مقالات
سقطرى ومعركة أطماع القراصنة..
من جزيرة سقطرى، يظهر مستشار محمد بن زايد كقرصان يتحدث بصورة مستفزة لليمنيين عن زيارته للجزيرة دون الإشارة إلى اليمن، وكأنها أصبحت إمارة ثامنة ضمن دولة الإمارات وليست يمنية، لها كامل سيادتها منذ آلاف السنيين.
هذا الظهور، وهذا الحديث بهذه الطريقة، هو استكمال لسلسلة من الأهداف التي تسعى -من خلالها الإمارات- إلى السيطرة على الجزيرة واحتلالها، وإن كان ذلك تحت يافطة الأعمال الإنسانية والخيريّة، التي يقدّمها لأبناء الجزيرة عن طريق مشاريع الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يديره جهاز المخابرات الإماراتي، ومعظم العاملين فيه ضباط وأفراد منتسبين لهذا الجهاز. وقد سعت من اللحظة الأولى لتدخلها في اليمن إلى السيطرة على الجزر والموانئ والمطارات والمنافذ البحرية الإستراتيجية.
سقطرى كانت الهدف الأول لأطماع الإمارات في اليمن، التي شرعت بالسيطرة عليها بصورة مباشرة، وجعلت من المساعدات الإنسانية غطاء لتحقيق أهدافها في احتلال الجزيرة، والسيطرة عليها، عبر شراء ولاءات بعض النافذين من مشايخ وشخصيات سياسية ووجاهات اجتماعية، وإغرائهم بالأموال، ومنحهم الجنسية الاماراتية، لكن تلك الإغراءات لم تنجح بل جوبهت بالرفض، وجسّد ذلك خروج أبناء الجزيرة في العديد من المسيرات والمظاهرات الجماهيرية رفعت فيها الأعلام اليمنية، وهتفت الحشود لليمن، وأعلنت تمسكها بالشرعية اليمنية، ودعمها السلطة المحلية وقيادتها، في مواجهة كل أطماع تستهدف جزيرتهم ومستقبلهم، وعلى رأسها الأطماع الإماراتية في احتلال الجزيرة.
"سقطرى لن تباع بقرص طعام"، "سقطرى لن تباع بسلة غذائية"، "سقطرى لايمكن أن يباع منها شبر"، "والله لن نبيعها لو نموت أو نتضور من الجوع"، "سقطرى مثلما صبر أجدادنا وشربوا الماء المالح وسقوا أشجارها بالماء الحلو نحن لن نكون إلا مثلهم"، هذه كلمات أحد مشايخ أبناء سقطرى في مظاهرة حاشدة خرجت في الجزيرة ترفض التواجد الإماراتي، وتدعم الشرعية اليمنية في يونيو عام 2018، عندما شرعت الإمارات بإنزال قوات عسكرية ومدرعات ودبابات بهدف السيطرة على المطار والموانئ، لكن رئيس الحكومة اليمنية حينها أحمد بن دغر رفض رفضاً قاطعاً مغادرة الجزيرة حتى ترحل القوات الإماراتية، وأعلن ذلك في بيان شديد اللهجة بأنه تعدٍ على السيادة اليمنية وتدخل في شؤون الدولة اليمنية، وانتهت الأزمة برحيل القوات الإماراتية بوساطة سعودية.
منذ ذلك الحين، زادت حدة الخلاف بين الشرعية اليمنية والإمارات، التي بدورها قامت بدعم مليشيات المجلس الانتقالي، التي أنشأتها وسلحتها، وقادت تمرداً وانقلاباً مسلحاً على الشرعية في عدن، انتهى بطرد الحكومة اليمنية، وجعلت من هذه المليشيات حصان طروادة لتحقيق أهدافها وأطماعها في اليمن.
هذا الصراع انعكس سلباً على جزيرة سقطرى الهادئة والبعيدة عن جغرافيا الحرب، ودخلت قيادة السلطة المحلية بقيادة المحافظ رمزي محروس في مواجهات مباشرة مع مليشيات الإمارات، التي قامت -في 19 يونيو 2020- بانقلاب عسكري عبر نقلها آلاف المسلحين التابعين للمجلس الانتقالي إلى سقطرى، وتم إسقاط السلطة المحلية في الجزيرة بقوة السلاح، والسيطرة على كل مؤسسات الدولة، بإشراف مباشر من ضابط المخابرات الإماراتي خلفان المزروعي، الذي عمل على هندسة التواجد الإماراتي في الجزيرة، تحت لافتة العمل الإنساني، ومؤسسة خليفة، وشراء ولاء قيادات حكومية وأمنية وعسكرية في الجزيرة، إلى جانب العديد من الضباط الإماراتيين: أبو راشد حمد الزعابي الذي يدير الملف الأمني في الجزيرة، والضابط عبدالإله الأنبالي مسؤول الملف الثقافي، والضابط سعيد الكعبي القائم بأعمال مؤسسة خليفة في سقطرى.
تحوّلت الجزيرة بعدها إلى إقطاعية تحكمها الإمارات، ولم يعد للشرعية اليمنية أي سلطة عليها، وشرعت الإمارات بإحكام السيطرة على المطار والموانئ، وتعيين مندوبين تابعين لها في كل مؤسسات الدولة، وجعلت من مليشيات المجلس الانتقالي شرطة حراسة لحمايتهم، كما بدأت بإنشاء قواعد عسكرية في كل المناطق الإستراتيجية في الأرخبيل، وقامت بتنظيم رحلات سياحية لمختلف الجنسيات الأجنبية عبر مكاتبها وطيرانها بصورة مباشرة، بعيداً عن الحكومة اليمنية، فضلا عن نهب خيرات الجزيرة النادرة من ثروتها السمكية والحيوانية والطبيعية.
بدأت هذه السيطرة الإماراتية، والاحتلال غير المعلن، بالدخول في خانة النسيان لدى الحكومة اليمنية، التي لم تعد تطالب برحيل القوات الإماراتية، وإنهاء الانقلاب، وتنفيذ "اتفاق الرياض" الذي رعته السعودية والإمارات، الذي ينص على "عودة قيادة السلطة المحلية، ومؤسسات الدولة، وأجهزتها الأمنية والعسكرية".
على الجانب الآخر يسعى المجلس الانتقالي إلى شرعنة الاحتلال الإماراتي، والدفاع عنه عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، بهدف الحفاظ على بقائهم، واستمرارهم وعائلاتهم في أبو ظبي، ولا بأس من تسويق حلم الانفصال، وبناء دولة الجنوب، ولو كان ذلك عبر توفير الدعم المالي لوسائل الإعلام التي تروّج هذه الأوهام والأمنيّات..
ستظل سقطرى بأهلها وجغرافيتها أيقونة للوفاء والولاء المطلق لليمن، هويةً وتاريخاً، في وجه كل الطامعين والطارِئين.سقطرى ومعركة أطماع القراصنة..