مقالات
حق المرأة في الولاية وحقها في الدية ( 1-2)
هذا هو الجزء الثاني من الندوة التي أقامها «منتدى التنمية السياسية»، و«منظمة صحفيات بلا قيود»، في صنعاء، فندق «تاج سبأ»، في 27 / 5/ 2007.
والجزء الثاني مكرسٌ للرد على أوراق الأساتذة: عبد الملك التاج، والشيخ عارف الصبري.
في البدء ألقت الأستاذة توكل كرمان- رئيسة «منظمة صحفيات بلا قيود»، كلمةً حَيَّتْ الحاضرين، وتحدثت عن التخلف في البلدان الإسلامية، وأنَّ خروج المرأة مسئولية المرأة والرجل مَعًا. داعية كُلَّ صاحبِ فقه، ومِنْ أوتي حظًا من العلم الشرعي إلى دعوة المرأة للمشاركة في الحياة والنهوض، وإلى نهج واجتهاد جديدين يرفدان إعلان حقوق الإنسان والعهد الدولي؛ تنير الطريق، ولا ترى في الانتخابات بدعةً وَضَلالاً، ولا في مشاركة المرأة فِسْقًا وفجورًا.
واختتمت كلمتها بشكر الحاضرين باسم «منتدى التنمية السياسية»، و«صحفيات بلا قيود»، و«مؤسسة فردريش ايبرت».
شارك في الحوار ثلاث ناشطات: الدكتورة آمال عبد الخالق حسن حجر- مديرة مركز الزهراء العلمي الثقافي. وورقتها بعنوان « في ولاية المرأة»؛ تناولت فيها الاستخلاف في الأرض كتكريم إلهي، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تربط بين الولاية والحكم والشريعة الإسلامية؛ داعيةً إلى نقد الماضي بشفافية؛ لنصل إلى ما يصلح لزماننا، ابتداءً من عهد الرسول، فالخلفاء ومن بعدهم.
تطرح العديد من الأسئلة، وتواصل التساؤل: هل كُلُّ رجل له الحق في الولاية العامة شرعًا؟
وتشير إلى رأي الشيعة والسنة. فالسنة حصرتها في قريش، والاثنا عشرية في الحسينيين، والخوارج في كل الناس.
ونقف طويلاً عند ولاية السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، ولم ينكر أحدٌ ذلك. وتدلل على الحق في ولاية المرأة بالدستور اليمني، واستدلاها بمكانة المرأة في زمن الرسول؛ بخديجة، وسمية (أم عمار بن ياسر)؛ أول شهيدة في الإسلام.
والأهم أيضًا استدلالها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهو أساس في الحِسْبَة والولاية، وتشترك فيه المرأة والرجل بالنص القرآني: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). [التوبة: 71]؛ وهو أحد المبادئ الخمسة عند المعتزلة.
وتأتي على ذكر معارضة فاطمة لأبي بكر، وخطبتها في المسجد. وترى أنَّ للمرأة دورًا لا يستطيع القيام به غيرها، وأنَّ مشاركتها ليسَ حقًا، وإنما هو واجب.
وتتساءل: ماذا خَسِرَ المجتمع بغياب المرأة عن الواقع السياسي؟ وتجيب: لأنَّ المرأة نصف المجتمع، وتلد وتربي النصف الآخر.
وتربط بين نجاحها في البيت، ونشاطها المجتمعي، وأنَّ ربطها بعمل المنزل يُحَوِّلها إلى قطعة أثاث أو مجرد أنثى تلد وتتزوج وترضع.
وترى أنه إذا أردنا أن ننهض في الواقع السيء، فلابُدَّ مِنْ وضع حلول مناسبة لحياتنا، لا أنْ نضعَ قضايا معنية لمغازلة الغرب ومحاكاته فقط، وأنَّ يكون همنا في مشاركة المرأة حقيقيةً فاعلةً نابعةً من ديننا وثقافتنا وتاريخنا؛ متمنيةً الخروج بتوصيات لعمل ندوات وورش عمل من أجل المرأة المهضومة.
