مقالات
المولد النبوي لدى مليشيا الحوثي.. موسم للنهب
منذ شهرين، المليشيا الحوثية تمارس الابتزاز على نطاق شامل، تنهش جيوب التجار والمواطنين، تسرق المسكين والمقتدر، البائع والمهندس، بائع الحلويات والباعة المتجولون، وكل إنسان يعيش تحت قبضتها. كل نهب يحمل عباءة الدين، وكل ابتزاز يُقنع الضحايا بالقداسة الزائفة لما يفعلونه. المولد النبوي عندهم أصبح مناسبة للسطو على كل قيمة، على كل فكرة، على كل ذاكرة جماعية. آلة الطغيان تمتد يدها لتلتهم قوت الناس وعرقهم وتحوّل تضحياتهم إلى غذاء لشراهة لا تعرف الرحمة، مستغلة الدين كغطاء مقدس لنهب وممارسة القوة بلا حدود.
عشر سنوات والمليشيات المريضة تحتفي بالمولد بشعارات الخرافة، وباللون الأخضر الذي تحول إلى فلسفة للسيطرة والموت، لا يمت للدين أو للنبي بصلة. اللون الأخضر عندهم رمز للسلالة، شعار الطفيليات، غطاء يطمس التاريخ ويشوّه الرموز الدينية، يحوّل الاحتفال إلى موسم للسطو والجبايات، مناسبات دينية تستبدل الروحاني بالترهيب، والفرح بالإذلال. كان المولد عند اليمنيين مناسبة روحانية صافية، تهليل وذكر لله، دون أي سلب أو ابتزاز، الآن صار اليوم الذي يخشاه المواطن، خوفًا من الجبايات، ومن يد تطاول جيوبه تحت شعار القداسة الزائفة.
المولد عند الحوثي مناسبة مزدوجة: سطو رمزي على التاريخ والوعي، وسطو مادي على الأموال والجهد اليومي. احتفال مزيف يستخدم الدين كغطاء لقهر المجتمع، صنعاء تلبس ثوب العار، تتنكر بالزي الأخضر، لون يُخفي الحقائق ويشوّه الرموز، يحوّل البشر إلى أدوات تحت آلة الطفيلي المتوارث. الحوثي يظهر وكأنه يؤدي شعيرة مقدسة، بينما اليمنيون يُساقون إلى المعتقلات، ويديه تمتد إلى جيوب الناس لتنهب قوتهم، تلتهم عرقهم، تحوّل تضحياتهم إلى غذاء لشراهة لا تعرف الرحمة. كل ريال يُسحب، كل ابتزاز يُفرض باسم الدين، كل سلب يُلبس عباءة القداسة، يتحول إلى طقس سنوي يكرّس الهيمنة الرمزية على الوعي الجماعي، ويزرع الخوف في نسيج المجتمع.
السلالي لم يعرف الإنتاج أو البناء، حياته قائمة على الطفيليّة، على التربص بما يزرعه الآخرون، على انتزاع رزقهم دون جهد أو دموع. أجداد اليمنيين اقتلعوا أرزاقهم من الطين والحجر، حرثوا الأرض بدموعهم وعرقهم، اجتهدوا في كل فصل من الحياة، فيما السلالي يجلس عند الحصاد، يتقاضى نصيبه بلا شعور بالمسؤولية، بلا خجل، بلا إنتاج. تطورت الحياة، وتطورت أدوات النهب، بقي جوهره متسلقًا، آفة لا حياة لها إلا بموت من حولها، روح طفيليّة متأصلة متوارثة عبر الأجيال، يمارس السلطة كمشروع أبدي، يطغى على البشر، يمحو الحرية والإبداع، يحوّل كل عمل شريف إلى رماد، ويستخدم الرموز الدينية للتعمية على طفيليته.
كل ريال يُسحب من جيوب المواطنين رصاصة في صدر اليمن، امتداد مباشر لسلسلة نهب متواصلة منذ قرون، فصل جديد في مسلسل استنزاف الموارد والجهد الوطني، تدمير الإرادة الجماعية، محو أي فرصة لبناء وطن حر. هذه الحرب ليست مواجهة عسكرية فحسب، إنها حرب وجودية على كل فكرة، كل كرامة، كل إمكانية لبناء وطن مستقل، على كل محاولة للاحتفاظ بالذاكرة الوطنية. كل ريال مسروق يثبت استمرار الهيمنة الحوثية، يحوّل الجهد البشري إلى غذاء للطفيلي المتوارث، ويعطل قدرة المجتمع على التقدم، الاستقلال، ومقاومة الظلم المتجذر.
