مقالات

حرب الإبادة في غزة وأسئلة مفتوحة

23/01/2024, 13:30:23

دأب الرائد والمفكر القومي خير الدين حسيب، من خلال «مركز دراسات الوحدة العربية»، على تتبع ورصد كل ما يصدر في المنطقة العربية، ويتبنى إصدار تقرير سنوي عن حال الأمة. لم يعد التقرير المهم متوفرا في اليمن بسبب الحصار على كل ما يصدر خارج اليمن. 

كان حال الأمة، في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن، أحسن بما لا يقاس من حال أمتنا اليوم. فثورة الربيع العربي كانت تغمر المنطقة، وكانت تَعِد بغروب شمس الفساد والاستبداد في أهم مدن ومراكز الحكم. انكسر الربيع العربي، وانتصر ت الثورة المضادة؛ لتعود بالأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه. الأنظمة الفاسدة والمستبدة في ليبيا وتونس ومصر والعراق واليمن سقطت، ولكن بيد القوى الطائفية والعسكرية والمناطقية. 

فالعراق مهدد في سيادته واستقلاله ووحدته، ومناطق شاسعة في شرق وشمال سوريا محتلة وخارج السيادة، ومصر محاصرة، وتتعرض لمخاطر الأزمة الاقتصادية، وتهديد الحرب في غزة، وما يجري في الجوار، وليبيا مدمرة وممزقة، والجيش والجنجويد في السودان يدمران السودان، ويقتلان شعبهما، واليمن منقسمة ومفككة الأوصال. 

حرثت الأنظمة العربية الثورية الأرض ومهدتها لانتصار الثورة المضادة، وتسيد القوى التقليدية والاستعمار. تنبه اليسار العربي باكرًا للعلاقة بين الاستعمار وأمريكا، وبين الصهيونية العالمية وغرسهما دولة إسرائيل في فلسطين. 

مؤلف كتاب «الصراع الطبقي في مصر من 1945 إلى 1970»، محمود حسين، يرى الآتي: "كان للمشروع الصهيوني لإنشاء دولة يهودية في قلب العالم العربي منذ البداية، وجهان أساسيان متكاملان. فهو من جهة مشروع موجه ضد حركة تحرر الشعوب العربية، وهو من جهة ثانية مشروع يتكئ على إستراتيجية القوى الإمبريالية التي تشغل مركزًا غالبًا في الشرق الأوسط". (ص 383).

 ويشير الدكتور فؤاد مرسي، في مقدمته لكتاب «القضية الفلسطينية في فكر اليسار المصري»، إلى "طموح الجماهير العربية إلى الوحدة، ومعاداة السيطرة الأجنبية. وردت بريطانيا وفرنسا على الحركة القومية باحتلال العديد من الأقطار العربية". 

ذاكرًا أن الفكرة الصهيونية باعتبارها أيديولوجية البرجوازية الكبيرة اليهودية المرتبطة بالإمبريالية العالمية من أجل إقامة وطن قومي لليهود، ورأت بريطانيا أن تكون فلسطين؛ للعمل على فصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي عن طريق إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا ويربطهما معًا بالبحر المتوسط، بحيث تقوم على مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة. اهـ بتصرف. (ص 6 و8).

 حربا 1948 و1967 تؤكدان ما ذهب إليه مفكرو وأحزاب اليسار والتيار القومي، أما ما يجري اليوم في غزة من حرب إبادة، وتطهير عرقي، والاجتياحات اليومية في الضفة الغربية، والتقتيل اليومي، وهدم المنازل، وقلع الأشجار، ونهب الثمار، والتأييد المطلق لكل حروب إسرائيل، وحروب الإبادة الجماعية الحالية -فشواهد دامغة على عمق التحالف الاستعماري الغربي مع الكيان الصهيوني. أما الإدارة الأمريكية، فالترابط بين الصهيونية وبين أمريكا -كمجتمع وقيادة وشعب- وبين إسرائيل ككيان فالترابط بينهما عضوي حد ازدواج العضوية، وتشارك الهوية. 

فليس غريبًا أن يتفاخر العديد من قادة أمريكا بصهيونيتهم، وهناك «إيباك»، والإنجيليون، وهم ملايين كاثرة قد تصل إلى ثلاثمئة مليون، وهناك ملايين اليهود الوافدين إلى فلسطين من روسيا وأوروبا الشرقية والغربية ومن أقطار مختلفة. فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي جعلت العقيدة هي المواطنة -تطرد الشعب الفلسطيني من وطنه لآتين من مختلف بلدان العالم. تخوض إسرائيل الحرب على غزة باسم أمريكا وأوروبا أصالةً ونيابة، وللحرب بعد عربي ودولي.

