مقالات

ترامب وخطته الملغومة

01/10/2025, 06:21:13

كانت كلمته أمام الأمم المتحدة اتهامية وسيئة؛ أثنى فيها على ذاته ثناءً عاطرًا يشي بالنرجسية، وأشاد بالمنجزات التي حققها في زمن قياسي.

في لقائه المغلق مع القادة العرب والمسلمين، قَدَّمَ خُطَّتَه، أو عَرضَ بَعضًا من بنودها.

لَمْ يُنشَر عن اللقاء، ولا بنود الخُطَّة شيء في حفلة العرس الكاذبة.

مِنْ الأهمية بمكان قراءة بنود الخطة، وإبراز جوانب الغموض واللبس في بعض بنودها، في لقاء ترامب مع شريكه في حرب الإبادة في غزة نتنياهو. فالخطَّة -من الألف إلى الياء- اتخذت طابع الإلزام والإملاء لفرض الإذعان.

وترامب الذي وَاجهَ قُرَابَة أربعينَ تُهمَة تمسُّ القِيَم والأخلاق والتهرب من دفع الضرائب، يمضي على نفس الأسلوب، مُسْتَغِلاً فَوزَهُ في الانتخابات وشعبويته؛ لتحويل الاحتجاجات والإدانات والعزلة الدولية التي تعيشها أمريكا وإسرائيل، إلى دعم وتمويل جرائم حربهما ضد الشعب الفلسطيني. يفعل ذلك بفهلوة وتزويق لِيَصنَعَ مِنْ نَفسِهِ بَطَلاً عالمًّيا للسَّلام.

للخطة جذور إسرائيلية، واشترك فيها كوشنر، وشاهد الزور بلير؛ وهي ليست وثيقة اتفاق بين طرفين متنازعين ومتحاربين بِأيِّ حَال؛ وإنَّمَا هي وثيقة تنوس ما بين فرض الإذعان من جهة طرف محارب فَرَضَ نَفسَهُ وَسِيطًا، وَبينَ وِصَاية استعمَارِيِّة جَدِيدَة على المنطقة. فبعض البنود تقترب صياغتها وكأنَّ مَن صَاغَهَا يمتلك عِقَارًا يحدد طرائق التصرف فيه، وما يجب وما لا يجب.

تَصَرُّف هذا المالك -كما يصور نفسه- أو المستعمر الجديد حاضرٌ في التعامل مع مواطني غزة وكأنهم مجرد ساكنين لا تربطهم أيُّ صِلَةٍ بأرضهم المحتلة.

غُيِّبت السُّلطة، وَلَمْ يَردْ ذِكر الوَطَن -فِلسطِين- مُطلَقًا، وَرُبَّمَا رأى كُتَّاب الخُطَّة أنَّ السُّلطَة لَمْ تَعُد صَالِحةً لِلعَمَلِ مَعَهُمْ، وتُقَدِّم البَدِيل.

البنود: (10)، (11)، (12)، (15)، (17)، (19) مؤشرات، وكأنَّ غَزَّةَ تَحتْ الوصاية الأمريكية عَلى وَجهِ الَّتحدِيِد، أو كما لو أنَّهَا صَارتْ عِقارًا لِلسِمْسَار تَرامبْ، وقد كانت مَطلبًا لهُ إبَّانَ الحرب، يحرص -أيَّمَا حِرصٍ- على الإسراع في حَسمِها.

قراءة الخطة الغرائبية تشهد على المآل الذي وصل إليه المجتمع الدولي، والهوان والتخاذل الذي وَصَمَ الحُكمَ العربي.

في الواقع للخُطَّة أكثر مِنْ صِيغة. فَالصِّيغَة التي أقِرَّتْ أو وَافقَ عَلى جَوانِب منها الشَّريكَان: ترامب ونتنياهو، غير المتداولة في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي؛ هِيَ:

1- ستكون غزة منطقةً خَاليةً من التطرف والإرهاب، لا تُشكِّل تَهدِيدًا لِجِيرانِهَا. وَلِهَذا البند عِلاقة بوعود ترامب في تصريحاته وخطاباته، وَتَوعُّدِه بجحيم غزة، ورغبته في امتلاكها عقارًا، وتحويلها إلى جَنَّة سِياحِيِّة و«رِيفِيرَا» الشرق الأوسط. وكان هذا بمنزلة إعلان سياحي مبكر. أمَّا كونها لا تهدد جيرانها فنكتة مبكية. فهذه البقعة الأصغر في العالم والأكثر كَثافةً سُكَّانيِّة، تتعرض لحرب إبادة عَلى مَدى عَامين، وَتُدمَّر حَجرًا وبشرًا ويقتل من أبنائها أكثر من 75 ألفًا؛ جُلُّهُم من الأطفال والنساء، وَيُجَوَّع وَيُدفَن تَحتَ الأنقاض الآلاف منهم. مليونان من المواطنين العُزَّل، تُشنُّ عليهم حرب إبادة، ويتكرر تهجيرهم أكثر من مرة، ويقف العالم صامتًا إزاء حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل بشراكة أمريكية ودعم أوروبي، ثُمَّ يُطلب من هؤلاء الضَّحايا عدم تهديد جيرانهم! بسردية كاذبة مكشوفة العورة. فإسرائيل قوة احتلال استيطاني، وتطهير عرقي.

