مقالات

في ذكرى رحيل الكبار.. شعلان كقائد استثنائي

26/02/2022, 15:14:07
بقلم : فهد سلطان
المصدر : خاص

العميد شعلان من القلائل الموهوبين، والقيادات العسكرية الكفوءة، شغل مكاناً خطيراً وفي لحظات مفصلية من عمر محافظة مأرب، ومع ذلك فقد ملأ المكان بكل اقتدار. 

كان ملهماً لجنوده ولمن حوله، يأسرهم بتواضعه، ويحفّزهم بنشاطه وببسالته غير العادية.

 كل من عرفه عن قُرب يحكي بطولاته وحياته الخاصة والعامة الاستثنائية، حتى تلك المبالغات من بعض رفاقه تعكس حالة إجماع وحب واتفاق على قدرات استثنائية عاشها الرجل حتى آخر لحظة من حياته؛ مسؤولاً لواحد من أهم الأجهزة الأمنية في مأرب، حقق نجاحاً لا يشك ولا يماري فيه أحد. 

يقول أحد الضبّاط القريبين منه: "تعلّمنا من مشاهداتنا له أكثر ممّا تعلّمنا من تعليماته. الاحتياطات الأمنية، التي كان يحيط بها نفسه وبمن حوله، وكيف يدير الاجتماعات، ويتصرّف في أحلك الظروف، وكيف يتخذ القرارات في بيئة اختلط فيها المدني بالسياسي بالقبلي، شيء ليس سهلاً على الإطلاق". 

يضيف: "لا أعتقد أن أسبوعاً واحداً مرّ بدون مشكلة أو حادثة، وفي بعض الأيام قضايا وأحداث ومشكلات بلا حصر، ومع هذا الكم الكبير من التفاصيل إلا أنها لم تهزمه ولم تضعفه، حتى وهو ينام عند أصدقائه أو مقرّبين له، كان يقوم بتدريبات لياقة قبل النوم أو بعده، قبل أن يذهب للعمل، هذا فضلاً عن تديّنه الشديد، وقراءته للقرآن بشكل دائم، وعلاقاته الخاصة بأسرته. يخرج النوتة من جيبه، ويسجّل الملاحظات ويفاجئ من حوله دائماً، وفي بعض الأوقات يكون الجميع في جو هدوء وسكون، لكنه ينتفض قائماً ويتحرّك ويخرج، ولا نعرف إلا بعد وصولنا للمكان الذي يريد، في مهام جديد، وهكذا. 

في الاجتماعات الأمنية أرهق الضباط من حوله، لكنّه لم تسجّل عليه حادثة خاطئة، نتاج تقصير أو سوء تقدير. كانت هذه الجزئية يكررها على مسامعنا: الخطأ بسبب التقصير يترك وجعا لا ينتهي، وتكون نتائجه كارثية، وغالبا ما ينفذ العدو من هذا التقصير القليل الذي لا ننتبه له، وأنا اتسامح مع أي خطأ إلا الخطأ الناتج عن التقصير. 

في لحظات كان يتخذ قرارات مفاجئة، وأغلب من حوله غير مقتنع بها، ويخرج ينفذ، ونكتشف فعلاً أنه كان صائباً فيما فعل. أما الشيء الذي لم نجد في غيره هو المعلومة، لا يتساهل عن أي شيء يصله، يرسل لكل شخص في مجاله يتأكّد ويقرأ التقارير أولاً بأول. وبعض التفاصيل، أو شيء ما لا ننتبه لها جميعاً، يضع عليها إشارات حمراء بالقلم، ويستفسر عنها، وفي أوقات يضعها هي القضية البارزة، وقد يهمل الباقي كلّه، أشبه بمن يقرأ الشفرات، ويحاول يفهم ما لم يكتب أو يقال. 

حتى استشهاده لا يزال لغزا، تحرّكاته صحيح أنها ضمن حلقة ضيّقة جداً، ولديه حس أمني عالٍ، ولا يشعر بذلك إلا القريبون منه فقط، فيما البقية يشعرون بشخص عادي مثله مثل كثير من القادة العسكريين. هذا ما كان يدهشنا في هذا الشخص الاستثنائي، بسيط ومتواضع يشبه كل الناس، بل كل ضابط وكل جندي يشعر بأن عبدالغني شعلان صديقه المقرّب وأقرب الناس إليه، وكلٌ يحكي بهذا الأمر قصصاً، ويضرب أمثلة على ذلك، وهو في الحقيقة صديق الجميع، وأب الجميع، وحبيب الجميع، ومع ذلك كان في مواقف حادا لا يكسر ولا يلين، وعندما يفقد جنديا من جنوده يغلق على نفسه مكاناً، ويبكي كوالد فقد ولده.

عند النوازل والأحداث كان شخصا آخر، علّمته الأحداث في مأرب كثيراً، عندما يريد أن يجتمع بشخص في قضيّة أو يلتقي شخصاً جديداً، يسأل كل من حوله عمّا يعرفونه عنه، وعندما يتعرّف على شخص يحتفظ بتلك المعلومات والتفاصيل والملامح، ويستخدمها في اللحظات المناسبة. حقوق الجنود خطوط حمراء، أكثر ما كان يستفزه هذا الأمر، يعمل له الضبّاط والقادة والجميع ألف حساب، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بجنوده وبالأمن. بقدر حبّ الجميع له بقدر الرّعب الذي زرعه في قلوب المليشيات وأعداء الوطن.. كان شعلان كابوساً أرقهم كثيراً حياً وميتاً".

مقالات

اغتصاب مدينة!

للمدينة ذاكرة لا تمحو ولا تُمحى؛ ذاكرة المكان والزمان والناس والأشياء والمشاعر والألسنة.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.