مقالات
المفكر القومي العربي خير الدين حسيب
الكتابة عن المفكر القومي والإنساني خير الدين حسيب سِبَاحة في محيط. فهو عالم وعلم من أعلام الأمة العربية، وأحد دُعاة إعادة بناء نهضتها.
مِيزَة هذا المفكر القومي أنه جمع بين القول والفعل. فهو لا يقف عند تخوم التنظير المجرد، ويجسد عرفانه العلمي والتنويري بالفعل، وكان دوره في البنك المركزي العراقي بمساعدة مصر بعد النكبة قويًّا ومؤثرًا.
كما قام بدوره، وهو الزعيم الناصري، في النظام البعثي في بناء التجربة القومية العراقية، وفي مساعدة العراق بالاستيلاء على ثروتها النفطية والسيادة عليها.
عمل مع الأمم المتحدة قبل تأسيس «مركز دراسات الوحدة العربية»، عام 1975. كان خير الدين أحد أهم المدافعين عن الإنسان العربي، وقضاياه القومية، وعن الفكر والأدب والثقافة، وكان الأب الروحي لِكُلِّ المثقفين العرب، وجعل من مجلة «المستقبل العربي» مِنبرًا لكُلِّ الاتجاهات القومية، والإسلامية، والماركسية، واعتبر التيارين: القومي، والإسلامي جناحي الأمة، كَمَا صَنعَ من المركز القومي وَاحةَ لقاء لِكُلِّ الفرقاء السياسيين، ونقطة تلاقٍ وحوار لِكُلِّ التيارات الفكرية والثقافية.
رُبَّمَا تجربته القاسية مع نظام البعث في العراق وهزيمة 1967، قد فتحت عينيه على طبيعة الأوضاع العربية ومعاناة الأمة. ومأساة تغييب البحث والمعرفة والحوار والديمقراطية.
اتجه إلى بيروت، وأسس «مركز دراسات الوحدة العربية»، عام 1975، وَأسهَمَ بِدورٍ فَاعلٍ وَخَلَّاق في إصدار الكتب والأبحاث والدراسات العربية والعالمية وعشرات الترجمات في مختلف مجالات المعرفة. كما اضطلعت مجلة «المستقبل العربي»، التي أصدرها المركز عام 1978، بنشر الأبحاث والموضوعات وإقامة الندوات والحوارات مع مختلف التيارات الفكرية والسياسية العربية والعالمية. وكان حضور المفكرين والعلماء مَائزًا في نشاط المجلة.
وأسهم الدكتور خير الدين والمركز في «ندوة الديمقراطية»، ولم يتمكن المركز من عقدها في أي عاصمة عربية، فأقامها المركز في «ليماسول»، في قبرص عام 1983، وقد شارك كثير من العقول والمفكرين العرب والأجانب، وتم إصدارها في مجلد ضخم؛ وهو من أهم ما صدر عن الديمقراطية في الوطن العربي.
دَرسَ المفكر القومي المؤصل والرائد الفكر الأوروبي، كَمَا دَرسَ حال أمته العربية، وهو يقارن بين التكتلات الناشئة في أوروبا (الوحدة الأوروبية) والتكتلات العالمية في أمريكا اللاتينية، وآسيا، وإفريقيا، مِعَ شَتاتِ وهشاشة وتمزق الأمة العربية واستبداد حكامها. ويلاحظ أنَّ مقومات الأمة حاضرة في الجسم الواحد، ووحدة المصير المشترك. فمقومات وحدة الأمة -أيُّ أمة- لا تتوفر لأي أمة كَمَا تتوفر في الأمة العربية. وأحداث التاريخ شَواهد حَيَّة.
في إجاباته عن مقابلة أجرتها معه الصحفية ملاك جعفر من «بِلا قيود»، ونشرت في «المستقبل العربي»، عدد 417، تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 - تَطرَّقَ فيها إلى أثر غياب مصر وسيطرة الخليجيين على الجامعة العربية.
يميز حسيب الدين بين الوحدة السياسية وبين الوحدة القائمة، أو التي يجب أن تقوم على ستة عناصر: الوحدة، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلة؛ الاستقلال الوطني والقومي، والتجديد الحضاري. والمفكر النهضوي حسيب هو من يتبنى هذه الرؤية.
