مقالات

مغالطات واضحة

18/04/2022, 21:25:33
المصدر : خاص

فكرة أن "طبيعة المرحلة تتطلب مشروعاً خاصاً" ليست سوى محاولة لإعادة خلط الأوراق، واستمرار العبث بالقضية اليمنية، وتفريغ النظام الجمهوري من محتواه؛ وهذا في حد ذاته سقوط أخلاقي.

حتى فكرة "مشاورات الرياض" لم تكن مقنعة، فإذا كانت القوانين الإنسانية تأمر الأشخاص بالتصرّف بطريقة محددة، فإنها تترك لهم فرصة الاختيار بين أن يتصرّفوا وفقها أم لا، ولا تجبرهم على شيء، وهذا معناه أن إمكانية الاختيار في التصرّف وفقها (القوانين الإنسانية) أولوية وشرطٌ للحفاظ على كينونة المجتمع، باعتبار أن في القوانين وصفاً لكيفية سلوك الأشياء في الواقع، بحيث تسقط فرضية وجود شخص ما قد أمر بفعل ذلك منفردا.
وفي حال افترضنا أن هناك من يأمر بذلك، فحينئذ سنواجه السؤال: لماذا فُرضت هذه القوانين وليس غيرها؟
إذا افترضنا أنه لا يمكن فرضها بدون أي سبب، لأنه من المحال أن نجد شيئاً ما غيرَ خاضع لقانون ما، ولأن هيبة ومكانة وقيمة القوانين حينئذ سوف تُكسر وتُهدر.

تدأب الأنظمة العالمية على تبرير أفعالها دائماً بمُبرّرات أخلاقية، مؤكدة من خلالها أنها لم تقصد بذلك إلا الخير، رغم أنها أكثر من يهزأ من تلك المبرّرات في قرارة نفسها وأكثر مَن يتجاهلها بعد مدة ويختلق غيرها؛ لتبدأ مرحلة البحث عن كبش فداء جديد، فاتحة لنفسها المجال مجدداً للحكم على أخلاقيات الناس من خلال أفعالهم، التي لم تكن لهم اليد الطولى فيها، وهذا أسلوب جديد يُغلّفون من خلاله سعيهم إلى السيطرة بغلاف جديد وجذاب، ولا يخلو من المبرّرات الأخلاقية.

إن الجهل بطُرق إدارة المواقف يقود حتماً إلى الفشل في كسب الأتباع، والشريحة الكبيرة المؤيّدة للشرعية ستنفضّ عنها إذا ما استمرّت في تقديم تنازلات مجانية، بغضّ النظر عن وسيلة/ وسائل الضغط التي تُتّبع معها، فالأنظمة يجب أن يكون لها تاريخها في صناعة الفرق، مهما تنوّعت أو تعددت الشرائح المؤيّدة لها، واختلفت توجّهاتها أو اهتماماتها.

ومن المفترض أن تزداد الشّرعية قوّة وصلابة عندما تجد أنه في فترة غيابها، أو بالأحرى تغييب دورها عمداً، لم يُسحب البساط من تحتها إلى درجة تُسقطها من عيون اليمنيين المُتشبّثين بها أو العكس.
 ولهذا لا يجب أن يتراجع خطابها الجادّ تجاه الشعب، وألا يتراجع تأثيرها إلى حدّ أن يصير وهمياً تماما.

وتمزيق اليمن بهذا الشكل، منذ البداية، كان كارثة غايتها غضّ الطرف عن جماعة الحوثي وإيهام العالم بأن الصّراع في اليمن جنوبي - جنوبي، ومن ثم إدخال قوى شمالية كأطراف. والتغاضي تماماً عن الحوثيين، الذين يعتبرون أساس المشكلة.. ولعلّ منحهم فرصة جديدة لإسقاط ما تبقّى من الشمال هو المغزى من الإبقاء على هذه الجماعة متماسكة حتى اللحظة، والسبب في استجابة العالم لمقترحاتها وتجاهل الشّرعية التي يتم تقسيمها يوماً بعد آخر، وإني لأستغرب تصرّفات بعض قيادات الشرعية من ذوي التجربة الطويلة، أو حتى المتوسّطة، في السياسة أو المعارضة، الذين يدعون إلى سلام مع الحوثيين بهذه الكيفية المُذلّة والمهينة، في ظلّ وجود فجوة كبيرة بين نظام شرعيّ يُقدّس الحقوق والحرّيات وجماعة مارقة تدعو إلى تقديس الفرد الواحد أو التكتل الأسَري المتمثل في قادات الجماعة وأقربائهم.

