مقالات

فلسطين احتلال استيطاني ومقاومة مستمرة

14/12/2023, 07:05:38

تعود البدايات الأولى للاستيطان إلى حملة نابليون عام 1799، ووعده بإقامة دولة لليهود في فلسطين. وكانت النقلة الأخطر إنشاء الوكالة اليهودية، في صيف 1928، ونفذته حكومة الانتداب (بريطانيا) عقب الحرب العالمية الثانية.

يدوّن الباحث السياسي والأديب عبد القادر ياسين، في كتابه «شهادات الثورة الفلسطينية»، المراحل المختلفة للاستيطان الصهيوني، والمقاومة الفلسطينية. يعيب الأستاذ عبد القادر على حركة التحرير الفلسطينية «فتح» اعتبارها وربطها ولادة المقاومة لعام 1965، في أول يناير، وهي الحركة المولودة في غزة، بينما يعود بها إلى حملة إبراهيم باشا كجزء من سوريا عام 1831- 1840، وتواصلت في مواجهة القهر العثماني، والبدايات الباكرة للاستيطان، خصوصاً في عهد الانتداب.

في سبعينات القرن الماضي، تكونت عشرات المنظمات، وكلها ترفع شعار الكفاح المسلح. مر الكفاح المسلح بحالات مد وجزر، وكان قرار منظمة التحرير الفلسطينية التخلي عنه في 1988 في الجزائر، وتجلت الانعطافة الأخطر في اتفاقات «مدريد»، و«أوسلو»، تحت إغراء وإغواء أمريكا بحل الدولتين. الانتفاضتان الفلسطينيتان: الأولى 1987، والثانية: 2000، كانتا الملمح الأهم في الكفاح الوطني الفلسطيني، وحققتا إنجازات لا يستهان بها. تتصاعد مقاومة الشعب الفلسطيني في الداخل في الضفة الغربية وغزة، ويضطر جيش الاحتلال الصهيوني، وإدارة الاحتلال الصهيوني، إلى الانسحاب من غزة تحت ضراوة كفاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منذ العام 2006، ويفرض الاحتلال على غزة حصاراً شاملاً براً، وبحراً، وجواً لستة عشر عاما، وتتكرر الاعتداءات، ومحاولات الاجتياح أكثر من مرة.

حرب ما بعد الـ7 من أكتوبر هي الحرب غير المسبوقة في حروب المنطقة كلها، وتتفوق جرائمها على العديد من جرائم حروب العصر. يقود الجيش الإسرائيلي، الذي يراد له أن يكون الأقوى من كل جيوش المنطقة مجتمعة، والمزوّد بأحدث أجهزة الدمار الشامل في العالم مسنوداً بأمريكا وأوروبا الاستعمارية، حربه ضد مليوني فلسطيني أعزل في مساحة قليلة لا تتجاوز 14.9 ميل مربع، وفي مخيمات لجوء تعود إلى حروب 1948، و1967.

تريد إسرائيل نفي الفلسطينيين المشرّدين من أراضيهم في الداخل للمرة الثالثة إلى سيناء. فحرب ما بعد الـ7 من أكتوبر هدفها الأساس تشريد الغزاويين إلى مصر، ومواطني الضفة إلى الأردن. أكثر من أربعين ألف طن من المتفجرات تُلقى على مخيمات اللجوء في غزة، ويُقتل ما يزيد عن عشرين ألفاً جلهم من الأطفال والنساء، بما ذلك المدفونون تحت الأنقاض، وتدمّر المدن والقرى على رؤوس أهلها، ويُطال التدمير الممنهج والشامل المساكن، والمستشفيات، والمدارس، والأسواق، والمساجد، والطرقات، والأشجار، والآبار، وخزانات المياه.

تريد حرب الإبادة إفناء كل معالم الحياة؛ بحيث لا تعود البيئة صالحةً للسكنى، وليس الحال في الضفة الغربية بأحسن حالاً منه في غزة؛ فالمستوطنون قد مدوا المستوطنات إلى ما تبقى من الأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، ومناطق السلطة، وقد تم تزويد المستوطنين بالسلاح؛ ليقوموا بالاعتداءات اليومية ضد الفلسطينيين، كما يقوم الجيش الإسرائيلي باجتياح المدن والمخيمات، وتهديم المنازل، والتقتيل البالغ إلى ثلاثمئة، والمعتقلين أكثر من ثلاثة آلاف، وذلك منذ مجيء حكومة نتن ياهو اليمينية المتطرفة.  

يقوم المستوطنون بطرد الفلسطينيين من أراضيهم وقراهم، ونهب الزيتون، وتقليع الأشجار، ويعوّض الجيش الإسرائيلي المُدجج بكل أدوات الدمار الشامل العسكرية عن عجزه في القضاء على حماس بالقضاء على مواطني غزة، وتدمير كل ما هو قائم على وجه الأرض. في كتابه «غزة أريحا.. سلام أمريكي»، وكتاب «سلام بلا أرض»، يتناول المفكر إدوارد سعيد تراجع منظمة التحرير الفلسطينية عن الأهداف العظيمة للثورة الفلسطينية، وعن كونها حركة تحرر وطني إلى حزب سياسي، والتخلي عن حق المقاومة بتعديل الميثاق الوطني في دورة المجلس الوطني في الجزائر عام 1988، وقبول حل الدولتين.

