. وحدث ذلك حتى داخل العائلات الإمامية نفسها، حيث لم يتردد بعض الأئمة عن إعدام الناصحين له من إخوته وذويه والمتشيِّعين به.

أسوأ من كل ذلك أن يترسخ في وعي ورثة هذا الإرث وجوب استمراره في كل عصر، وأنَّ مثل ذلك العنف ضد أبناء عقيدتهم وشركائهم في الأرض والعرض هو "جهادٌ مقدسٌ" كلَّفتهم السماء بحمل رايته جيلاً بعد آخر، وما على الآخرين سوى الصبر وقبول الابتلاء والانقياد وراء مزاعمهم نحو محارق الموت، في قتال البعض للبعض وصراع الكل مع الجميع داخل الوطن الواحد.

حديثاً، لم يعد مثل هذا الأمر مقبولاً بعد أن تقلصت مساحة الأميّة نسبياً عمّا كانت عليه في القرون والعهود الإمامية البغيضة البائدة، وبعدما يزيد عن 60 عاماً على اندلاع ثورة الـ26 من سبتمبر وقيام النظام الجمهوري اللذين أنقذا إسلام اليمنيين من الغرق في غياهب اللاهوتية ودياجير الخرافة، وأعادا له جوهره الصحيح، وأصبح أشياع الإمامة أنفسهم جزءاً من دولته ونسيجه الاجتماعي في كل مفاصل الحكم وتفاصيل السياسة.

اليوم، اليمن يعيش في خضم تكنولوجيا المعرفة والاتصال، وبعض أبنائه في قلب العصر والحداثة الثقافية والاجتماعية والواقعية السياسية المعاصرة، ولا يمكن استغفاله وخداعه والرهان على بقائه إلى ما لا نهاية في مناطق النزوح داخلياً أو بلدان اللجوء والشتات خارجياً.

أقول لمن لا يزال يعيش وهم الاصطفاء والاختيار الإلهيين والانتقاء السلالي لأداء التسلط نفسه بواسطة نهج الغلبة واستثمار فقر القبائل وقلة حيلة البسطاء من الناس: إن ذلك التاريخ ولَّى، ولن يعود في المستقبل كما كان عليه في الماضي، جولةٌ بجولة وصولةٌ بأخرى، فالشاهد من الأحداث الأخيرة في اليمن والمنطقة أن المستقبل هو لمن يمتلك نواصي العلم والمعرفة والتكنولوجيا، ويؤمن بمبادئ الديمقراطية والكفاءة والنزاهة والشفافية، ويقبل بالمحاسبة.

ما يجب أن يتنبّه له الجميع هو أن علينا أن نقبل بالحقيقة، وبالحلول الاضطرارية العملية غير المثالية لمشاكلنا مهما كانت مؤلمة ومُرَّة، خيراً من التمسك بالأوهام والخرافات واجترار الماضي، مهما كانت مسكِّنةً ومهدئة لأحلام البعض أو جميلةً في نظرهم، فهي -دون شكٍ أو جدال- كانت أكثر قبحاً من القبح نفسه.

مقالات

الحقيقة العارية: اليمن بين إدارة الفوضى وتجارة النفوذ

من يتأمل المشهد اليمني اليوم يدرك أنه لم يعد مجرد صراع داخلي بين قوى متناحرة على السلطة، بل تحول إلى عقدة جيوسياسية مفتوحة على احتمالات أبعد من جغرافيا اليمن وحدوده. فما يحدث ليس وليد لحظة عابرة، بل حصيلة تراكم طويل من التداخلات بين المحلي والإقليمي والدولي، حيث صار اليمن ساحة صراع تتقاطع فيها مشاريع الغير أكثر مما تتبلور فيها خيارات الداخل.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.