2- سيتم تطهير غزة لصالح شعبها؛ وهو ليسَ سِوى وعد في سياق الإعلان.

3- في حال موافقة الطرفين على «المُقتَرَح»-وأقوس على المقترح-؛ ستنتهي الحرب فورًا، مع وقف القوات الإسرائلية جميع عملياتها، وانسحابها تَدرِيجِيًّا من القطاع. من الواضح أنَّ وقف عمليات الإبادة والتطهير العرقي، والكَف عن تدمير غزة، وتهجير سكانها، وقتل أبنائها مِن طالبي الغذاء والماء والدواء قَصفًا وَتَجوِيعًا- مَرهُونٌ بقَبول ا«المُقتَرَح». المقترح -بِاختِصَار- لَيسَ لَهُ مِنْ معنى سِوى استمرار الإبادة. أمًا الانسحاب التدريجي فغير محدد المُدَّة. وعلينا أن ندرك أنَّ غزةَ محتلةٌ منذ 1967؛ وأبناؤها من مُهَجَّري 1984، نازحين من مختلف قرى ومدن فلسطين. كما أنَّ تمسكهم بأرضهم -تحت الحصار والتجويع والقتل والتدمير- مَرَدُّهُ إلى معرفتهم بالتهجير والتطهير العرقي؛ وهو نفس الأنموذج الأمريكي الذي اقترحتهُ للانسحاب من جنوب لبنان.

4- عودة الرهائن الأحياء منهم والأموات. والسؤال: كيف يمكن الإفراج عن الرهائن في ظل سيطرة الجيش على كل شبر من غزة. إنَّهُ التعجيز و«التكليف بما لا يطاق»؛ كما هو عند متكلمي الأشاعِرة.

5- إفراج إسرائيل عن مئات السُّجَناء الفلسطينيين. والحقيقة أنَّ المختطفين والمعتقلين والمخفيين قَسرِيًّا من الفلسطينيين بالآلاف، وهناك مناضلون وطنيون وزعماء سياسيون معتقلون منذ أعوام طويلة كمروان البرغوني- أحد قادة فتح، وأحمد سعدات- الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

6- بعد عودة الرهائن، يُسمَح لأعضاء حماس بالمغادرة، ويشترط إلزامهم بالتعايش السلمي، وسيجدون الممر الآمن. من الملاحظ أنَّ جُلَّ البُنُود تبدأ كلازمة «بعد عودة الرهائن»، كَمَا أنَّ «السِّمسَار» هُوَ مَنْ يَسمَح للمواطن الغَزِّي بمغادرة وَطنهِ؛ مُوَفِّرًا لَهُ المَمَر الآمِن!

7- تدفق المساعدات، ووصول ستمئة شاحنة. ويأتي هذا الوعد في سياق الإعلان عن المزايا التي يقدمها مالك العقار الجديد، بينما يحتاج القطاع المحاصر، منذ حُكْم حَمَاس على غزة، وتفاقمه منذ السابع من أكتوبر- إلى آلاف الشاحنات؛ لانعدام كُلِّ شَيء عن القطاع. وسيسمح مالك العقار الجديد للأمم المتحدة بالقيام بعملية التوزيع، وسيقوم المالك (النائب عن المحتل الأصلي) بتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة من «التُّكنُوقَرَاط» الفلسطيني؛ تشرف عليها هيئة دولية تنشئها الولايات المتحدة الأمريكية (ترامب). ويشير البند إلى التشاور مع شركاء عرب وأوروبيين لم يُسَمِّهِم، ويضع عليها مسئولية التنمية حتى انتهاء السلطة الفلسطينية من برنامجها الإصلاحي.

ويعد البند العاشر بوضع خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة، وازدِهَارًا واستثمارًا لا يختلف كثيرًا عن وعود استعمار القرنين: السابع عشر، والثامن عشر.

ويعد البند الحادي عشر بإنشاء منطقة اقتصادية. وكصاحب عقار طيب ومتسامح لن يجبر أحدًا على مغادرة غزة، وتكرمًا منه سيسمح لمن يختار العودة إليها. فهل يستطيع إلزام تلاميذه- محتلي فلسطين على تنفيذ «قرار مجلس الأمن: 2254»، بعودة المهجرين الفلسطينيين في الشتات الذين يزيدون على سبعة ملايين ونصف؟!