وتتساءل: كيف يمكن أن تكونَ رئيسةَ جمهورية، والأغلبية الساحقة من النساء رازحةٌ تحت أقدام الجهل والظلم والقهر؟
وموضوعها تتبعٌ لدور المرأة في صدر الإسلام، وفي الهجرة إلى الحبشة، وتختم ورقتها بالشكر لمن أَعَدَّ الندوة.
دية المرأة بين القائلين بالتنصيف والتمام
هذه ورقة بحثية مُقدَّمَة مِن الأستاذة أسماء غالب القرشي؛ تتناول دور الإسلام في الارتقاء بالمرأة وتكريمها وتحريرها؛ ما فرض الإعجاب لدى الآخرين.
وتعيب الباحثة الانشغال بقضية المرأة وإعطائها من الجهد ما يفوق القضايا المصيرية، كما تعيب التحدث باسم الدين عن نقد العقل والدين عند المرأة؛ مُشِيدةً بأعلام الأمة الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدين.
الأمور التي ساوى فيها الإسلام بين الرجل والمرأة:
أ- المساواة في الخلق.
ب- المساواة في حق الحياة.
ج- المساواة في الحقوق والواجبات والجزاء. موردةً الأدلة من الكتاب. وترى أنَّ المساوة كاملة أمام الله في الحقوق والواجبات.
د- المساواة بين الرجل والمرأة في أصل التكليف.
وتورد الأدلة من القرآن الكريم، كما تتناول في (هـ) المساواة في الدماء، والمساواة في (و) بين الحدود والكفارات إلا في النزر اليسير.
وترى أنَّ الخلاف اختلاف اختصاص، وليس انتقاصًا. وترى أنَّ هناك فروقًا فسيولوجية وبيولوجية بين الجنسين؛ مِمَّا يؤهل الرجل لدور القوامة والأعمال الشاقة خارج البيت، ويؤهل المرأة لدور الأمومة، وتربية الأجيال. وتورد الأدلة القرآنية.
في «فقه الجنايات والعقوبات في الإسلام»، ترى أنَّ البحث في قضية الدية تساؤل، ووجهة نظر، ودعوة لأهل الاجتهاد.
وتورد أقوال الأئمة حول اعتبار ما يقولونه آراءً واجتهادًا. وتنسب للإمام الشافعي القول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
ثُمَّ تورد ما يُعتَبر أقوى حجة في القول بتنصيف دية المرأة؛ وهو الإجماع، بالرغم من وجود المخالف الذي يُعتَّدُ بِخلافهِ.
وترى أنَّ القول بالتنصيف مِنْ قَبيْل تقليد غير المعصوم؛ وهو مذموم.
ومع رأي الأئمة الأربعة في التنصيف، فإنها تستهول مُحِقةً أنه ما إنْ تقتل امرأةٌ عمدًا أو خطأ؛ حتى يكون قد قُتِلَ آلاف الرجال، بل إنَّ قتل النفس قتلٌ للبشرية جمعاء؛ بحسب نص الآية: (من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا). [المائدة: 113].
واضح أنَّ الأستاذة أسماء في مبحثها فقيهة ومتمكنة ودارسة، وترى أنَّ أقوى أدلة القائلين بالتنصيف هو الإجماع.
والإمام أحمد بن حنبل يقول: "من ادعى الإجماع فهو كاذب". ويقول: "ما لا يُعْلم فيه خلاف، فليس إجماعًا.
أمَّا الإمام محمد بن علي الشوكاني، فلا يرى حجية للإجماع، ولا يعتبره من مصادر التشريع. وستكون مناقشة في الأخير، وسنتناوله بتوسع. (الكاتب).
وتورد الاستدلال بالآيات الدالة على القصاص والمساواة فيه. القصاص في السنة النبوية، وتورد الآيات والأحاديث المُسْتَدَّل بها على التنصيف، وأدلة ومرجعيات مساواة دية المرأة بدية الرجل.
وتقوم بمناقشة منطقية للاستدلالات، وتتناول بالتفصيل تفسير الآية: (وليس الذكر كالأنثى)؛ بإيراد قصة امرأة عمران التي نذرت إن رزقت ابنًا ذَكرًا أن تجعله في خدمة بيت الله. فالذكر هو خادم المسجد. فما كانت تبتغيه امرأة عمران من رجولة المولود أن يكون خادمًا للمسجد.
