مقالات
قمع الحوثي للمؤتمر.. ذعر وقائي
اقتحام الحوثيين اجتماع قيادة حزب المؤتمر قبل أسبوع، برئاسة صادق أبو راس، تأكيد مبكر على الذعر الوقائي الذي يميز الحوثية وبنيتها السلالية المعادية. السلالة لا تخشى القوة المباشرة فقط، فوجود أي إشارة للحياة المستقلة عنها يصيبها بالذعر، وأي بادرة رمزية قد تمنح حزب المؤتمر حضورًا أو هوية خارج سيطرتها، حتى وهو شريكها. مصادرة الأموال المخصصة لذكرى تأسيس المؤتمر يوم 24 أغسطس مثال واضح على استباق أي فعل يذكّر بأن الحزب لا يزال موجودًا كشكل سياسي حي، وأن أي استقلالية رمزية، مهما كانت ضعيفة، تُعتبر تهديدًا للهيمنة الحوثية.
التحالف الأولي بين الحوثي والمؤتمر كان تكتيكيًا بحتًا. لم يكن التحالف أيديولوجيًا، بل وسيلة لاستثمار خبرات الحزب في الإدارة الحكومية، وإدارة الموارد المالية، وتسيير المؤسسات الحيوية التي لم تكن الحركة الإمامية تمتلك خبرتها الكافية في التعامل معها بعد السيطرة على صنعاء. تم توظيف قيادات المؤتمر في الوزارات والإدارة المحلية، مع السماح لهم بصلاحيات محدودة تمنح الحركة الإمامية القدرة على التحكم النهائي، وتجنّب الصدام المباشر مع قطاعات واسعة من الناس.
لكنه تحالف يحمل بذور الخطر الرمزي. فبمجرد أن شعر الحوثي بأن أي عضو مؤتمري قد يظهر نفوذًا محدودًا أو استقلالية في القرار أو رمزية، تحول الحليف إلى خصم داخلي محتمل. ازدواجية القرار في الوزارات، والتعليمات المتضاربة، والمراقبة الأمنية المستمرة، والتشهير الإعلامي بحق الحزب وأعضائه، تخلق حالة من الخضوع القسري تحت رادار الخوف، حيث تصبح أي خطوة خارج توجيه السلالة تهديدًا محتملًا للهيمنة. الموظفون يجدون أنفسهم أمام أمرين متناقضين: تعليمات وتوجيهات الحوثي، وتعليمات قياداتهم التقليدية في المؤتمر، مما خلق ارتباكًا يحد من قدرتهم على ممارسة أي نفوذ مستقل عن الحوثية وهيمنتها.
الخوف لا يقتصر على الداخل. فأي نشاط رمزي للمؤتمر يمكن أن يُستثمر خارجيًا عبر السعودية أو الإمارات، أو أن يُفسر محليًا كفرصة لإعادة ترتيب التحالفات بين قوى المقاومة ومكونات السلطة الشرعية، ما يزيد الضغط على الحوثية ويجعلها في حالة حذر دائم. المتغيرات الإقليمية والدولية تضيف بعدًا عالميًا، بحيث يصبح كل ظهور للمؤتمر ككيان مستقل في صنعاء نقطة مراقبة دولية محتملة، تزيد من هاجس السيطرة الداخلية، وإمكانية أن يحظى المؤتمر بفرصة أكبر.
القوة الفعلية للحوثية واضحة: عصابات عسكرية منظمة، وسيطرة على مؤسسات الدولة، وقوة اقتصادية عبر إيرادات المؤسسات الخاضعة لها، ودعم إقليمي مباشر من إيران. أما القوة الفعلية للمؤتمر فهي ضعيفة: فقد معظم قياداته، وغياب نفوذه العسكري، وعدم قدرته على تحدي الحوثي مباشرة. ومع ذلك، يمتلك المؤتمر قوة وجودية رمزية؛ أي اجتماع حزبي، أو ذكرى تأسيس، أو فعل رمزي مستقل، هو إشارة للحياة المستقلة، قد تُفسر حوثيًا كنموذج للمقاومة أو إعادة ترتيب التحالفات الداخلية والخارجية.
العلاقة بين الحوثية والمؤتمر في صنعاء تكشف عن منطق السيطرة السلالية: استخدام الحلفاء لتوسيع النفوذ، ثم تحويلهم إلى خصوم داخليين بمجرد أن يظهر أي مركز قوة مستقل أو رمزي. عناصر المؤتمر يعملون ضمن شبكة تعليمات متناقضة، مجبرين على الطاعة العلنية، بينما يحتفظ الحوثي بصورة تحالف شكلي مع حليف ضعيف، مستخدمًا كل الوسائل الأمنية والإعلامية لضمان عدم ظهور أي استقلالية. هذا الخوف الداخلي يخلق رقابة ذاتية، حيث يتجنب أعضاء الحزب أي خطوات قد تُفسر كتهديد، ويصبح التحكم فيهم شبه غير مرئي لكنه فعّال.
المخاوف الحوثية وطبيعة بنيتها السلالية تمتد إلى البُعد الرمزي والاستراتيجي: أي نشاط للمؤتمر، مهما كان محدودًا، قد يُستغل للضغط السياسي والعسكري محليًا وإقليميًا، أو يُفسر محليًا كإشارة لحركة مقاومة محتملة. هذا يوضح أن الحوثي لا يتصرف فقط وفق منطق القوة المباشرة، بل وفق منطق السيطرة على كل الرموز، حتى الضعيفة منها، وإبقاء كل الحلفاء تحت مراقبة مستمرة ما لم يتم إخضاعهم ودمجهم كليًا أو إبادتهم. كل اجتماع، وكل فعالية، وكل رمز مستقل، يخضع للرقابة الشاملة.
الحوثية تريد المؤتمر تحت الهيكل السلالي عبر عملية دمج صامت في هيكل الجماعة كأداة إدارية بلا نفوذ، وسيطرة مطلقة من جانبها على كل نشاط حزبي، ليظل الحزب مجرد امتداد شكلي للحوثية، بلا قدرة على التأثير أو استعادة موقعه السياسي المستقل.
الحوثي لا يخشى المؤتمر لقوة فعله المباشرة، بل لخطر وجوده الرمزي؛ فأي شكل من أشكال الاستقلالية، مهما كان هشًا، يمثل تهديدًا محتملًا للهيمنة الحوثية ولبنية السلالة التي لا تتسامح مع وجود شركاء أو حلفاء.