مقالات

إنها الحرب!

06/08/2024, 10:26:59

قصف «مجدل شمس» السورية بصاروخ إيراني نسبته إسرائيل إلى حزب الله يُذكِّر بدعاوى امتلاك صدام حسين للأسلحة المحرّمة دوليًا، واشتركت إثرها أمريكا وبريطانيا، ومعهما خمس دول عربية في تدمير العراق، وكان المستفيد أمريكا وبريطانيا وتابعهما "إسرائيل". 

مزاعم امتلاك العراق أسلحة الدّمار الشامل تعود بنا إلى قصة جنوح السفينة الهندية «داريا دولت» أمام ساحل عدن؛ لتكون مبررًا لاستعمار عدن، واحتلال الجنوب اليمني لما يقرب مِنْ قرن وثلث.  

لكن مكيدة إطلاق الصاروخ على لاعبي الكرة في "مجدل شمس" السورية فطن لها المواطنون السوريون، وأدركوا ضلوع نتنياهو فيها؛ فرفضوا استقباله، مطالبين برحيله كمحتل.

مكيدة الصاروخ، الذي أطلقته "إسرائيل" على الجولان المحتلة، ومقتل الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر، ثم مقتل الزعيم الشهيد هنية - رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- في إيران، وتصعيد حرب الإبادة في غزة، وجر القوة الأمريكية إلى العودة للمنطقة كلها لا تعني إلا فرض الحرب، وتوسيع نطاقها. 

خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي، وحماس أعضاء الحزبين: الجمهوري، والديمقراطي، وهتافهم له كتلاميذ مدارس صغار، يدلل على أنه طرف أساس في لعبة الانتخابات الأمريكية، وأن القوة الأمريكية في الحزبين إلى جانب خياراته.  

وجود الأساطيل والبوارج الحربية الأمريكية في المنطقة لردع إيران، ومنعها من الرد على اغتيال ضيفها الزائر هنية؛ وهي جاهزة لحماية عدوان "إسرائيل"، وهي قد لا تريد توجيه ضربة استباقية، لطالما سعى لها نتنياهو؛ فهذه الحرب المنتظرة منذ عقود هدفها -بالأساس- تصفية القضية الفلسطينية، وفرض الوطن البديل، وتدمير لبنان، وإعادته إلى العصر الحجري كما فعل الأمريكيون بالعراق، وضرب إيران، وتدمير مفاعله النووي، ولا شك أن لليمن، والعراق، وسوريا نصيبها من هذه الحرب.

ألم يقل نتنياهو -كرد على السابع من أكتوبر 2003- أنه سيعيد رسم خارطة الشرق الأوسط؛ ما يعني قيام دولة إسرائيل من البحر إلى النهر، ووضع المنطقة العربية تحت الحماية الإسرائيلية، وتدمير قوة إيران.

سواءٌ ردت إيران على العدوان والمهانة الكبيرة التي لحقت بها أو لم ترد؛ فإن الضربة الاستباقية هي ما يَعِدُ بها نتنياهو، بل هي ما يُعدُّ لها، ويسعى إليها منذ عقود، وقد أعلنها في خطابه أمام الأمم المتحدة منذ ما يقرب من عام. 

لن يتباين الموقفان: الأمريكي والبريطاني إزاء الحرب، ولن تتردد الدول الأوروبية، وتحالف الناتو عن الانخراط فيها. نعم ربما يكون الاستثناء الوحيد تركيا الحريصة على تميّز موقفها. 

المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن عجزوا عن وقف حرب الإبادة على غزة، أو إيصال الغذاء والماء والدواء إليها، وهم أعجز عن وقف الحرب القادمة. دول مجلس التعاون الخليجي بل الأمة العربية كلها ضحايا هذه الحرب. 

فدول الخليج في انتظار القضاء والقدر (قضاء أمريكا، وقدر إسرائيل)، والعربية السعودية الواقعة في منطقة أعراف تربطها علاقات إستراتيجية بأمريكا، ولن يُسمح لها بالبقاء على الحياد؛ فهذه الحرب تُخاض باسم الدفاع عن السنة في مواجهة الشيعة؛ والسعودية زعيمة السنة، وإن كان صراع السنة والشيعة أكذوبة، والطائفيون -كما يقول عالم الاجتماع علي الودري- لا دين لهم، ولكنها لُعَب السياسة. 

