مقالات

الحوثي إرهابيا: فرصة جديدة لحسم المعركة

13/01/2021, 07:37:13
المصدر : خاص

في الواقع كانت جماعة الحوثي قد استكملت كل المواصفات العملية؛ لتغدو "جماعة إرهابية" منذ زمن، بل إن جوهر تكوينها الاستعلائي يحمل بذور الفكرة الإرهابية، وتزداد الصفة تجذرا وقد لازمها السلاح كوسيلة لاستعادة الحق المزعوم بالحُكم، كما تعتقد الجماعة. 

سياسيا، حالت المصالح والرغبات والمخاتلة الدولية دون تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية، رغم أن كل الدلائل النظرية والعملية تؤكد أننا أمام جماعة يمثل الإرهاب أحد أبرز تجلياتها السلوكية منذ بداية انطلاقتها. 

من زاوية أخرى، وكما هو معروف، أول مشكلة نظرية تحيط بفكرة الإرهاب هي أن المجتمع الدولي تعمّد ترك المفهوم مائعا دون تحديد صارم، وهو ما منح الجماعة الحوثية وقتا للعبث بمصير اليمنيين، دون أي ردة فعل دولي سريع وحاسم؛ لتعريفها كجماعة إرهابية، والعمل بمقتضى هذا التعريف وفرض حصار شامل عليها ينتهي بكسرها أو استسلامها. 

والآن وقد صدر قرار من القوة العالمية الأولى بتصنيفهم "جماعة إرهابية"، فالأمر من زاوية ما يعيد إلى مفهوم الحرب على الإرهاب قدرا من مصداقيته، وينهي حالة التردد والتلاعب السياسي بالمفهوم من قِبل المجتمع الدولي، كما أن هذا القرار -بصرف النظر عن دوافعه- هو تأكيد لصرخات اليمنيين منذ سنوات، وهم يتعرّضون لكل صنوف الترهيب من هذه الجماعة، بكل ما يحمله هذا التأكيد من أثر دولي مُهم، لجانب أنه يوفّر فرصة جديدة لليمنيين ويمنحهم وقودا لمعركتهم ضد انقلاب المليشيا الحوثية. 

لم يكن ينقص الحكومة الشرعية واليمنيين مبررات أخلاقية أو قانونية لمقاتلة جماعة الحوثي واستعادة مصيرهم المختطف من قِبلها، فالجماعة دشنت أبشع وأطول معركة في البلاد، وصنعت أكبر مأساة في التاريخ اليمني الحديث، إلا أن ارتباكات الشرعية وعدم جدية الأطراف الداعمة لها، إلى جانب تراخي الموقف الدولي تجاه الحوثيين، أطال زمن المعركة، وبهذا تمكنت الجماعة الحوثية من تثبيت وجودها. 

طوال السنوات الخمس للمعركة، وبالرغم من الاعتراف الدولي بالحكومة الشرعية كممثل وحيد للشعب، إلا أن المجتمع الدولي كانت لديه قنوات تواصل مع الحوثيين، الأمر الذي استثمره الحوثي لتسويق نفسه كجماعة لديها قابلية للسلام، ومن هذه الشقوق الدولية تسلل الحوثي وساعده بذلك أكثر المبعوث الأممي، الذي عامل الحوثيين بدلال واضح ورسّخ وهماً لدى المجتمع الدولي بأن الحوثي مستعدٌ للحوار والدخول في تسوية تفضي لإنهاء الحرب. 

ولعلّ أبرز ما مكّن الحوثي من ممارسة إرهابه المفتوح ضد المجتمع، هو أنه كان يتعامل بازدواجية واضحة، ففي الوقت الذي اتبع فيه استراتيجية عنيفة للسيطرة على الداخل، كان يتعامل بمرونة مع الخارج، وبما يحسّن من صورته، ويظهره كجماعة تنتهج الطّرق الدبلوماسية في التعامل مع دعوات السلام الدولي، لكنه في حقيقته العميقة ظل "جماعة إرهابية"، تؤمن بالعنف كطريقة وحيدة لتحقيق مكاسبها وضمان إخضاعها الشامل للمجتمع والاستفراد بالفضاء العام لوحدها. 

ومن هذا المنطلق، يكون تصنيف الحوثي "جماعة إرهابية" يتطابق موضوعيا مع أبسط تعريف مبدئي للإرهاب، باعتبار الإرهابي هو "كل من يستخدم القوة لتحقيق مكاسب سياسية"، وفي الحالة اليمنية تكاد تكون الجماعة الحوثية هي أبرز جماعة عنف اتخذت من السلاح الوسيلة المركزية لتحقيق مآربها، وقوّضت العملية السياسية في البلاد، وأدخلت الشعب في دوّامة مفتوحة من العنف، كان الحوثي هو مفتاحها الحصري ومصدر شرارتها. 

لا يُجمع اليمنيون على شيء مثل اتفاقهم على إرهاب الجماعة الحوثية، من قبل تصنيف أمريكا لهم ومن بعده، سيظل اليمنيون يتذكرون فترة الحوثي باعتبارها أسوأ فترة ظلامية عاشها الشعب، وعلى الرغم من حالة الإجماع هذه، إلا أن طول زمن المعركة ضدهم أسهم في فقدان ثقة الناس بإمكانية الحسم، وفتح الباب لأطراف دولية للتعامل مع الحوثي، لدرجة أن الأمم المتحدة نفسها أسهمت في إثراء الجماعة، تحت غطاء المساعدات الإنسانية، والجميع يعرف كيف كانت الجماعة الحوثية تتلاعب بها لصالح مشروعها. 

اليوم، وبعد القرار الأمريكي في تصنيف الحوثي إرهابيا، ومن واقع ردود الفعل الشعبي على القرار، بدا كما لو أننا أمام زخم جديد يُمنح للشرعية ويعزز من قوة شرعيتها دوليا، وبهذا تكون الشرعية اليمنية أمام فرصة تاريخية؛ لإثبات جدارتها بالقيادة واستثمار الزخم الشعبي المتجدد في مناهضة الحوثيين، والدفع بالمعركة معهم نحو الحسم. وما لم تتمكن الشرعية من ترتيب أدواتها والاشتغال بحيوية ونشاط أكبر على المستوى العملي في الأرض وعلى مستوى تشبيكها الدولي ومحاصرة الحوثي وعزله داخليا وخارجيا، حتى يرضخ للسلام أو يُكسر عسكريا وتستعيد الدولة سيطرتها على كامل التراب، فلا أظن أن هذه اللحظة تتكرر، كما أن عدم تمكن الشرعية من استثمار القرار سيؤدي مع الأيام لتراخي أثره ويتمكن الحوثي من الالتفاف عليه والمناورة للتحايل عليه وتخفيف آثاره على كل المستويات، وبهذا تخسر الشرعية فرصة جديدة لتخليص اليمنيين من كارثة هذه الجماعة المقامرة بمصير شعب كامل.

أخيرا: نحن اليوم أمام امتحان جدي للمجتمع الدولي، كي يعزز موقفه النظري من الجماعة الحوثية بمواقف عملية، تُسهم في تخليص الشعب اليمني من سيطرة "جماعة إرهابية" عليه، ما لم سيظل القرار مجرد إعلان ضعيف الأثر، تماما كمواقف المجتمع الدولي الداعم للشرعية، دون أي إجراءات عملية، لحماية شعب ودولة هي عضو في الأمم المتحدة، وتناشد العالم كله أن يسندها لحماية شعبها من الإرهاب.

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.