وتعمد إلى الشوكاني الذي قال في تفسيره على الآية (وليس الذكر كالأنثى): "وليس الذكر الذي طلبتني كالأنثى. فأمر هذه الأنثى أعظم وأجل وأفخم من أمر ذلك الرجل. ذلك أنَّ جُلَّ ماكنتِ تبتغيه من كونه ذكرًا أن يكون خادمًا للكنيسة. أمَّا هذه الأنثى فشتَّان شتَّان!؛ فإنَّ لها شأنًا فخيمًا وأمرًا عظيمًا.
وتناقش باستفاضة آية القُوامة، وتُشكِّك في صحة الاستدلال بالآية على تنصيف الدية، وتقرأ المفردات اللغوية في الآيات والأحاديث.
كما تدرس الأحاديث التي اعتمد عليها القائلون بالتنصيف، وتقوم بدراسة الأسانيد والرجال، وِفقًا لقواعد مصطلح الحديث وأهل الجرح والتعديل، وبالرجوع إلى الرواة؛ لتصل إلى ضعف العديد منها.
كما تدرس رأي الصحابي، وترجح عدم حجيته استنادًا إلى رأي الأئمة والأصوليين.
في (الفقرة الرابعة) تدرس استدلال القائلين بتنصيف دية المرأة بالإجماع، وتقوم بتعريف الإجماع، وتحديد مكانته في التشريع، وتناقش الاستدلال بحجيته، وتأتي على تفسير الآيات المستدلين بها؛ وهي: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا). [النساء: 115].
وترى أنَّ سبيل المؤمنين قد يكون متابعة الرسول، أو مناصرته، أو الاقتداء به، أو الإيمان به أو الإيمان الذي وصلوا إليه. ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال؛ أي حصره بالإجماع. والقول منسوب للشوكاني.
كما تقرأ الآية: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطا لتكونوا شهداء على الناس). [البقرة: 143]، وتلاحظ أنْ ليسَ في الآية دلالة على حجية الإجماع؛ فكونهم عدولاً لا يستلزم أن يكون قولهم حجةً شرعية.
وتقرأ الآية: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). [البقرة: 143]، وتنقل عن «إرشاد الفحول»، للشوكاني ألا حجية فيها؛ لأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يلزم منه أن يكون قولهم حجة شرعية تصير دينًا ثابتًا على كل الأمة.
وتورد حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، وحديث (يد الله مع الجماعة، ومن شَذَّ شَذَّ في النار)، وتنقل عن الشوكاني القول: "إنَّ الفقهاء أثبتوا الإجماع بعمومات الآيات والأخبار، وأجمعوا أنَّ المُنْكِر لِمَا تدل عليه العمومات لا يُكَّفَر ولا يُفسَّق؛ إذا كان الإنكار لتأويل".
وتنقل عنه القول: إنَّ الإجماع الصحيح الذي لا تحل مخالفته إنَّما هو الإجماع المستند إلى نصٍ صريح من كتابٍ أو سنة. ويشترط في إجماع الصحابة نقله إلينا بالنقل الثابت المتواتر، وعدم وجود مخالف منهم لهم. ويضرب لذلك بعض الأمثلة. وتتناول رأي ابن حزم المشار إليه سابقًا.
وتخلص إلى القول كرد على القائلين بالإجماع إلى:
- ليس بين أيدينا نصٌ واحدٌ صريحٌ مِنْ كتابٍ أو سنة يقول: إنَّ دية المرأة على النصف مِنْ دية الرجل.
- ليس بين أيدينا أيُّ نقل ثابت متواتر عن الصحابة إجماعهم على تنصيف دية المرأة.
- لم يثبت وجود الإجماع المتفق عليه عند العلماء، ووجود من خالفهم في هذه المسألة؛ نذكر منهم: أبا بكر الأصم. وأضيف: ابن علية. (الكاتب).
- اتفاق الأئمة الأربعة لا يُعَدُّ إجماعًا.
- بعض القائلين بالإجماع عَلَّلَ ذلك بالقياس على شهادة المرأة وميراثها؛ كما جاء عن الكاساني والقرطبي.