لقد حوّلت جماعة الحوثي اليمن إلى مرتع خصب لنمو الصراعات بأشكالها، لأنها ترفض التخلّي عن منظومة الحكم (أو عن بعض صلاحياتها) المهيمنة على كل شيء، بما في ذلك الحركة التجارية، وتسعى إلى خلق المزيد من قنوات التبادل بكافة أشكاله بين السلطة كنظام حكم والقطاع الخاصّ كشريك أساسي.
وغالبا ما يكون القطاع الخاص مملوكا لمراكز القوى نفسها، ما يترتّب عليه فرض السّيطرة على كل شيء، وبالتالي زيادة الاحتقان لدى فئات الشعب المختلفة الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمعات، ومن المفترض أن يتم وضعهم ضمن الأولويات، لا التلاعب بهم وبمُدّخرات البلد الاقتصادية، عن طريق القلة ممن يُسمّون "الوسطاء"، الذين لا دور لهم إلا تنفيذ أجندات اقتصادية محدّدة لصالح أصحاب النفوذ للهروب من المُساءلة القانونية، إن وُجدت.

من بين سمات المليشيات التفنّن في استخدام أساليب الخداع والكذب والمراوغة والمكر، الذي يبدو غريبا عن غيرهم، ومحاولة إظهار أنفسهم على أنهم شخصيات "فاضلة" تحترم التفاصيل وتنتبه إليها، لاعتقادهم أنهم إذا أتقنوا فنون الخداع والمراوغة والإغواء وتعلّم الكذب، وما شابه ذلك من طرق للتغلب على خصومهم، فإن ذلك سيوصلهم -لا محالة- إلى مستويات عليا من السّطوة؛ وسيجعل الناس يذعنون لهم دون أن يفقهوا ذلك؛ وألا أحد سيقدر على مقاومتهم أو الاستياء منهم حتى لو اكتشف أنهم يخدعونه.

في ظلّ الحكم الكهنوتي الحوثي لن يكون بمقدور أكثر الناس موهبة في الإدارة مواجهةُ العقبات البسيطة والوصول إلى متوسط -ولن أقول أقصى- قدراتهم وإمكاناتهم، ولن يكون الطريق إلى التحوّل المطلوب مُعبّداً  أو بالأحرى، سالكاً أمام الجميع. وهذا ديدنُ جماعة الحوثي، التي بدأت في الصّعود على شكل طبقة برجوازية، وتحوّلها بمرور الوقت إلى كتلة عسكرية فقط، لا تمتلك مقوّمات النهوض، ولن تمتلكها، بحكم افتقارها إلى أدنى مُقوّمات الكفاءة الذاتية، وبذلك ستتلاشى الطبقة الوسطى، التي تعدّ ركيزة أي نظام، وقد تختفي إلى الأبد.

يعرف الجميع أن هناك مراكز قوى توفّر لجماعة الحوثي غطاءً سياسياً في المحافل الدولية، ومنها أمريكا، اللاعب الرئيس في دراما الشّعوب الأخرى، وإنْ بأدوار مختلفة، فبمقدورها أن تكون المُدللة أو المدافعة عن حقوق الإنسان أحياناً، وقد تتحوّل -إن أرادت- إلى المدافعة عن الدّين، كما حدث خلال حكم بوش، الذي تبنّى مصطلح "الحروب الصليبية" في حروبه السابقة مع بعض الجماعات الإسلامية. وأحياناً أخرى، قد تتحوّل إلى وحش ضارٍ، فتبطش بدون رفق إن أرادت.
وقد تجعل من نفسها حملاً وديعاً، يتكلم عن مظلوميات الآخرين، منتحلة دور حارسة الفضيلة، على الرغم من أنها وطّنت التيارات الشّيعية المُدمّرة في بلدان الشرق الأوسط، ومنها اليمن.
فإذا كانت ترى أن مخططها يسير كما تريد، فإننا نرى أنها أدمت قلوب المنطقة بأسرها بمثل هذه التحرّكات.

