مقالات
شلل الإصلاحات الحكومية
على قدر ما أحدثته الحرب في بلادنا من اختلالات عميقة في كافة الهياكل الاقتصادية للدولة، فإنّ الحاجة إلى إصلاحات شاملة، في ظل هذه الأوضاع، تعد ضرورة مُلحة، لاستعادة قدرة المؤسسات الإيرادية، والقطاعات الحيوية، على التعافي، واستئناف الإنتاج والعمل بصورة أكثر ديناميكية وفاعلية وشفافية، من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإنقاذ البلاد من براثن التدهور والانهيار والفشل، إلا أنّ حالة من الغرابة تتملك المتابع للأداء الحكومي، وهو يرى هذا التبلًد والجمود يرافق عمل الأجهزة والدوائر الحكومية، سواءً من ناحية الإصلاحات الإدارية، أو على مستوى غياب الخطط والبرامج العملية، التي من شأنها الحد من العجز في مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلاد.
إذ أنّ زيادة الاختلالات والمشكلات يُفترض أن تُشكل تحدياً للحكومة، تدفعها للعمل بجدية وإخلاص، من أجل تحسين المسار الاقتصادي، وإنهاء حالة العبث التي رافقت أداء الجهاز الإداري للدولة طوال سنوات الحرب، وهو ما لا يبدو حدوثه حالياً، مع عدم وجود أي أثر لها على الواقع المعاش للمواطنين، حيث تتضاعف التحديات الاقتصادية، في ظل شلل الإصلاحات الاقتصادية، وغياب السياسات الحكومية البنّاءة، وانعدام الرؤية والإستراتيجية التي تتعلق بإصلاح مُجمل الأوضاع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تتعمّق الاختلالات في بنية الاقتصاد اليمني، والمؤسسات الحكومية والإيرادية، وسط متغيّرات وعوامل إضافية، محلية وخارجية، تضفي مزيدا من التعقيدات على الاقتصاد الكلي، وعلى أداء المؤسسات العامة، ومستوى العيش في البلاد.
منذ بدء الحرب، تسير البلاد في اتجاه إجباري، نحو زيادة الواردات ومفاقمة العجز في الميزان التجاري للدولة، مقابل تقلّص حجم الصادرات اليمنية، وتعطيل الإنتاج من المؤسسات المحلية، مثل شركة مصافي عدن، وغيرها من المؤسسات التي يمكن أن توفّر لخزينة الدولة مئات المليارات من العملة المحلية، وتساعد في خفض العجز في ميزان المدفوعات، بيد أن السياسة العقيمة للحكومة، باتت تصب نحو مسار واحد، يفاقم من عجز الميزان التجاري للدولة، ويوسّع من دائرة الاختلالات العامة في البلاد.
ومع زيادة مؤشرات التدهور والتراجع، ماتزال الحكومة تتغنّى بقدرتها على تحقيق إنجازات في الملف الاقتصادي، مستدلةً على ذلك بزيادة إيراداتها بالريال اليمني، من العائدات النفطية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، لكنّ هذه الزيادة، التي تعدها الحكومة نوعا من النجاح، لها آثار كارثية على الضفة الأخرى، من ناحية ارتفاع تكلفة الاستيراد والواردات، لا سيما واردات الوقود، حيث تعتمد بلادنا بشكل كلي على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من المشتقات النفطية، وهو ما يعمل على زيادة الفجوة في عجز الميزان التجاري للدولة، وميزان المدفوعات.
كما أن قيمة أي إصلاحات مالية أو اقتصادية، لدولة ما، تٌقاس بما تحدِثه من أثر على الأرض، وتحسّن للأوضاع المعيشية للمواطنين، وتحقيق تقدّم ملموس على صعيد إصلاح المالية العامة للدولة، وزيادة تحصيل الإيرادات وتنوّع الموارد، وتحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، غير أن المتتبع لخطوات وآليات عمل الحكومة لا يلحظ وجود تقدّمات في هذا الجانب، إذ ماتزال إشكالية التضخم تُشكل هاجساً مؤرِّقا للاقتصاد اليمني، فضلا عن التذبذب الحاصل في أسعار الصرف وعدم استقرار أسعار السلع في الأسواق التموينية، التي هي بالمحصلة انعكاس للأداء الحكومي المترهّل، وغياب الرؤية الاقتصادية للحكومة.
الوضع المالي للدولة مازال يعاني من التدهور الشديد، حيث برزت ملامح ذلك في تفاقم عجز ميزان المدفوعات، وارتفاع نسبة الدَّين المحلي نتيجة تراجع الإيرادات العامة بكافة مصادرها، الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والنفطية وفائض أرباح المؤسسات العامة، التي نتج عنها توقف للنفقات الاستثمارية، وانخفاض النفقات العامة الجارية إلى أدنى مستوياتها، وعدم وفائها بالحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية.
تشير تقديرات خبراء صندوق النقد الدولي - أبريل 2022، إلى أن معاملات اليمن مع العالم الخارجي، خلال عام 2021، قد أظهرت حدوث عجز في الميزان الكلي للمدفوعات بحوالي 2098 مليون دولار، مقارنة بعجز كلي بلغت قيمته 528 مليون دولار في عام 2020، لتشكّل نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 10.8 % في عام 2021، مقابل 2.8 % في عام 2020، ومن المتوقّع أن يسجل العجز في الميزان الكلي بقيمة مليار و928 مليون دولار، في نهاية العام الجاري.
ويعود هذا إلى استمرار تعطيل الصادرات اليمنية، لا سيما النفط والغاز، وغياب الإصلاحات الحكومية، والخطط التقشفية، التي من شأنها تقليص نفقات الحكومة من المدفوعات الخارجية، وتنمية الواردات، وتشجيع الإنتاج المحلي، فضلا عن عوامل موضوعية، تسببت بها الحرب، مثل توقف المساعدات والمنح الخارجية، والاستثمارات الخارجية، وتراجع تحويلات المغتربين، مقابل زيادة تكلفة الواردات مع التضخّم العالمي، ما ترك ضررا بالغا على ميزان المدفوعات وأسهم في زيادة العجز.
تتفاقم المشكلة الاقتصادية مع تشتت الموارد، وسيطرة الحوثيين على قطاعات إيرادية واسعة، لا سيما الإيرادات الضريبية، وتباين السياسات النقدية، وحظر الطبعة الجديدة من العملة، منذ أواخر ديسمبر من العام 2019، وعدم قدرة الحكومة أو عدم جدّيتها في إيجاد الحلول لهذه الأزمات التي تعصف بالبلاد.