مقالات

فلسطين بين نهج الحرب وتكتيك التفاوض

01/04/2024, 18:37:35

يُوغل نتن ياهو واليمين الصهيوني في المضي في حرب الإبادة، مصممًا على إعادة احتلال غزة، وتهجير أبنائها، أو تقتيلهم، وإعاقة المفاوضات.

ما أغرى نتن ياهو بالإيغال في حرب الإبادة هو التأييد المطلق -حد الاشتراك- من أمريكا وبريطانيا وأوروبا الاستعمارية، إضافة إلى الضعف العربي حد الهوان والتواطؤ، وضعف الرأي العام الدولي.  

وصلت فظاعه المجازر المرتكبة إلى ٣٣ ألف قتيل، وأكثر من سبعين ألف جريح، وتهديم أكثر من ٧٠% من المنازل، وتدمير البنية التحتية تدميرًا شبه كامل، ومنع وصول المساعدات، واستهداف أي تجمع يبحث عن الغذاء، وتدمير المستشفيات، وقتل واعتقال الأطباء والمرضى والصحفيين والصحفيات، ومنع وصول المسعفين، وهذا معنى حرب الإبادة.

يواصل نتن ياهو الإصرار على الإعداد لاجتياح رفح، وتهجير المليون والنصف إلى سيناء، مهددًا الأمن القومي المصري، وهو المُهَدد أصلاً بإعادة احتلال غزة؛ غير مهتم باحتجاجات أسر الأسرى، ونسبة كبيرة من الإسرائيليين، واحتجاجات دولية، خصوصَا في الدول الاستعمارية المؤيدة حكوماتها للحرب.

لا تهتم قيادة الحرب الإسرائيلية، وحكومة نتن ياهو، وبالأخص نتن ياهو واليمين الديني الصهيوني لقرارات مجلس الأمن، ولا يعيرون الاهتمام للأمم المتحدة، ولا يعطون الاعتبار للاحتجاجات داخل الكيان الإسرائيلي، وتراجع الدول المؤيدة للحرب؛ مستهينين بالمنظمة الدولية المنشئة لدولة إسرائيل، فما خلفية الإصرار على استمرار الحرب، واجتياح رفح؟

استمرار الحرب يعني هروب نتن ياهو من المحاكمة على الفساد، وفشله الأمني والعسكري في حماية غلاف غزة في الـ٧ من أكتوبر، والثأر والانتقام لهذا الفشل غير محدود العواقب.
يعني الاجتياح -فيما يعني- الاتهام لمصر بالسماح بتهريب السلاح، والرغبة في السيطرة المطلقة، والنصر المطلق الذي لن يتحقق إلا بتقتيل غالبية الشعب الفلسطيني وتهجيره، وهو الأمر المستحيل.

يريد نتن ياهو أن يحقق ما عجز اليسار الصهيوني، وكل المنظمات الإرهابية عن تحقيقه.
عندما يقول نتن ياهو لبايدن إنه سوف يجتاح رفح مع أمريكا أو بدونها فهو يدرك أن بايدن لا يمكن أن يتخلف عن دعم ومساندة الاجتياح بالسلاح والمال والغطاء السياسي، كما يعرف بايدن - الشخصية الصهيونية الضعيفة والشائخة- أن إطالة أمد الحرب في غزة معناه أن رهان اليمين الصهيوني على ترامب، وليس على الحزب الديمقراطي المنقسم.

جوهر الخلاف بين حكومة الحرب الإسرائيلية وإدارة بايدن أن إسرائيل تريد أن تحقق كل شيء بحرب الإبادة، وإدارة بايدن مع الحرب واستمرارها، لكنها ترى أنه يمكن تحقيق كل ما تريده إسرائيل باستخدام أساليب أخرى متظافرة مع الحرب؛ لتحقيق أهداف الحرب.

تدرك الإدارة الأمريكية أن الحكم العربي أداة طيعة تستطيع إرغامها على القبول بأهم المطالب الإسرائيلية: القبول بنوع من التهجير، وإبعاد المقاومة، والتطبيع الإبراهيمي، وتسيّد إسرائيل، وعودة السلطة الفلسطينية تحت الحماية الإسرائيلية، والقبول بالاستيطان.

