مقالات

اليمن أزمةٌ اقتصادية أم فراغ قيادة؟

10/02/2025, 08:52:50

لا تترك الحروبُ البلدَ الذي تندلع فيه إلاّ بعد أن تحرق أخضره ويابسه، وتجعله أشبهَ برمادٍ تذروه الرياح، ولا يمكن، بأي حال، أن يعود إلى سابق عهده.

ولا يوجد بلدٌ شهد حرباً كان استثناءً من هذا، بما في ذلك ألمانيا واليابان وغيرهما من البلدان التي انخرطت في الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال القرن الماضي.

الفارقُ فقط هو أن هناك أمماً وشعوباً تشهد، بعد حروبها، نهضةً جديدةً، ولكن على أسسٍ ومقوماتٍ من نوعٍ مختلف.

في الحالة اليمنية، نجد أن الحروب التي شهدتها البلاد لم تكن لتطول، أو أن تكون السببَ الوحيدَ في البؤس الذي يكابده أهلها، بل كذلك ضعف الإرادة الوطنية عند بعض قادتها، والسماح بتمادي التدخلات الخارجية في شؤون اليمن وسيادته وحقه في العيش على أرضه بكرامة، مثل أغلب شعوب الأرض، خارجَ إطارِ القانونِ الدوليِّ والمصالحِ الاستراتيجيةِ المشتركة.

برهنت حربُ الأعوام العشرة الماضية أنه لا حلَّ للصراع مع الحوثيين، لا عسكريٌّ ولا سياسيٌّ سلميٌّ. الحوثيون في الأساس “مشروعُ حربٍ” يزداد توحشاً، ولا يمكنه البقاء دون إشعال الحروب، داخل البلاد التي بلغ الاحتقانُ الشعبيُّ فيها ضد سلطة الحوثيين حدَّ الانفجار، وكذلك في الخارج، مع الجوار الإقليمي وحتى العالم، الذي يبدو أنه يعدُّ لعملٍ انتقاميٍّ من الحوثيين لن يكون من بين أهدافه، بالتأكيد، مصلحةُ اليمن والغالبيةُ من أبناء شعبه.

المعسكر المناوئ للحوثيين لا تزال له المشروعيةُ الوطنيةُ والقوميةُ في الاستمرار والبقاء، لكنه عاجزٌ عن حسم الحرب أو وضع شروطه على الطاولة، وذلك لأسبابٍ رئيسيةٍ ثلاثة:

أولها، كان تفكيك مؤسسة الرئاسة بحجة ضعف أدائها، واستبدالها بـ “مجلسِ قيادةٍ رئاسي” من ثمانيةِ أعضاءٍ غيرِ متجانسين، بل متنافسين، وبعضهم يمتلك قوىً عسكريةً وأمنيةً ذات أجنداتٍ خاصةٍ وطابعٍ غيرِ وطنيٍّ.

ثانياً، غيابُ أيِّ دورٍ فاعلٍ للأحزاب والتنظيمات السياسية والنخب الوطنية، ولصناعِ الرأيِ المؤثرين.

ثالثاً، إصرارُ بعض القادة من جنوب البلاد على التغريد خارج السرب الوطني، من خلال المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، في ظل حالة الحرب القائمة، إلى درجة محاولة فرضِ أمرٍ واقعٍ على الأرض، بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.

لذلك كله، فإن مجلسَ القيادةِ الرئاسيَّ، برئيسه وأعضائه، يواجه تحدياتٍ كبيرة، ليس فقط في ضبط إيقاع أدائه تجاه الحوثيين، بوصفهم الخصمَ المشتركَ لهم، ولكن أيضاً في إيقاف تراجع الوضع المعيشي في المناطق “المحررة”، المفترضِ نظرياً أنها تقع تحت سيطرتهم. فالأزمةُ الاقتصاديةُ تتجه نحو التفاقم في كل يوم، حيث يتراجع سعرُ العملةِ الوطنية، وتنخفض القدرةُ الشرائيةُ للمواطن، وتعاني الخدماتُ الأساسيةُ العامةُ من اضطرابٍ وعدمِ انتظام.

خلاصةُ القولِ هي أن اليمن كله يعاني من فراغٍ واضحٍ في القيادة، ويحتاج اليمنيون إلى “قيادةٍ في الميدان” تأخذ البلادَ نحو دولةٍ جديدةٍ بصيغةٍ مقبولةٍ ومتوافقٍ عليها، وليس لاستعادةِ دولةٍ لا يمكن أن تُستعاد، لا بشكلها القديم قبل الوحدة، ولا بإعادةِ تجزئةِ الأرض إلى شطرين، لشعبٍ واحدٍ وبدولتين لا محالةَ من عودتهما إلى الاصطدامِ ببعضهما، على نحوٍ لا بد أن يكون أسوأَ مما كان عليه الحال قبل العام 1990.

مقالات

اليمن.. عائدات غائبة وثروات مسروقة

وكأنّ الخراب في اليمن لم يعد حدثًا استثنائيًا، بل صار حالةً يوميةً تتنفّسها البلاد. مفارقةٌ طويلةُ العمر، يتجاور فيها الجمال الطبيعي مع الفوضى الاقتصادية، وتتماهى فيها ثرواتٌ لا تُضاهى مع واقعٍ يزداد فقرًا كلما ازداد انغماسًا في الفوضى. بلدٌ يمشي فوق كنوزه وكأنه لا يراها، ويصدّر أفضل ما لديه، بينما يزداد شعبه جوعًا لما تبقّى.

مقالات

أزمة الثقة في اليمن: من انقسام الداخل إلى استغلال الخارج (2)

مع اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، ودوي إعلان النظام الجمهوري، دخلت اليمن طورا جديدا من تاريخها الحديث. فقد سعت الثورة إلى استبدال الهويات الدينية والقبلية الضيقة بهوية وطنية جامعة تعيد تعريف الانتماء من الولاء للإمام أو القبيلة إلى الولاء للوطن والمواطنة. جاءت “الجمهورية” بوصفها وعدا تاريخيا بالخلاص من قرون العزلة والظلم، وبالانتقال من وضع “الرعية” إلى موقع “المواطن” الذي يشارك في صياغة مصير بلاده.

مقالات

ممدوح الحميري.. المدينة والصبر والمعنى

الصبر عند ممدوح الحميري كان حياة كاملة. حمل آلامه وأوجاعه بصمت، واستمر في الحركة والعمل رغم كل الصعاب. مرضه لم يمنعه من الحضور الدائم والوقوف مع الناس وفيهم، لم يظهر ضعفًا، وظل حاضرًا في منابر المساجد والأزقة والجبهات، يذكرنا بحاجة الحياة إلى الثبات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.