خَامسًا الاستدلال بالقياس
تُعرِّف القياس، وتؤكد اتفاق العلماء على حُجيِّة القياس، وأنه لدى عدد من الصحابة والتابعين والفقهاء والمتكلمين أصلٌ من أصول الشريعة.
وتورد رأي الشوكاني واشتراطه: "ما وقع النص على علته، وما قُطِعَ فيه بنفي الفارق، وما كان من باب فحوى الخطاب".
وتورد أركان القياس: الأصل، والفرع، والعلة، والحكم. وتتناول الخلاف حول حجية القياس.
وتدرس قياس تنصيف دية المرأة، وتحاجج بأنَّ الميراث ليس بمطرد؛ وإنَّمَا هو في حال الأخوة الأشقاء؛ ولِمَا يترتب على ذلك من واجبات ليس على المرأة منها شيء، ثم إنَّ دية المرأة ليس مِلكًا لها.
كما تتناول قياس أنَّ منفعة المرأة ناقصة عن منفعة الرجل؛ فهو العائل الرسمي للأسرة، ويحمي الثغور؛ والواجبات المترتبة عليه إزاء المجتمع والأسرة أكبر، وفقده خسارة أكبر من فقد الأنثى (حامي الدنيا والدين).
وَتَرُد بـ: أنَّ المرأة تحمي الجبهة الداخلية، فلولاها لما استطاع الرجل أنْ يؤدي دوره.
كما تتناول قياس تنصيف دية المرأة على مِلكيِّة النكاح، وربطهم ذلك بجعل عقد النكاح والطلاق بيد الرجل!!
وترى أنَّ المرأة لا بد أن تُسْـَتأمر، وأنَّ هذه القضايا لا ينبغي الوقوف عندها.
ويربط بعضهم تنصيف الدية بدفع الرجل الصداق!!
الخاتمة
إنسانية المرأة نفسها إنسانية الرجل. دمها دمه، فهو منها، (والنفس بالنفس).
وترى أنَّ الشريعة اقتصرت على تشريع الدية على وجه العموم للاجتهاد. وقد اجتهد بعض الصحابة، وبعض التابعين، وقالوا: بتنصيف الدية.
وتقرأ تغير الظروف، ومنافسة المرأة في ميادين العمل. والغالب إعالتهن. وأنَّ تمام الدية هو المتفق مع مبادئ وتعاليم الإسلام. وتستدل بالآية: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها). [النساء: 1]، وبالحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم).
وتورد فتوى الغزالي وتشنيعه على علماء الحديث في التنصيف. وتدعو الفقهاء إلى إعادة النظر والاجتهاد في الأدلة بما يتواءم وروح التطور والعصر. فهناك أمور تستدعي حلولاً شرعيةً سليمة.
وترى إمكانية الاجتهاد بشرط الخلاص من أوهام الماضي وآفات الخمول. وترى استكمال شرائط الاجتهاد، ووضع قوانين مدنية وتجارية وجزائية مُستَمَدة من الفقه الإسلامي وفقه الصحابة والتابعين وفقه المذاهب الأربعة وغيرها من أئمة الاجتهاد وعلماء العصر الحديث.
وتنقل عن القرافي، وهو من علماء المالكية، قوله: إنَّ الجمود على المنقولات أبدًا ضلالٌ في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين.
وينبغي أن نوقن أنَّ ما ذهب إليه الفقهاء، لا سيما الفقهاء الأربعة؛ مستتندين إلى ما ذكرنا من الأدلة، خُصوصًا فيما يتعلق بالقياس- هو اجتهاد نحترمه ونجل أصحابه، لكننا لا نرى فيه حجةً شرعيةً قطعية؛ بالرغم إننا لا نتهمهم بالتحيز مع الرجل، وظلمهم للمرأة. معاذ الله!، ولكن هؤلاء الفقهاء جاؤوا في فترات متقاربة، وبعضهم شيوخ لبعض؛ فهو مجرد مذهب للأئمة من أئمة الدين، ورأي لهم؛ عِلمًا بأنَّ الأمة قد شهدت لهم بالعلم والفصل لا بالعصمة. رحمهم الله أجمعين.