مقالات

"غزة حافظوا على إنسانيتكم"

19/12/2023, 09:07:21

العنوان أعلاه كتاب لصحفي إيطالي اسمه فيتوريو أريغوني. والكتاب الصغير نسبيًا عبارة عن مجموعة مقالات نشرها هذا الصحفي القدير في صحيفة الـ«مانيفستو».

أريغوني كاتب وناشط، عمل مع حركة التضامن العالمية الداعمة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ابتداءً من عام 2008، وحتى استشهاده هناك في نيسان - أبريل 2011. 

تُرجِم الكتاب المهم إلى الإنجليزية والإسبانية والألمانية، وكذلك العربية، ووُزِّعَ في مختلف أنحاء العالم.

في التعريف بالكاتب، في غلاف الكتاب، يعد أريغوني واحدًا من الذين أعادوا إحياء حركة التضامن العالمية «(ISM»؛ وهي مجموعة متضامنة مع الشعب الفلسطيني، وتعمل في الأراضي المحتلة.

في آب - أغسطس 2008، شارك أريغوني في الحملة التي تهدف إلى كسر الحصار على قطاع غزة، وبعد تولي حماس السلطة في القطاع في حزيران - يونيو 2007، كان أريغوني يستقل أول سفينة وصلت إلى ميناء غزة، واصفًا لحظة وصوله إلى غزة يومها بأنها واحدة من أسعد لحظات حياته.

يعرض الصحفي تجربته في غزة أثناء العدوان الإسرائيلي عليها عام 2008 – 2009، وهي الحرب التي شُنَّت حينها باسم الدفاع عن النفس، ومكافحة الإرهاب، وتحت شعار «الرصاص المصبوب».

يقع الكتاب -المقالات الصحفية- في 160 صفحة. يشتمل على عدة مقالات تصل إلى 25 مقالة مؤرخة، تتناول تفاصيل حرب الرصاص المصبوب الإسرائيلية. وحقيقة الأمر، لم تكن رصاصًا فحسب، وإنما أيضًا قصف بالإف 16، وصواريخ، وقنابل ذكية، وفسفور أبيض، وإعدامات بالجملة، وتشريد الفلسطينيين، وتهديم للمساكن على رؤوس ساكنيها، وتدمير المدارس والمستشفيات والمساجد والمزارع والكهرباء ومياه الشرب؛ أي كل ما عملته وتعمله الحرب الحالية، إلا أن الحرب الراهنة أوسع وأعنف وأشمل. 

إن القول بأن حرب الإبادة الحالي رد على ما قام به فدائيو حماس في الـ7 من أكتوبر تكذِّبه الجرائم والإرهاب، الذي قامت به عصابات الهاجانه وشيترن والأراغون، منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضي. تقرأ كتاب «غزة حافظوا على إنسانيتكم»، وكأنك تشاهد ما يجري في غزة اليوم. 

يبدأ الكتاب بالإهداء من المترجمة إلى الإنجليزية ذانييلا فيليين: "كي تبقى ذاكرةٌ تحوم في ليالي قاتليه.. إلى شهداء النكبة الفلسطينية المزمنة، وإلى ناصر طبعًا". 

وهناك مقدمة بقلم إيلان بابيه. يشير كاتبها إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ، في العام 2004، ببناء أنموذج لمدينة عربية في صحراء النقب في حجم مدينة حقيقية كَلَّفَ بناؤها 45 مليون دولار كشبح لمدينة غزة؛ لمقاتلة حماس، مستفيدةً من حربها ضد حزب الله في لبنان، وذلكم قبل الإنسحاب من غزة في 2005. لم تسر الأمور كما خطط الإسرائيليون؛ فقد نجحت حماس في انتخابات ديمقراطية، واستبقت انقلاب فتح بانقلاب على السلطة. 

فرضت إسرائيل حصارًا شاملاً، وردت حماس بإطلاق صواريخ، وتلاها رد إسرائيل بقصف كل مناطق غزة من البر والبحر والجو، وازداد القصف عقب هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان 2006. صَعَّدتْ إسرائيل الانتقام ضد مليون ونصف يعيشون في 40 كم2، ويربط صاحب المقدمة نهج الإبادة الجماعية بالهزيمة في جنوب لبنان. 

كان قتل النساء والأطفال مقبولاً في إدارة بوش؛ بل في الإدارات الأمريكية كلها: جمهورية كانت، أو ديمقراطية. [الكاتب]. ويُحدِّد القتلى الفلسطينيين بـ300 قتيل، خلال العام 2007، منهم عشرات الأطفال، ولكن القتلى خلال سبعين يوماً في الحرب الحالية يتجاوزون العشرين ألفًا، بما في ذلك المدفونون تحت الأنقاض، وغالبيتهم من النساء والأطفال.