في السياسة، لا تُمنح الأشياء مجانا، فالعامة لا يعرفون ما هو المقابل الذي يسعى المجتمع الدولي إلى الحصول عليه نظير تلميعه لبعض القوى السياسية، فهل يعرفون أن ذلك قد يكون وسيلة لخداعهم أو إلزامهم أخلاقياً، أو يتجاهلون أنهم سيضطرون إلى تحمل عواقب ذلك العبء.
 وبما أن للانكسار قيمة، فإن المجتمع الدولي يكون "سخياً" في البداية، وينفق من مال غيره "بلا حساب"، من منطلق أن السّخاء هو سرّ السطوة، لكنه ما يلبث أن يكفّ عن ذلك بعد بلوغ أبسط أهدافه.
وهُنا يتضح جلياً أن من ضمن أهداف المجتمع الدولي في اليمن تسليم الشمال إلى الحوثيين، مع الاحتفاظ بورقة ضغط "مؤقتة" تتمثل في مأرب، الصامدة رغم الكفاف والعزلة عن العالم، وتهميش دورها النضالي في التصدّي لجحافل المليشيات السلالية.

إن حقيقة وجود قانون خارجي يُحكِم خناقه على دول الجزيرة والخليج ستظلّ كابوساً يؤرّق مضاجع الجميع، ولا يخدم أحداً سوى بعض مراكز القوى العالمية، وحليفها جماعة الحوثي بالدرجة الأولى وحليفَيها، المجلس والمكتب السياسي.
وعمّا قريب، ستكتشف "المملكة" أن رهانها على هؤلاء هو رهان خاسر، وأنها لن تنتصر إلا في حال انتصرت للشرعية، وأن التعيينات الأخيرة فخٌّ لا يقل خطورة عن الخُدع السابقة، ولهذا السبب ستدفع ثمن عدم إطلاق العنان للشرعية، ومساندتها في تحرير الأرض، التي دنّستها المليشيات، وبناءً عليها فإنها سوف تتحمّل العواقب، التي ستكون وخيمة جداً.

لقد كُنا جميعاً على دراية بأن مشاورات الرياض تسير نحو نهاية مجنونة، فكل شيء فيها لم يبدُ في المكان والطريق والزمان الصحيح منذ البداية. والكراسي والطاولات تكاد تصرخ لاعوجاجات عدة في مساراتها، والأرض والسماء تكادان تصيحان لفرط ما خُذلت الشّرعية، وهُمّشت في كافة المحافل الدولية، والمُواطن اليمني وحده من يصخب أنيناً وألماً لِما ألمّ به من أقرانه من البشر، في صورة لا تكاد تخلو من الحقد الدفين الموجود بداخل بعض مواطني اليمن، الذين يبتهجون لانكسار شرعيتهم، ويتبادلون التهاني على ذلك، فالكل يتسلّط على الكل قدر استطاعته في بلد لم تتسلّط فيه الطبيعة القاسية على الإنسان، بل العكس، فالإنسان اليمني، الذي يتظاهر بالحكمة، هو المتسلّط أو المساعد على التسلّط، والضّعيف الذي يُؤكَل من قبَل الأقوى منه.

باختصار، هناك من يدفع بأن المملكة لم تعد تملك القوّة نفسَها، التي كانت تملكها في الماضي، والسبب الفشل في إدارة الحرب اليمنية.
وما وقع في المشاورات من تباينات تم استخدامها لإثبات هذه النظرية، التي يراد لها أن تظلّ عالقة في أذهان الناس حتى بمرور الزمن.
وعلى الرغم من تيقّننا من أنها براهينُ غيرُ عقلية، فإن المتغيّرات الحالية على الأرض تضيف إلى مواقف الشّامتين المزيد من الصلابة والعقلانية، على الرغم مما تنطوي عليه من مغالطات واضحة، ولهذا يجب وضعُ حدٍّ لها.
لا سيما بعد أن انحرفت القضية اليمنية كثيراً عن مسارها، وأصبح جميع المشاركين فيها مادة للسخرية، بمن فيهم التحالف العربي، بكل إمكانياته، والشرعية اليمنية المقيّدة، باستثناء الحوثيين والانتقالي، وبجانبه المولود الجديد غير الشرعي للإمارات (المكتب السياسي).

مقالات

عبد الودود مقشر وتاريخ تهامة

عبد الودود مقشر أستاذ أكاديمي جليل، وباحث مجتهد وقدير. رسالته للدكتوراة «حركة المقاومة والمعارضة في تهامة 1848- 1962م» أول دراسة علمية شاملة وجامعة عن تهامة.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.