مقالات
في أهمية السياسة، والنضال السياسي أيضا
الحديث في السياسة مقرف لقلوبنا، لكنه بميزان عقولنا، وربما ديننا كذلك، ضروري لحياتنا.
هي إذن أربعة أطراف تتجاذبنا وتحدد موقفنا من الخوض في السياسة: القلب، العقل، الدين، الواقع.
لماذا الحديث في السياسة مقرف لقلوبنا؟ لأنه إما يكون حديثا في "الواقع السياسي" القائم في المجتمع، مجتمعنا نحن، وما هو واقع قائم في مجتمعنا، في زماننا، مثير للأحزان والمرارات وعلى نحو غير مسبوق.
أو يكون حديثا في سماء الفضيلة السياسية والأخلاق، في النموذج والمثال الذي يتطلع إليه المرء ويتمناه. وهو حديث لربما يبعث في نفوسنا بعض السرور لبعض الوقت بوصفه ابحارا للنفس في العالم الذي تنتمي إليه.
غير أن التفكير في هذه السماء لابد أن يدفعنا دفعا حتميا ميكانيكيا إلى الهبوط إلى الأرض للتفكير فيما هو كائن فعلا ومقايسته على النموذج القائم في سماء الفضيلة والعقل.
وذلك الهبوط مصدر غزير كثيف من مصادر الكآبة والقلق من غير شك.
وكلما عظمت الفجوة بين المثال وبين الواقع عظمت الكآبة واتسع التوتر وزاد القلق.
قد لا يكون القلب محب للخوض في سياسة مقرفة. قد يأمر صاحبه بتجاهلها أو اعتزالها..
لكن العقل يأمر أشد الامر بالانخراط فيها، إقامة لأعوجاجها أو تغييرا لها بالكلية.
وكذلك هو موقف الدين، وكذلك هي موجبات الواقع أيضا.
ما يعزز من أهمية هذا الاتجاه أن الحديث في السياسة، مجرد الحديث، أو حتى الثرثرة–في مجتمع الخوف والنظام الشمولي وضدهما–يصير نضالا، ويصير نضالا ضروريا أيضا.
السياسة هي الخير الأعظم في حال صلاحها، وهي الشر الأعظم في حال فسادها.
وأنه لمؤسف حقا أن يسهم المرء أو الجماعة أو الحزب في إيذاء الخير الأعظم، أدنى الإيذاء، أما تخريبه أو الإسهام في تخريبه فتلك خطيئة الخطايا.
تخريب السياسة (الدولة أو السلطة أو العملية السياسية) هو تخريب الميدان الذي يملكه المجتمع كله، ويؤثر في أفراد المجتمع كله، وفي الميادين كلها.
بكلمة أخرى هو تخريب كل شيء يتعلق أو يؤثر بحياة كل فرد.
لأجل ذلك ذهب أرسطو، أعظم الفلاسفة في كل العصور، إلى أن علم السياسة هو "أشرف العلوم".
والسياسة في الأصل إدارة للشؤون المشتركة على مقتضى الحكمة والعقل، وعلى مقتضى الشرع أيضا بحسب الرؤية الإسلامية.
وغياب الحكمة والعقل غياب للسياسة.
أما الحرب ووجود تنظيمات أو جماعات حاملة للسلاح ضد المجتمع أو ضد السلطة الرسمية المنتخبة فهو النفي الكلي والشامل للسياسة.
فلا سياسة في المجتمع ما لم تكن القوة ملكا حصريا للدولة. لا سياسة مع تعدد الأطراف التي تستعمل القوة.
أما إذا شئنا الدقة فإن استعمال جماعة ما القوة القسرية ضد طرف ما في المجتمع أو ضد الدولة، لا ينفي السياسة فحسب بل ينفي الدولة.
القوة هي أخص خصائص السيادة، والسيادة صفة للدولة حصرا، بموجبها يكون من حقها وحدها، عبر أجهزتها الرسمية، استعمال القوة المنظمة والإكراه القانوني.
ولأن السيادة لا تتجزأ فإن لا دولة مع وجود أطراف أخرى تستخدم القوة، وضد أي طرف كان..
نتمنى على الذين ألفوا التنظيمات والجماعات واستسهلوا الاجتياحات وهتفوا للحرب والسلاح أن يفهموا! ومن يفهم ولو بعد حين خير ممن لا يفهم أبدا ومطلقا!