يقارن إدوارد سعيد موقف أبي عمار بموقف مانديلا، الذي رفض التخلي عن حق الكفاح المسلح إلا بعد تحديد موعد الانتخابات، بعد سجنه لـ27 عاماً. ويدين سعيد تضحية المنظمة بمكاسب الانتفاضة الأولى، وكانت تلك أهم أسباب استقالته، والاعتذار عن موقفه من قرارات دورة الجزائر، وصعود نجم حماس كحركة تحرر وطني، ومعها الجهاد الإسلامي، وفتح، والجبهتان: الشعبية، والديمقراطية، وحزب الشعب.

 في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تقف الشعوب والأنظمة الإفريقية كلها إلى جانب كفاح المؤتمر الوطني الإفريقي، بينما تقف الأمة العربية خارج الفعل محاصرةً بالفساد، والاستبداد، والأزمات الطاحنة في مواجهة نظام احتلال استيطاني، وفصل عنصري، وتطهير عرقي، وأساطير توراتية صهيونية واستعمارية تهدد الأمة العربية كلها، وبصورة مباشرة دول المحيط. تتمخض قمة عربية وإسلامية عن تشكيل وفد لزيارة الدول المعنية، فتزور الصين، وروسيا، وبعض الدول الأوروبية، وأمريكا؛ لإقناع هذه الدول بدعم الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.

المفارقة أنه، وكرد على دعوة الوفد العربي - الإسلامي الممثل لـ57 دولة، تقوم أمريكا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضداً على الدعوة لوقف الحرب، وتقوم بتزويد إسرائيل بأربعة عشر مليار دولار، و14 ألفاً من القذائف؛ لاستمرار الحرب. الأمة العربية والعالم الإسلامي لا تعني شيئاً إزاء إسرائيل؛ فالعديد من دول الوفد مطبّعة مع إسرائيل، وتهددها الحرب مباشرة، وبعضها تربطها علاقات وتحالف تاريخي معها، والمصالح الأمريكية والغربية فيها كبيرة.

تستطيع هذه الدول، وبالأخص رئاسة الوفد السعودي والعربي، التلويح بالمصالح، والضغط بالاقتراب أكثر من المحور الدولي الجديد المساند لقضيتهم العربية والإسلامية في مجلس الأمن، وغير المنحاز لإسرائيل في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والمهددة للأمة كلها. تأييد الأمريكان وأوروبا الاستعمارية لكل جرائم الحرب، وانتهاك الحقوق، ومصادرة الحريات، والاستبداد، والطغيان، والفساد في العالم -مصدر تناول ونقد للمفكر الأديب والمؤرخ والسارد أمين معلوف- عضو الأكاديمية الفرنسية. فلنقرأ ما كتبه هذا المفكر العالمي ناقداً للفقر الأخلاقي المدقع في الوطن العربي حالياً، وزيف الأخلاق في أوروبا.

الباحث والمترجم الشهير هاشم صالح في كتابه «الانتفاضات العربية»، يخصص (الفصل الثامن عشر) من كتابه عن أمين معلوف، وكتابه «اختلال العالم». أمين معلوف كواحد من أبناء التنوير الأوروبي يقدم نقداً مريراً ولاذعاً للحضارة الغربية، والتنوير الأوروبي. فمبادئ الحق والعدل والحرية والديمقراطية والمساواة والإخاء موجهة للداخل فقط، ولا تستحقها الشعوب المتخلفة، وبدلاً من هذه القيم كرست الدول الأوربية في البلدان المستعمرة التخلف والاستبداد والفقر. وأضيف: نهب الثروات، وإثارة الصراعات؛ فهي تخشى أن يتمكن ثلاثمئة مليون عربي من امتلاك قيم الحقيقة والنور. منوهاً معلوف إلى خشيتها من إقلاع الهند والصين نحو المستقبل؛ فأوروبا وأمريكا شديدو الإصرار على الهيمنة، واحتكار القوة.

وفي حين يعيب معلوف على العرب الفقر الأخلاقي، فهو يرى أن الغرب يستخدم ضميره الأخلاقي كأداة للهيمنة على الآخرين، ويستخدمه بشكل انتهازي وانتقائي لتحقيق مصالحه السياسية والمطامع الاقتصادية. يؤكد المفكر معلوف أن حقوق الإنسان واحدة لكل الناس، ولكن الأوروبيين يرون أن الشعوب العربية والإسلامية غير ناضجة، وغير مهيئة لتقبلها.

حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب المسعرة منذ 75 عاماً بدعم أوروبي وأمريكي -وبالأخص حرب الإبادة الحالية- تؤكد ما سطره المفكر الكبير أمين معلوف، وتبقى الخلافات العربية، والزعامات الفاسدة والمستبدة، والخذلان حد التواطؤ، وضعف حالة الأمة، التي دمرها الحكام الطغام بالتآمر مع أعداء الأمة، هي من أهم أسباب إطالة أمد الحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار الهيمنة الأمريكية والأوروبية.

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

مقالات

حلفاء أم محتلون؟

الأوضاع الاقتصادية الكارثية، التي نعاني منها اليوم، ليست سوى انعكاس أكثر بؤسًا وكارثية لوضع سياسي مخجل.

مقالات

أبو الروتي (8)

بعد أن وصلتني رسالة جدتي الغاضبة، التي تطلب مني فيها أن أخرج من المعهد العلمي الإسلامي وأدخل مدرسة النصارى، بقيت حائراً لا أدري كيف أتصرف!! ولا ماذا أفعل!!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.