مقالات

رمضان موسم استثنائي للصوص "المسيرة"

23/04/2021, 11:11:35

كلما اعتقد الناس أن جماعة الحوثي استنفدت وسائل اللصوصية، وبلغت أقصى مستويات الفيد والتطفل على حقوق الناس وأملاكهم؛ تفاجئهم الجماعة بحيل جديدة، وابتكارات مختلفة؛ للسطو على أموال المواطنين والسيطرة الشاملة على كل تفاصيل حياتهم وأرزاقهم.

في رمضان، يتورّع أكابر المجرمين وأكثرهم بشاعة، ويقلصون من نشاطهم الإجرامي قليلا؛ كنوع من التهدئة، تماشيا مع الشهر الفضيل، باعتباره زمنا للتعبّد واقتفاء الفضيلة، باستثناء الحوثي، يتضاعف نشاطه الإجرامي بشكل أشد؛ لكأنّ اللصوصية بالنسبة إليهم سلوكٌ تعبدي، يقربهم من الله.

صحيح أن أملاك الناس -في نظر الجماعة- هي أمور مباحة لهم طوال العام؛ لكن في رمضان تزداد ضراوتهم لها أكثر -ربما مع شعورهم بالجوع، هذا احتمال وارد- فالصوم ليس فريضة ترفع درجة إحساسهم بالآخرين؛ بل طقس يرفع درجة شهيتهم لأموال الناس أكثر.

الطبيعة النفسية والذهنية لجماعة الحوثي لا ترى في الجباية سلوكا غير شرعي، وهذه ليست تُهمة عامة أو شائعة ألصقها بهم خصومهم؛ بل صفة جوهرية نابعة من قناعتها المذهبية، حتى مع كونها قناعة تنتهك قيمة العدالة وحرمة حق الآخر.

حسنا، لا أحد بمقدوره أن يحصي أرقاما دقيقة فيما يتعلق بأموال الجبايات الحوثية المفروضة على التجار، وكل ما ينتشر هي أرقام تقريبية، لكن الثابت الوحيد هو أن حصيلة الجبايات تتضاعف كل عام أكثر.

فطوال خمس سنوات ارتفع محصود الحوثي من الضرائب والجبايات بشكل تصاعدي في كل محافظة ومنطقة يسيطر عليها. هذه الخلاصة ليست حكما اعتباطيا، بل استنتاج من الأرقام المسرّبة حول إجمالي الجبايات من كل محافظة.

لا شك أن هذا أمر باعث للغرابة، حيث ست سنوات من الحرب، بلغ فيها المجتمع أقصى درجات الاختناق والحياة القاسية؛ لكن الحوثي بالمقابل، يعيش أجمل سنوات زهوِّه.
هذه ليست ملاحظة جديدة؛ لكنها حقيقة تتعاظم كل عام، ولا يجب أن تغدو أمرا اعتياديا، مهما طال زمن سيطرة الجماعة.

هذا العام مثلًا، تطورت أساليب الحوثي في فرض الجبايات، ولم يكتفِ بطلب مبلغ معين يخضع لتقديرات الجهة أو التاجر الذي يدفعه؛ بل أصدر قرارا يلزم فيه جميع التجار بتقرير محاسبي دقيق، وبتسليم الرقم السري للنظام المحاسبي التابع للمحلات؛ كي يفحص نسبة الدّخل ورأس المال بنفسه، ويقرر النسبة المتوجّب دفعها.

هذا المستوى من الرقابة الدقيقة يجعل الحوثي مسيطرا بشكل دقيق على كل ريال يتحرّك في مناطق سيطرته، وهي ليست سيطرة دولة، تأخذ ما لها وتعطي ما عليها؛ بل سيطرة عصابة، تُخضع أموال الناس لفحص دقيق؛ ثم تقرر لنفسها أكبر قدر ممكن من حصة الدّخل، وتحت لافتات، ليست بحاجة دائمة لما يسوّغها قانونيا، وحتى لو شرعنت ما تأخذه بالقانون، فما الذي يتبقّ من شرعية لقانون يُطبق بطريقة انتقائية. قانون يتذكر جيدا واجبات المواطن ولا يكترث لأي حق مقابل لهذا الواجب.

فمنذ بداية شهر رمضان، ونحن نسمع -في صنعاء- عن إغلاق الحوثي شارعا ما، أو مؤسسة هنا، ومركزا تجاريا هناك، وكل يوم لا يمر دون أخبار من هذا النوع، والسبب: رغبة الحوثي بفرض نظام رقابي جديد وأكثر فحصا لرأس المال لكل تاجر ومواطن.

فجميع التجار يدفعون كل عام، أضعاف ما هو مقرر عليهم، كما إن جبايات الحوثي -كما هو معروف- لا تقتصر على رمضان، وصارت مساهمة شهرية وبشكل قسري، لكن يبدو أن الحوثي، وهذا العام تحديدا، انتقل إلى مستوى أكثر تقدما في نظام الصوصية المتّبع، ويريد أن يعمل على مأسسة نشاطه المتطفل، وتحويله لنظام دائم ودقيق، يحصد منه أكبر عائد ممكن، ويحاصر فيه التجار لأقصى مستوى؛ بحيث لا يتمكن تاجر من التلاعب به واخفاء جزء من ثروته عليه.

الخلاصة:
لم يمر في تاريخ البلاد جماعة أو حتى سلطة، طوال عمر الدولة اليمنية الحديثة، تمكنت من خلق مصادر دخل وجباية لتمويل ذاتها، كما فعلت جماعة الحوثي، وبشكل يتجاوز كل سلطات البلاد المتتالية. فالحوثي، وعبر طرق كثيرة، استطاع أن يضع قبضته على كل تفاصيل الدخل لكل مواطن وتاجر، وحتى صاحب بقالة صغير انتزع قسطا منه. ما يجعل الحوثي أكثر اللصوص احترافا من بين كل أولئك الذين مروا في تاريخ البلاد.
لص محترف وواثق جدا بأحقيته في ممارسة هذا النوع من البلطجة الممنهجة والمتطورة كل عام أكثر.

مقالات

تقديم كتاب "دليلُ السُّراة "

لن نحدّق في الهاوية التي علقنا على أطرافها. لن ندع الجحيم الذي مررنا به ينبت في دواخلنا. في أشد اللحظات قتامةً ويأساً، نعود إلى أجمل ما فينا، نلوذ بروح اليمن العصية على الانكسار.

مقالات

مشروع إسقاط الدولة اليمنية: من التوريث إلى تسليم صنعاء

من ينظر إلى المشهد اليمني اليوم قد يظن أن الحوثيين حققوا نصرًا مرحليًا على خصومهم. لكن الحقيقة أن ما يبدو "نصرًا" ليس إلا حلقة أخيرة في مسلسل طويل من الانهيار الممنهج، تقاطعت فيه الأدوار الداخلية والخارجية، وسارت فيه اليمن من دولة ذات مشروع إلى ساحة مفتوحة للمليشيات والمصالح.

مقالات

أيُّ مستقبل للحوثيين بعد حرب إسرائيل وإيران؟

بتهديداتهم المتكررة وغير الواقعية أو العملية، لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وحتى التلويح باستهداف بعض دول الجوار، يضع الحوثيون أنفسهم في مواقف لا يُحسدون عليها، ليس فقط من جهة ردود فعل تلك القوى الدولية في حال تكررت مغامراتهم باستهدافها مباشرة أو من خلال التعرض لسفنها في خطوط الملاحة المارة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ولكن أيضاً لكون تلك التهديدات باتت تُثير السخرية والتندّر لدى كثير من الأوساط في تلك الدول.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.