مقالات

القدس ومخطط الاستيطان

08/04/2023, 20:41:26

ما يجري حاليا من الاقتحامات شبه اليومية المتكررة للقدس لم يكن غائبا عن ذهن الغزاة الإسرائيليين.

فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، عززت المخططات الصهيونية مزج غاية التهويد بأهداف الاستيطان.

منذ إعلان الدولة الإسرائيلية في 1948، كان الاستيطان هدفا رئيسا، ولكن التهويد حاضر فيه بقوة. فالاحتلال الاستيطاني قائم على أسطورة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"؛ ما يعني النفي المطلق للشعب الفلسطيني، واستئصال وجوده أرضا وتاريخا وحضارةً وثقافةً ودينا ولغةً.

 يجمع الإشكناز العلمانيون الآتون من مختلف بلدان أوروبا، والسفارديم، وهم المحافظون التوراتيون الآتون من أيبيريا، وآسيا الوسطى والبلدان العربية- على الاستيطان والتهويد؛ لا يختلف في ذلك بيريز ومائير ودايان الآتون من حزب العمل، عن "غوش أمونيم"، أو "هزراحي"، أو "شاس"، الآتين من اتجاهات دينية، كما لا يختلف السفارديمي عن الإشكنازي في التمسك بخرافة أرض المعياد؛ فكل الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل هدفها الاحتلال الاستيطاني لفلسطين.

جرى ويجري الآن مد الاستيطان إلى مختلف مناطق الضفة العربية؛ باعتبارها يهودا والسامرة كأرض توراتية أو يهودا وإسرائيل كما يسمونها، كما يتزامن هذا الاستيطان مع سعار التهويد لمدينة القدس، وتحويل المسجد الأقصى إلى مزار، ومعبد يهودي، ومذابح قرابين لإله يحب رشاش الدماء وريح القتر كإبداع المعري.

في كتابه المهم "القدس: المخططات الصهيونية، الاحتلال، التهويد"، يشير الباحث سمير جريس: "لم يكن وقوع المدينة المقدسة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي نتيجة حربي 1948- 1967 فحسب؛ بل جاء نتيجة لسلسلة من المخططات الدقيقة والمدروسة التي كان تنفيذها- وما يزال- يجري على مراحل متعددة تتلاءم مع القدرات الصهيونية البشرية والمادية والسياسية العسكرية، وقد بدأت أولى هذه المراحل مع نشوء الفكرة الصهيونية".

كما يشير إلى المؤتمر الصهيوني في بازل 1897، وقد اتسمت هذه المرحلة بتسلل اليهود إلى فلسطين بدوافع دينية، أو اقتصادية - سياسية، أو جامعة بينهما، خلال فترة الحكم العثماني لفلسطين؛ الأمر الذي نجم عنه تشكل جالية يهودية في البلاد استوطنت غالبها القدس، ثم ما لبثت أن أصبحت إحدى قواعد العمل الصهيوني.

يستعرض بتوسع السياسات والممارسات التي انتهجتها إسرائيل وتنتهجها في سعيها لتذويب الوجود العربي في المدينة: أملاكا، وسكانا، واقتصادا، وحضارة، وآثارا. والواقع أن معركة القدس تبين مدى جبروت وعدوانية الموقف والنهج الإسرائيلي، وضعف وخذلان الموقف العربي، والقيادة الفلسطينية، وصمود وصبر الشعب الفلسطيني.

ظلت المدينة تحت الحكم العثماني حتى سقوطها بأيدي البريطانيين عام 1917 قرب انتهاء الحرب الكونية الأولى. في عام 1948 احتلت إسرائيل الجزء الغربي من المدينة، أما الجزء الشرقي، فقد احتلته في حرب 1967.

المفكر الإسلامي البارز عبد الرحمن الكواكبي يرى أن الدين خادم للسياسة، وأن الاستبداد الديني مقدمة للاستبداد السياسي، ولكن تداخل الديني والسياسي حد الامتزاج في الفكر الصهيوني جلي؛ فما يقوله الكهنة يردده العلمانيون، والعكس صحيح أيضًا. فجولدا مائير، وهي أحد أبرز قادة إسرائيل، تسخر من مقولة: "شعب الله المختار"، وتقول: "إن اليهود هم الذين اختاروا الله ووحدوه".

قليلة هي الدراسات العربية، التي بحثت الفكر الصهيوني، وكان اهتمام مركز الدراسات الفلسطينية رائد في ذلك، وقد أصدر قبل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982 ما يزيد عن ستين كتابا، وعشرات الأبحاث والدراسات، لعل من أهمها كتاب "من الفكر الصهيوني"، للعديد من الكتاب والمفكرين الصهاينة، كما اهتمت "دار المستقبل"، بإصدار سلسلة "قادة العدو"، وهي من أهم الإصدارات.

يشكو الباحثون الفلسطينيون من عدم اهتمام الفكر العربي بدراسة الفكر الصهيوني، في حين اهتمت المؤسسات الصهيونية بدراسة الفكر العربي ومعرفته؛ للرد عليه، ووضع الخطط والأهداف للمواجهة.