ويهدد بتدمير البنية العسكرية والأنفاق وحرمان حماس من التَّدَخُل في حكم غزة، وَسَيقَدِّم الشركاء الإقليميون ضماناتٍ أمنيِّة لضمان امتثال حماس والفصائل الأخرى بالتزاماتها، وأنَّ غزةَ لم تعد تشكل تهديدًا لإسرائيل وشعبها.

واشتراط كهذا لا يمكن وصفه إلا بالسَّذاجة أو تبلد الضمير. فحماس المهزومة والمنفية والممنوعة من المشاركة في الحكم، و...، والمهدد قادتها وأعضاؤها بالاغتيال- يطلب سمسار أقوى امبراطورية، وتطلب حليفتها إسرائيل رابع قوة كونية ضمناء على حماس بعدم تهديد إسرائيل. فأيّ منطق سريالي وخرافي هذا؟!

ويعد بالتعاون مع الشركاء العرب والأوربيين الذين لا يسميهم بالتعاون على بناء قوة استقرار دولية مؤقت، وتنشئ شرطة فلسطينية تكون بمثابة أمن داخلي.

ويعد في البند السادس عشر بألا تحتل إسرائيل غزة. وكيف هذا؛ وغزة محتلة منذ 1967؟! وهذا منطق ترامب؛ يقول الشيء ونقيضه في آنٍ واحد.

ويتوعد حماس في البند السابع عشر في حال تأجيلها لهذا الاقتراح أو رفضه؛ بتطبيق النقاط المذكورة أعلاه في المناطق الحالية، ويعد بتحويل الجيش الإسرائيلي إلى استقرار دولي (هكذا!).

وعلى خرافية بعض البنود فإنَّ الأغرب مُوَافَقَة -لاحظوا- موافقة إسرائيل على عدم شن هجمات مستقبلية على قطر. وكأنها تتنازل عن حق لها. وَيقينًا فالوطن العربي مستباح، وحتى المتحالفين مع أمريكا، ومستضيفي أكبر قواعدها لم يشفع لهم شيئ.

وكَدَأبِ الآباء المستعمرين القُدَامَى، يقوم ترامب بإرساء عملية لنزع «التطرف»، وخلق حوار أديان؛ بهدف تغيير العقليات.

والمستعمرون الأوائل استولوا على شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ بِدعَوى نشر التمدن وقيم الحضارة الغربية، أمَّا وارثهم ترامب فهدفُهُ «نزع التطرف» مِنهَا؛ وهو مُشَارِك في حرب إبادة غزة، وساعد في تهديم هذه المدينة الحضارية التي تمتد لآلاف السنين، وعرفت أقدم الدِّيانات السماوية على الأرض، ومثلت أفضل قيم التسامح والتعايش.

وفي البندين الأخيرين: العشرين والواحد والعشرين يعد بتنفيذ برنامج إصلاح السلطة، وتهيئة الظروف للمسار نحو دولة فلسطينية؛ ويعد بإرساء حوار بين إسرائيل والفلسطينيين.

يعترف بفلسطين مئة وسبع وخمسون دولة، ويرفض ترامب الاعتراف، ويحتل غزة وفلسطين لتأهيل شعبها الموجود قبل دولته بالآف السنين.

ويتساءل المفكر الفلسطيني مصطفى البرغوثي- زعيم المبادرة الوطنية: ما معنى الانسحاب التدريجي؟ وما مدته؟

والسؤال: لماذا يبقى جيش الاحتلال بعد تسليم الرهائن والأسرى؟

وقبل ذلك وبعده، أين موقع الضفة الغربية، وعاصمة الدولة الفلسطينية التي وهبها السِّمسَار تَرامب للدولة الصهيونية؟

 

مقالات

الاستخبارات الإسرائيلية ووحدات خاصة لمواجهة الحوثيين

قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن المؤسسة الأمنية في إسرائيل أنشأت وحدتين جديدتين ضمن شعبة الاستخبارات العسكرية خصيصًا لمواجهة التهديدات المتنامية التي تشكلها جماعة الحوثيين في اليمن. وبحسب ما نشرته الصحيفة، فإن الأشهر الأخيرة شهدت تقدمًا ملحوظًا في امتلاك الحوثيين قدرات إطلاق عسكرية

مقالات

الصمت المقاوم للحوثية

تكثف الحوثية ضجيج مناسباتها الخاصة، وترفع مكبرات الصوت شعاراتها، وتستعرض احتفالاتها، تحاول أن تقنع نفسها أن الشوارع والمدن والقرى، التي فرضت عليها الصمت في ذكرى سبتمبر، تعكس قبول الناس لمشروعها

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.