اليمنيون أمام خيار صارم: مواجهة هذه الآفة المتوارثة، تكسير هيكلها العفن، استعادة الحقوق المغتصبة، إعادة بناء الأرض والذاكرة والكرامة. المواجهة ليست احتجاجًا رمزيًا أو بيانات استنكار، إنها فعل مقاومة مستمر، مواجهة فلسفية وسياسية لتجذر الاستبداد في كل نسيج اجتماعي. أي تسوية مع الطفيلي استمرار للنهب، إعادة إنتاج للهيمنة، إبقاء الشعب في حالة خضوع مبرمج. مواجهة السلالة تعني مواجهة كل ما يمثله الطفيلي من فساد وتحكم واستنزاف مستمر لكل طاقة وإبداع، مواجهة تتطلب شجاعة ووعيًا، رفضًا كاملًا لأي أشكال من التسويات الزائفة التي تقدمها المليشيات تحت غطاء الدين أو الشرعية. المقاومة الحقيقية فعل سياسي وفلسفي يعيد تعريف الكرامة، يثبت الإنسان في موقعه كفاعل ومصدر للوجود والمعنى.
المليشيات الكهنوتية في احتفالاتها المزعومة أداة للتحكم في المجتمع، للسطو على الجهد والوعي، لإلغاء كل شكل من أشكال الحرية. السلالة التي تحتفي بالمولد استمرار لطفيليّة قديمة، آلة للاستحواذ على كل ما هو حي، كل فكرة، كل ذاكرة، وكل مشروع جمهوري. ما لم يتحرك الشعب والضمائر، ستظل الطفيليات تسرق كل شيء، تحكم بالعنف، وتعيد إنتاج نفسها في كل سنة، في كل مناسبة، في كل احتفال ديني يُستغل لتثبيت الاستبداد. المعركة حرب وجودية على كل ما يربط الإنسان بالحرية، بالهوية، بالكرامة، وعلى كل ما يمكن أن يبقى للشعب من قدرة على مقاومة الهيمنة والاستبداد، وعلى كل رمز ديني استخدم لتغذية الطفيلي المتوارث.
النصر يتحقق بالوعي، بالتصدي المستمر، بالقدرة على اقتلاع الطفيليات من جذورها قبل أن تلتهم كل ما هو حي، قبل أن تدمر كل حلم لبناء مجتمع حر وكريم ومستقل. كل حركة مقاومة، كل رفض، إعادة بناء وعي الأمة، إعادة تثبيت للكرامة، تأكيد على قدرة الإنسان اليمني على الانتفاض، اقتلاع الظلم المتوارث عبر القرون، واستعادة الأرض والذاكرة والهوية. ما لم يتحرك الشعب والضمائر، ستستمر الطفيليات في السيطرة، وستظل كل مناسبة دينية أداة لإعادة إنتاج الهيمنة، مشروع إبادة رمزي يستهدف الإنسان، الفكرة، الذاكرة، والوعي.
نحن أمام اختبار حقيقي إما أن ينكسر الطفيلي أو ينكسر المجتمع، إما اقتلاع هذه الآفة أو أن تلتهم كل شيء. المعركة صراع عميق بين الوعي والقهر، بين الحياة والموت الرمزي، بين الحرية والاستبداد المطلق، بين الكرامة المهدورة والهيمنة المتوارثة التي لا تعرف رحمة. كل يوم يمضي بلا مقاومة يوم إضافي في مسلسل النهب، يوم آخر يثبت أن السلالة المتوحشة التي تمثلها هذه المليشيات لن تتوقف إلا بإرادة جماعية، مقاومة واعية، فعل يعيد الإنسان اليمني إلى موقعه الطبيعي كفاعل ومقاوم، صانع للتاريخ، رافض للانكسار أمام الطفيليات المتوارثة، ورافض لكل ألوان الغطاء الخرافي الذي يلبسه الطفيلي لتزييف الواقع.