مقالات

عودة العليمي إلى عدن: بين زيارة العمل الخاطفة ومشروع تأسيس دولة النظام والقانون

17/10/2025, 13:41:51

تشكل عودة فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة المؤقتة عدن محطةً للتحليل والقراءة المتعمقة، تتجاوز السؤال السطحي حول كونها مجرد زيارة روتينية، إلى التساؤل الجوهري: هل تمثل هذه العودة خطوة عملية جادة نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة اليمنية في الداخل واستعادة الشرعية من منفاها، أم أنها حلقة أخرى في سلسلة الزيارات الخاطفة التي تفتقر إلى رؤية استراتيجية تصحيحية؟

أولًا: العودة إلى الداخل بين الضرورة الوطنية وواقع التعقيد

لا يخفى على أحد أن اليمن، منذ انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانيًا، يعاني أزمة شرعية ومكان. فالعاصمة المؤقتة عدن، رغم رمزيتها النضالية، تظل بيئة معقدة أمنيًا وسياسيًا، ما يحول دون تحولها إلى مقر فعلي للحكم يمكن من خلاله إدارة الدولة وقيادة معركة استعادة الجمهورية من براثن الانقلاب.

من هنا، تطرح عودة الرئيس العليمي سؤالًا مصيريًا: هل حان الوقت لعودة جميع قيادات الدولة وقيادات الأحزاب السياسية والعسكرية، ومن هم ضمن كشوفات "الإعاشة الممتلئة"، إلى الداخل لقيادة المعركة من قلب الوطن، ومواجهة الميليشيا الانقلابية وجهًا لوجه، بدلًا من إدارة الصراع من وراء البحار؟ إن نجاح أي مشروع لاستعادة الدولة مرهون بوجود قيادته على الأرض، تشارك الشعب معاناته وتخطط من ساحات المواجهة الفعلية.

ثانيًا: الوهم والسراب.. الانتظار مقابل المبادرة الذاتية

يخطئ من يعتقد أن الحل اليمني سيأتي من خارج الحدود، سواء من دول الجوار أو من المجتمع الدولي. فالاعتماد على مثل هذه الحلول الجاهزة ليس إلا بحثًا عن السراب في صحراء التيه.

التجارب التاريخية والمعاصرة تثبت أن تحرر الشعوب لا يتحقق إلا بإرادتها. نحن في اليمن بحاجة إلى استلهام دروس الشعوب التي انتصرت بإرادتها. ورغم اختلاف التفاصيل، يقدم النموذج السوري دليلًا على أن العمليات النوعية والحرب غير التقليدية يمكن أن تهز أنظمة استبدادية راسخة. فثوار سوريا واجهوا نظامًا طاغيًا متجذرًا منذ عهد حافظ الأسد، واستطاعوا عبر عمليات خاطفة أن يزعزعوا منظومته خلال أسابيع وأشهر، ويقوضوا أركانه، رغم دعم حلفائه الإقليميين كإيران وروسيا.

ولا يعني هذا نسخ التجربة بحذافيرها، بل الاستفادة من فاعلية الإرادة الشعبية والحركة السريعة.

ثالثًا: دروس إقليمية في حساب موازين القوى

العالم من حولنا يتغير، والقوى الإقليمية تعيد ترتيب أوراقها بذكاء، وتُحسن قراءة موازين القوى. فزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى روسيا، للمرة الأولى منذ الإطاحة بالنظام السابق، تُمثل دليلًا على إدراك القيادات لكيفية حساب القوة والضعف، واختيار التحالفات التي تضمن بقائها وإعادة تأهيلها دوليًا.

الوجود الروسي في قواعد مثل "حميميم" و"طرطوس" لم يعد وجودًا عسكريًا فقط، بل أصبح جزءًا من معادلة إقليمية تعيد تشكيل المشهد السياسي بناءً على تفاهمات واضحة ومصالح محسوبة.

رابعًا: اليمن على مفترق طرق.. بين استنارة القيادة وعبء الماضي

اليمن بحاجة ماسة إلى قيادة مستنيرة، تدرك طبيعة التحولات الإقليمية والدولية، وتتعامل معها بذكاء ومرونة، دون أن تغفل خصوصية الواقع اليمني. نحن بحاجة إلى قيادة توحد الصف، وتقدم المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة والغنائم.

لقد آن الأوان لتجاوز مرحلة اجترار الماضي واستدعاء الثارات والخلافات التاريخية، بدءًا من مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، مرورًا بانقلاب الناصريين، وما تلاه من أحداث دامية كحرب المناطق الوسطى، وصولًا إلى مأساة يناير 1986، الحرب المناطقية-الزمرية التي مزقت النسيج الاجتماعي للجنوب، ثم نكبة حرب 1994، وما أعقبها من حروب صعدة الستة التي استنزفت البلاد.

لا يمكن بناء مستقبل مشرق على أسس من الأحقاد والجراح. يجب أن نعيد تقييم وضعنا الراهن بموضوعية وشجاعة، ونبني على هذا التقييم رؤية واضحة للمستقبل، تضع في صلب أولوياتها الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعب عانى طويلًا.

- خاتمة

إن عودة الرئيس العليمي إلى عدن لا ينبغي أن تُقرأ بمعزل عن هذه الإشكاليات الكبرى، فهي إما أن تكون بداية مرحلة جديدة، مرحلة التأسيس الحقيقي لدولة النظام والقانون من داخل اليمن، بقيادة وطنية مستقلة ومتواجدة على الأرض، ووفق رؤية سياسية وعسكرية متكاملة، مستفيدة من التجارب الإقليمية والدولية،

أو ستكون مجرد زيارة خاطفة أخرى تُضاف إلى سلسلة من الخطوات غير المكتملة، وتضيع في زحام التناقضات وغياب الرؤية، تاركة الشعب اليمني يراوح مكانه بين مطرقة الميليشيا الانقلابية وسندان الانتظار والتبعية للحلول الخارجية.

الخيار الآن بين يمن الدولة والمواطنة، أو يمن الميليشيات والتبعية.

مقالات

أكتوبر اليمني.. جذوة التحرير التي أنارت طريق الوحدة

في الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، تستحضر اليمن اليوم صفحاتها المضيئة من تاريخ وطني عريق، ومسيرة كفاح ضد الاحتلال البريطاني الذي سلب الجنوب اليمني من روحه، وهمّش كيانه، وزرع الانقسام بين أبنائه عبثًا بقدرٍ واحد.

مقالات

الاستقرار غير ممكن لليمن!

عندما نضع اليمن في مقارنة تاريخية مع دول الإقليم والعالم، نكتشف حقيقة واحدة: أن هذه البلاد التي كان يُقال عنها إنها السعيدة، أو "اليمن السعيد"، وارتبط هذا الاسم بهذا الركن من جزيرة العرب، إنما كان حلمًا من أحلام التاريخ، وأحلام اليمنيين، وأشبه ما تكون بأحلام اليقظة التي ظلت تسافر لزمن طويل في كتب المؤرخين والرحالة وكتب الجغرافيا والتاريخ.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.