رمت أمريكا وأوروبا بثقلها العسكري والمالي والأمني والسياسي والإعلامي لصالح حرب الإبادة في غزة والتطهير العرقي في فلسطين، بينما كان أداء «محور المقاومة» شديد الحذر من الهجمة الأمريكية والأوروبية المتوعدة بتدمير المنطقة، واكتفت بعض الدول العربية بالتحرك السياسي، وبالدعوة لوقف الحرب، واضطلع بعضها بدور الوساطة لتحقيق هُدَن مؤقتة، ولإيصال المساعدات إلى غزة المحاصرة. 

تعجز دول الجوار واثنان وعشرون دولة عربية عن فك الحصار عن غزة المحاصرة، وعن إيصال المواد الغذائية؛ في حالة من الخذلان والتواطؤ. جلي أن إسرائيل آخر وأهم معقل وموقع للاستعمار القديم والجديد في قلب الأمة العربية، وهي أيضًا آخر استعمار استيطاني وفصل عنصري على وجه الأرض، وهزيمتها تعني هزيمة الإرث الاستعماري الوبيل، ومؤشر غروب هيمنة القطب الواحد، وهزيمتها نافذة -شان حرب أوكرانيا- لميلاد نظام دولي جديد لا تكون السيادة فيه لأمريكا وأوروبا.

إن انعكاسات هزيمة المستوطنة الاستعمارية في فلسطين يمتد أثرها وتأثيرها إلى داخل أمريكا وأوروبا التي غرساها لأهداف الاستعمارية. الصمود الأسطوري الفلسطيني، والحذر والتخوف العربيان مرده حالة التصدع والضعف العربي حد التواطؤ والحذر من التيار الإسلامي بنماذجه العديدة، والتي لم يكن بعضها بعيدًا عن التشدد، وعن روح التطور والعصر؛ ولخلافات النصف الأخير من القرن الماضي في المنطقة العربية، وخلافات الرجعي والتقدمي أو التطوري -كما يميل المفكر القومي قسطنطين زريق إلى تسميته- وخلافات اليمين واليسار، وخلافات الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة مع الربيع العربي، الذي كان حضور الإسلامي فيه قويًا. 

والأخطر من ذلك عدم التمييز بين الصراع الرئيسي والثانوي في الحروب الوطنية؛ وهو ما جسدته وتمثلته تجارب الصين الشعبية، وبعض بلدان أوروبا الشرقية، والعديد من تجارب حركات التحرر الوطني، ولعل بيان حماس الأخير -«هذه رؤيتنا: لماذا طوفان الأقصى؟»- يرد على العديد من التساؤلات المشككة في طبيعة الصراع وأبعاده. كان رائعًا إصدار الأحزاب الشيوعية العربية بيان مساندة وتأييد لحركة المقاومة الفلسطينية في كفاحها الوطني والتحرري ضد الاحتلال الاستيطاني، ونظام التطهير العرقي والفصل العنصري الإسرائيلي. 

وحسنًا فعل التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري اليمني، والتجمع الوحدوي، والحزب الاشتراكي اليمني في إصدار بيانات مهمة تأييدًا لكفاح الشعب الفلسطيني، وضد حرب الإبادة في غزة، وحرب التهجير والتطهير العرقي ضد شعب فلسطين عبر التاريخ البشري كله؛ فإن اعتداء أمة على أمة، أو شعب ضد شعب آخر، أو جماعة ضد جماعة أخرى، أو قبيلة ضد أخرى، أو شخص ضد آخر، فإن الدفاع يكون حقًا مشروعًا، وقد يرقى إلى الواجب المقدس، والفكر والتشريعات في العالم كلها قائمة على هذا الأساس. ما يجري في فلسطين منذ 75 عامًا هو احتلال عصابات آتية من أمم وشعوب شتى احتلوا بدعم استعماري أوروبي أرض فلسطين، وهذا الاحتلال موجه ضد الأمة العربية كلها، فبعد تدمير الكيانات القوية، والجيوش العربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، فإن الأهداف الماثلة هي التسيد على المنطقة كلها، ووضع ثرواتها تحت يد الغازي والمستعمر، ولن ينجو من هذا الاستهداف المتواطئون الموالون والمطبعون.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.