الدعم الأمريكي المطلق، والتأييد الأوروبي يقوِّي التفكير والاعتقاد بشعب الله المختار، وأن العالم كله "أغيار"، كما أن الشروع في الجسر البحري ليس لإنقاذ الفلسطينيين من هلاك المجاعة المحدقة بالفلسطينيين الآن، وإنما هو لفتح الطريق للتهجير فرارًا من التقتيل والتجويع. يعتقد الكيان الصهيوني أن كثرة التقتيل والتمويت بالحصار والتجويع، وتدمير البنية التحتيه هو الانتصار.

وحقيقة الأمر، فإن جرائم حرب الإبادة هي الهزيمة الحقيقية للجيش الإسرائيلي والكيان؛ وهو ما فطن إليه وزير الدفاع الأمريكي، الذي اعتبر المدنيين مركز الثقل، واعتبر قتلهم نصرا تكتيكيا وهزيمة إستراتيجية.
ويقينًا، فإن هذا "الإنتصار الكارثي" هو الهزيمة الإستراتيجية والأخلاقية لدولة الاحتلال الاستيطاني والفصل العنصري.

يتخذ التفاوض -منذ البداية- صورة من صور الحرب، فأمريكا -الوسيط- هي أساس في قيادة الحرب الفعلية؛ فهي مصدر المد بالمعلومات الاستخبارية، والاستطلاعات العسكرية، وهي التي تقوم بالامداد بالسلاح والمال، والمشارك في الإعداد والتهيئة، وهي تقود أغرب وساطة في التاريخ؛ فهي المحارب والوسيط! وهو ما لم يشهد له التاريخ مثيلاً.

الخلاف بين إدارة نتن ياهو وإدارة بايدن هو خلاف في الأسلوب، وفي تقدير النتائج، فقد أراد نتن ياهو، منذ البداية، تغيير خارطة الشرق الأوسط بقيام الدولة اليهودية من البحر إلى النهر، واحتلال سيناء بالمهجّرين، وجعل الأردن الوطن البديل، وتدمير لبنان وسوريا، وفرض الإبراهيمية على الجميع.

ربّما رأى الأمريكان وأوروبا مقدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق الانتصار في أسابيع أو أشهر، وهم لم يكونوا ضد التهجير، ولا ضد الدولة من البحر إلى النهر، ولكن صمود المقاومة، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي للتهجير، والوقوف ضد جرائم حرب الإبادة، والاحتجاجات في المدن الأمريكية والأوروبية، والموقف الدولي الرافض للحرب، وتصاعد الاحتجاجات داخل الكيان الإسرائيلي، والانقسام داخل قيادة الحرب في إسرائيل، كلها دفعت وتدفع لرفض الحرب، والقبول بالتفاوض، كما ترى إدارة بايدن المضغوطة بالانتخابات أن إطالة أمد الحرب يصب في خانة الحزب الجمهوري؛ وهو جزء من حسابات نتن ياهو واليمين التوراتي الصهيوني.

يدعو بايدن إلى التفاوض والهدنة، ويضع اشتراطات كاذبة وغير ممكنة على اجتياح رفح، بينما يزوّد إسرائيل بالقنابل من كل الأحجام، وبالإف 35، وبأسلحة تصل قيمتها إلى ما يقارب الثلاثة مليارات دولار، ويبدو أن الارتباك الإسرائيلي معبِّر عن فشل الحرب.

يدرك الأمريكان أن هزيمة إسرائيل كالهزيمة في أوكرانيا، وقبلها في أفغانستان، تعني سقوط القطب الواحد، وتراجع دور أوروبا. إن هزيمة إسرائيل تعني الهزيمة المباشرة لأمريكا وبريطانيا وأوروبا.

تزايد جرائم الحرب غير المسبوقة، والصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، واشتداد الاحتجاجات الدولية هي ما يربك المشهد في جبهة الحرب الإسرائيلية والأمريكية، ويزيد من سُعار الحرب، وقد يدفع إلى اجتياح رفح، والضغط أكثر على مصر والأردن والأنظمة العربية التابعة؛ للمساعدة في البحث عن البديل، وأن يكونوا أطرافًا فيه إلى جانب إسرائيل.

لقد نجحت إسرائيل في الإبادة الجماعية، وتدمير البنية التحتية، لكنها عجزت عن تحقيق الأهداف الأساسية للحرب: إعادة الأسرى الإسرائيليين، والقضاء على حماس، وتأمين إسرائيل؛ والأخطر الفشل في تهجير الشعب الفلسطيني، وقيام الدولة اليهودية من البحر إلى النهر.

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.