كان حسيب قَوميًا ناصريًا حتى العظم. ومع ذلك انتقد التركيز على التنمية في تجربة الزعيم عبد الناصر، وتغييب الديمقراطية؛ وَهُوَ مَا أدَّى في نهاية الأمر إلى ضرب التجربة.
يقرأ في الإجابات الربيع العربي، ويرفض تسميتها بـ«ثورة»، ويرى فيها فترة انتقالية. وينتقد دور الإخوان المسلمين في الربيع وانفرادهم بالسلطة، وغياب البرنامج. وينتقد أنموذج سوريا، وتكوين الجيش الحر، وانخراط جماعة النصرة وجماعة الدولة الإسلامية؛ فهي لا تصلح أن تكون بَديلاً؛ بل هي الأنموذج الأسوأ.
وعن سؤال صعود نجم الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي، ولم يقدم حلولاً لمشاكل المواطن العربي، كما أنَّ القومية العربية لم تقدم هذا الجواب، والمشروعان في نظر كثير قد فشلا.
ويرد خير الدين حسيب: هذا غير صحيح. فمنذ أوائل التسعينات تَمَّتْ المصالحة بين التيارين: القومي، والإسلامي. وقد عقدنا عام 1989 أهم حوار هو «الحوار القومي الديني»، في ندوة عُقِدَتْ في القاهرة. بعد ذلك أسِّسَ المؤتمر القومي الإسلامي، وبلورنا برنامجًا فِكريًّا وَسِياسيًّا والتزمنا به.
إنَّمَا الإخوان المسلمين -للأسف الشديد-، ولأسباب سأذكرها فيما بعد، نقضوا التزامهم به، وانفردوا بالسلطة. في أوائل حزيران يونيو من هذا العام عُقِدَ المؤتمر القومي العربي في القاهرة، واجتمعنا أنا والشيخ راشد الغنوشي بالأخ حمدين صباحي كممثل لجبهة الإنقاذ، وكان لديهم في الجبهة ثلاثة شروط:
1- تأليف حكومة جديدة. يُتَّفَق على رئيس الوزراء، وعلى سبعة وزراء سِيادِيِّة. بعد ذلك يَختَار رئيس الجمهورية بقية الوزراء كما يريد.
2- نائب المدعي العام، الذي أبعده الرئيس محمد مرسي، أن يُعيّن نائب مُدَّعٍ جديد يختاره المجلس القضائي.
3- أن يتفق على قانون الانتخابات. ويشير خير الدين حسيب أنه وراشد الغنوشي قد رأيا أنها مطالب معقولة. وقد التقى خير الدين بالمرشد العام للأخوان المسلمين ورفضوا تلك المطالب.
ويفسر الدكتور الرفض بتقاطع المصالح مع تركيا والولايات المتحدة. فقد توصلت الولايات المتحدة إلى قناعة أنَّ الإخوان المسلمين هم الأوفر حَظًّا في الانتخابات، وَتَمَّ التوافق في قضايا أخرى تهم أمريكا تتعلق بالقضايا الفلسطينية، والإبقاء على كامب ديفيد مع بعض التعديلات، والإخوان المسلمون غيروا مواقفهم بعد الانتخابات.
حرصت على نقل الإجابة عن السؤال كَاملاً؛ لأنه يجيب عن جوانب مِمَّا حصل للإخوان المسلمين في مصر، وما يجري الآن فيما آل إليه الحال في المؤتمر القومي الإسلامي، وَمِنْ ثَمَّ العلاقات بين التيارين، والوضع العربي العام، وحرب إبادة غزة، ومحاولة القضاء على فلسطين، وتفكيك سوريا، واحتلال جنوب لبنان، وحرب الإبادة في السودان، والحرب في اليمن وعليها، وتمزيق نسيج المجتمعات العربية داخل كُلِّ قطر، وبين الأحزاب والاتجاهات السياسية المختلفة.
شعرت بالحزن والخجل لِمَا حدث ويحدث لإرث هذا الرائد النهضوي الذي وهب حياته لتبني قضايا الأمة العربية، والدفاع عنها، وعن حضارتها وتراثها ومستقبلها.
وكان يتابع يَومِيًّا حال الأمة وما تعرض له، وعمل على خلق الحوار بين المكونين: القومي العربي، والإسلامي، وأدرك بَاكرًا أهمية الحرية والديمقراطية، وتلاقي المكونات السياسية: القومي العربي، والإسلامي؛ الديمقراطي، واليساري، الوحدوي، والليبرالي.