يُعرِّف المفكر الصهيوني ناحوم غولدمان في مبحث له بعنوان "من أجل حل كنفدرالي"، للشعب اليهودي بأنه شعب، وجماعة دينية في آن. وهذه الخاصية تميزه عن غيره من الشعوب التي توحد دوما بين ولائها الديني، وهويتها القومية، حتى ولو كان لها دينها الخاص.

يضيف: "بل إنه ليس ثمة من تاريخ يقابل تاريخ الشعب اليهودي". ويتساءل: "أين يمكن العثور على مثال لشعب شُتت خلال قرون في أنحاء الكون، وكان ينبغي وفق كل قوانين التاريخ أن يزول، أو أن يذوب، ولكنه عوضًا عن ذلك استطاع الحفاظ على وجوده، والتغلب على قرون من التشتت والاضطهاد، ومحاولات الإعدام المتكررة؟". (من الفكر الصهيوني، ص328).

في كتابه "المسألة اليهودية"، يرد كارس ماركس ذو الأصل اليهودي: "يجب ألا نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل نبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي. اليهودية دين المال، دين المتاجرة. المال هو إله إسرائيل المعبود".

هناك إشكالية حقيقية بين المزج بين القومية المصطنعة، والانتماء الديني؛ وهو سبب الإشكالية الحقيقية القائمة حتى اليوم في تعريف اليهودي.
هل الأساس العرق، أو الدين؟ وهو سبب رئيس للعجز عن صياغة دستور للدولة الإسرائيلية.

ارتبطت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بعوامل عديدة من أهمها: الحملات الاستعمارية، والثورات البرجوازية في أوروبا، وخلق كيان يمثل الامتداد الحامي للمصالح الاستعمارية في منطقة شديدة الخطورة والأهمية، ولعل الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة في الشارع الإسرائيلي هي الرد الواقعي على خرافة التمييز العرقي، والوحدة الخرافية بين جماعات وأقوام آتية من شعوب وأمم وقوميات وحضارات مختلفة، وإحلالهم محل شعب تمتد جذوره لآلاف السنين، كما أن مقاومة الشعب الفلسطيني لما يقرب من قرن هي التحدي الواقعي المؤذن بأن الاحتلال الصهيوني العنصري لن يستمر؛ فعلى مدى الأشهر الفائتة من العام الحالي تتصاعد المواجهة بين المقاومة الفلسطينية، ومليشيات وجيش وأمن إسرائيل، ويتفجر الصراع داخل الكيان الإسرائيلي بين اليمين الإسرائيلي الحاكم منذ  1975.

الاجتياحات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ليست هي المرة الأولى، ولهذه الاجتياحات المتكررة أهداف وغايات عديدة؛ فالهوس الديني الخرافي المتصاعد يرى فيها الخلاص للتعجيل بعودة السيد المسيح، وهي أسطورة تلازم اليهود لآماد متطاولة. ففي العام 1969، قام يهودي استرالي متطرف بإحراق الجامع القبلي بهدف التعجيل بخروج المسيح، وفي الثمانينات من القرن الماضي، قام أعضاء من منظمة "غوش أمونيم" الدينية بتفجير في المسجد، وخلال الانتفاضة الأولى 1988 أطلقت القوات الإسرائيلية الغاز المسيل للدموع، وأصابت أربعين مصليا في المسجد الحرام، وكان الاجتياح الإرهابي الأشهر اجتياح أيريل شارون للمسجد عام 2000؛ ما أدى إلى الانتفاضة الثانية، التي استمرت خمسة أعوام.

الأساطير التي قامت عليها دولة إسرائيل تتناسل منها خرافات وأوهام تبدأ ولا تنتهي؛ فالبحث عن جبل الهيكل نجم عنه تنقيبات عديدة تحت المسجد هي أقرب للتخريب منها للتنقيب، كما قام متعصبون عام 1999 بحملة ضد المصلين انتهت بمقتل 22 فلسطينيا، وإصابة أكثر من مئة من شرطة الحدود.

البحث عن جبل الهيكل، وإشعال الحروب لاستعجال خروج السيد المسيح تعبير عميق عن الأزمة داخل المجتمع الاستيطاني. فالعلمانيون المؤسسون للدولة يدركون أن المتطرفين يريدون الإطاحة بآخر ما تبقى من وجود لهم في الحكم، كما يدركون خطورة الأوضاع الكونية، وما يجري في المحيط الإقليمي؛ فالأب والحاخام الأكبر- أمريكا، يبتعد عن المنطقة، وهم يستشعرون أيضا أن نجم الغرب الحامي مائل للأفول.

اليمين المتطرف لا يدرك خطورة التبدلات في المنطقة العربية البادئة في التعافي، ونبذ صراعاتها البينية، والصراعات مع الجوار.

إشعال الحروب، وتصعيد الاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني، وحمى التهويد، وتوسيع نطاق المواجهة مع سوريا، ولبنان، وغزة مآلها البوار، وقد تؤدي إلى خروج المسيح العربي الفلسطيني.

مقالات

عبد الودود مقشر وتاريخ تهامة

عبد الودود مقشر أستاذ أكاديمي جليل، وباحث مجتهد وقدير. رسالته للدكتوراة «حركة المقاومة والمعارضة في تهامة 1848- 1962م» أول دراسة علمية شاملة وجامعة عن تهامة.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.