أسطورة محاربة الجهاد العالمي أفقدَ الجيش الإسرائيلي مصداقيته؛ فاقترح أسطورة جديدة هي أن غزة قاعدة إرهابية لتدمير إسرائيل، وكان السبيل الوحيد للنجاة من التهمة هو القبول بالعيش في قطاع مطوق بالأسلاك الشائكة والجدران العازلة: "...، فإن هم استمروا بدعمهم حماس؛ سوف يتم خنقهم وتجويعهم، أما إذا سلَّموا بنوع التوجه السياسي، الذي تريده إسرائيل؛ فسوف يعانون المصير نفسه الذي يواجهه أهلهم في الضفة الغربية؛ أي العيش من دون حقوق مدنية أو إنسانية". 

وعندما اختار الغزيون المقاومة؛ كانت مذبحة 2009، وأصبحت غزة البديل عن المدينة الشبح، التي تَدرَّبَ عليها الجنود في معركة مواجهة لواء مدرعات، وصارت غزة ميدان معركة تُستخدم فيها أحدث أشكال الأسلحة تطورًا، التي يمنع المجتمع الدولي استخدامها، معتبرًا استخدامها جريمة حرب. اعتبرت إسرائيل المدن والمخيمات التي نزح إليها لاجئو 1948 قواعدَ معادية، سواء في الضفة، أو في القطاع. 

يشير صاحب المقدمة محقًا: "ولكن تجريد الفلسطينيين من صفة الإنسانية لا يتم في الخطاب العسكري فحسب، فثمة إجراء مشابه يتبعه المجتمع اليهودي المدني الإسرائيلي؛ وذلك يفسر دعم المدنيين الهائل للمجزرة التي تحصل في غزة". [ص 13].

ويتهم صاحب المقدمة قادة الغرب السياسيين بالفشل في رؤية الربط بين تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، والبربرية في غزة. لاحظوا أن هذا الكلام كله عن حرب 2019 (الرصاص المصبوب)، الذي لا يمكن مقارنته بحرب السيوف الحديدية الحالية.

يعتبر صاحب المقدمة الكتاب روايةَ شاهد عيان لرجل يمثل كل رجل، ولشخص إنسان حقيقي. رجل يعلم أن ما جاء في كتابه يمكن أن يفتح نافذة صغيرة للعقول المغلقة التي تدعم إسرائيل من دون قيد ولا شرط. العقول المغلقة يمكن أن ينطبق على مواطنين أبرياء ضحايا الضخ الإعلامي اللامتناهي، والتعبئة، والتثقيف اللا إنساني، أما قادة البلدان الاستعمارية، وزعماء الأحزاب اليمينية، وصناع الرأي، فهم متواطئون وشركاء في صنع الكارثة، ويصرون على استمرار المجزرة. [الكاتب]. يقول نتن ياهو لأوروبا الاستعمارية: "إن حربنا هي حربكم".

أما بالنسبة للأمريكان، فإن ننتن ياهو يبتز بايدن - ذلك الرئيس الضعيف بالحرب- ويبتز حزبه المنقسم، بمحبي ترامب الأكثر تشددًا ومقدرةً على تدعيم نهج الحرب، والضغط على حكام العرب الموالين والمطبعين والمترددين بالالتحاق بركب التطبيع (التطبيع الإبراهيمي). 

فنتن ياهو - بواسطة إيباك، وأصوات ملايين الصهاينة والمتصهينين- لاعب أساس في الانتخابات، وهو - أي نتن ياهو- منحاز للأكثر تشددًا لدعم الحرب، والاعتراف بحق الاستيطان، وبالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. [الكاتب]. 

في المقدمة يدين تدمير السكان، واقتلاعهم من أرضهم، مشيدًا بانضمام فيتوريو إلى حركة التضامن الدولية لمساعدة أهالي غزة، وهي -المقدمة- خالية من أي تشويه، وتلاعب إعلامي.  

ويوضح المقدم عدم إمكانية قيادة المجتمع الإسرائيلي عن طريق الحكمة، أو الإقناع، المنطقي، أو الحوار الدبلوماسي. 

ويرى أن الطريق الوحيد التحدي المباشر لهذا «التبرير الأخلاقي»؛ باعتباره أيديولوجيا صهيونية شريرة؛ وهي أيديولوجيا تبيح التطهير العرقي، والاحتلال، والمذابح الجماعية، وينقد موقف الحكومات الغربية، وتعاملها مع أكثر جرائم الحرب ترويعًا كالإبادة الجماعية في غزة. 

ويقينًا، لا مقارنة ما بين حرب العام 20019، والحرب الحالية، وإن كانت كلها حرب إبادة، وجرائم حرب. [الكاتب].

تركتُ مقدمة فيتوريو، ومقالاته لقراءة أخرى. وفي الأخير، فالكتاب أهم رد على أكذوبة أن مصدر الحرب وسببها ما حصل في الـ7 من أكتوبر؛ فجرائم حرب الإبادة بكل تفاصيلها مستمرة منذ العام 2006. 

إن الهدف الأساس لنتن ياهو وحكومة الحرب من إطالة أمد الحرب تصفية القضية الفلسطينية، وتشريد شعب فلسطين إلى مصر والأردن والدول العربية الأخرى، ومجيء الإدارة الأمريكية الجديدة لفرض الإرادة الإسرائيلية على الجميع، وفرض طريق الهند – السعودية – إسرائيل، وربما ما هو أخطر.

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.