للسعودية علاقة بإيران وروسيا والصين أيضًا، ولكن لن يُسمح لها أن تظل بعيدةً عن الحرب؛ فهي في قلب المعركة، ويراد لها أن تكون عنوانًا من عناوينها الكبيرة؛ فالحضور العسكري الأمريكي ليس لحماية إسرائيل فحسب، وإنما أيضًا للدفاع عن حلفاء أمريكا، وفي مقدمتهم العربية السعودية حسب مزاعم أمريكا، وإن كان حقيقة الأمر هو حماية مصالحها.

تعتبر أمريكا وإسرائيل الحق هو القوة والقوة وحدها، وعندما تقول أمريكا وأوروبا: إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وأنهم يدافعون عن أمنها، فإنما يقصدون حماية عدوانها واحتلالها. 

السؤال الفاجع والمفجوع: هل تنجح القوة؟ تستطيع إسرائيل تدمير القوة اللبنانية، ولكن حزب الله يقدر على أن يلحق بإسرائيل خسائر فادحة، وتستطيع القوة الإسرائيلية والأمريكية ضرب القوة الإيرانية، وربما تدمير المفاعل النووي الإيراني، ولكن إيران أيضًا لها القدرة على ضرب المصالح الأمريكية، وتوجيه ضربات لإسرائيل.

بعد الصاروخ، الذي أُطلق على "مجدل شمس"، كتبتُ موضوعًا بعنوان «إسرائيل ولبنان: حرب أو لا حرب؟»؛ مرجحًا احتمال الحرب التي هي قائمة أصلاً، وإنما أعني توسيعها. الآن، وبعد مقتل شكر في لبنان، وهنية في إيران، وعودة الأساطيل والبوارج الحربية الأمريكية إلى المنطقة، وتوعد نتنياهو بالضربة الاستباقية، فإن احتمال توسع الحرب هو الاحتمال الأرجح.

ظهر نتنياهو في الخطاب أمام الكونجرس بأنه طرف في لعبة الانتخابات، وواضح أن الجمهوريين طرف في لعبة تصعيد الحرب؛ فاستمرار الحرب وتصعيدها تثبت فشل إدارة بايدن، وتفشل بالأساس الطرف الليبرالي والديمقراطي الذي تمثله نائبة الرئيس كامالا هاريس، وتيارات الشباب والأقليات.

التواجد الأمريكي تهديد لمنع إيران من توجيه ضربة لإسرائيل، ولكن هل يستطيعون منع نتنياهو من الضربة الاستباقية؟ فهو حريص على جر أمريكا إلى الحرب، وضرب النووي الإيراني. 

يُقدِّم نتنياهو نفسه وإسرائيل بهذه الحرب لا كحامي للمصالح الأمريكية والأوروبية فحسب، وإنما أيضًا كمدافع عن الإسلام السني في مواجهة الإسلام الشيعي، وكمؤسس للتحالف الإسرائيلي العربي في مواجهة إيران الفارسية، بحسب إشاراته في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونجرس.

صحيح أن التدمير سيطال المنطقة، ولكن هل إسرائيل ستخرج من المعركة أقوى؟ وهل تخرج أمريكا الزعيمة الوحيدة، أو القوة الأولى للعالم؟ صحيح أن غرور القوة يعمي ويصم؛ فتدمير إيران ولبنان لن تخرج منه إسرائيل سالمة، كما أنه إضعاف لأمريكا في مواجهة «المتربصين»: روسيا، والصين؛ فالحرب على لبنان، وإيران، واليمن، والعراق لن تنتهي في يوم وليلة؛ وقد اعتقد الإسرائيليون وشايعهم الأوروبيون على أن الحرب على غزة لن تستغرق إلا أسابيع أو أشهر، ولكنها مستمرة إلى الآن، ويهرب منها نتنياهو إلى توسيع دائرتها، ويجر معه أمريكا والناتو؛ لتكون كارثة كونية. 

في تصريح لافت ومثير لنائب وزير خارجية روسيا، سيرغي ريابكوف، يقول فيه: إن ساعة القيامة التي ترمز إلى مدى اقتراب نشوب حرب نووية أظهرت عقاربها أن هناك دقيقتين متبقيتين. المأزق أن الطرف الذي يدعو إلى وقف مؤقت وتكتيكي للحرب على غزة، وعدم توسيع نطاقها؛ لضمان فوزه في الانتخابات ضعيف؛ أعني الصهيوني بايدن وفريقه، وأضعف منه الليبراليون والديمقراطيون والأقليات الرافضة للحرب.

اللوبيات الأمريكية القوية المؤيدة للجمهوري تقف مع الحرب، ومع توسيعها لانتصار إسرائيل الكبرى، ونجاح الحزب الجمهوري.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.