مقالات

هل الصوفية هي الوجه الآخر للتشيع؟

12/08/2025, 16:42:19

- هل هناك تخادم حوثي - صوفي في اليمن؟

السؤال المشروع عن العلاقة بين الصوفية والتشيع في اليمن والخليج العربي ليس مجرد نقاش عقائدي، بل هو نافذة لفهم تداخل الدين بالسياسة والاجتماع في بيئة مضطربة ومعقدة.

فالصوفية كحركة تطورت تاريخياً منذ عقود طويلة، منذ أيام ابن عربي وغيره في نهاية العصر العباسي الثاني وما قبله، والتشيع الذي تطور ليصبح كمذهب أشهره المذهب الاثني عشري؛ وهنا فالمقارنة بين الصوفية والتشيع هما مستقلان عن بعضهما البعض، لكن تاريخياً وعقائدياً واجتماعياً ظهرت بينهما تقاطعات وتخادمات قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، تستغلها مشاريع سياسية لصياغة نفوذ ديني وثقافي.

تاريخياً، كان التحول الجوهري في العلاقة بين التصوّف والتشيّع عبر الحركة الصفوية التي نشأت كطريقة صوفية في القرن الخامس عشر في أردبيل بإيران، حيث حوّل إسماعيل الصفوي إيران السنية المشهورة بالحركات الصوفية بهذه الطريقة الرّوحية إلى مشروع سياسي صارم، وأرسى التشيّع الاثنا عشري مذهباً رسمياً للدولة، مما رسخ تحالفاً صوفياً –شيعياً شكّل نموذجاً مكرراً لاحقاً في مناطق أخرى (Encyclopaedia Iranica – Safavids). هذا النموذج يظهر كيف يمكن لتقاطع روحي ديني أن يتطوّر إلى قوة سياسية متحكمة.

لكن لا تعني هذه الحالة أن العلاقة بين الصوفية والشيعة كانت دائماً تحالفاً. فخلال الحقبة الصفوية، برزت صراعات داخلية بين الفقهاء الشيعة والطرق الصوفية، حيث كان هناك أحياناً تعاون بنّاء وأحياناً مواجهة لرفض البِدع أو رفض الهيمنة، وهو ما يدل على علاقة مركّبة غير خطية (JSTOR).

في جنوب آسيا، مثل الهند وباكستان والبنجاب، تداخلت الشعائر الصوفية مع المجتمعات الشيعية في مناسبات دينية معينة، مما أسس بيئة اجتماعية دينية يمكن أن تمهّد لنفوذ مذهبي مختلط، لكن دون مؤامرة مركزية، بل كنتيجة تراكمية (DOAJ).

أما اليمن، ففيه مشهد ديني معقد، حيث الصوفية تمثل تياراً سنياً له جذور عميقة، خاصة في حضرموت والمهرة وجنوب وغرب اليمن، في حين أن الزيدية الجارودية تمثل فرعاً شيعياً خاصاً في الشمال وبعض مناطق وسط اليمن، ومن هنا تظهر صراعات وتقاطعات اجتماعية وسياسية (AJIS).

منذ صعود الحوثيين الجاروديين (2015 فصاعداً)، شهدت حضرموت نشاطاً صوفياً ملحوظاً، خصوصاً في مدن المكلا وتريم وسيئون، حيث أقيمت موالد واحتفالات دينية، وبدأت مليشيات الحوثي تستغل هذا الحراك كأرضية لاستقطاب أو تهدئة التيارات الدينية هناك، عبر خطاب "الوحدة الإسلامية" الذي يحتفي بالرموز الصوفية، ما يمثل استثماراً ذكياً للبُعد الروحي لتوسيع نفوذها.

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تدعو إلى التحليل والتساؤل، وهي زيارات مشايخ صوفية إلى صنعاء ومشاركتهم في فعاليات ومناسبات تدعو إليها المليشيات الحوثية، ضمن سياسة تحالف ناعم لاستمالة التيارات الدينية، وخلق صورة زائفة عن قبول الحوثي بين أوساط الصوفية، رغم اختلافات العقيدة والسياسة، فهذه التحرّكات تُظهر حرص الحوثيين على استثمار القواسم الروحية المشتركة لتوسيع القاعدة الاجتماعية، والتغطية على الطابع العسكري والسياسي لمشروعهم.

حيث نجد أن المولد النبوي الشريف، الذي يحتفل به بشكل بارز في حضرموت وحضوره واسع من قِبل مشايخ الصوفية، يُوظف من قِبل الحوثيين في صعدة كحدث سياسي ديني يعزز صورتهم كقوة دينية جامعة، رغم أن المولد ليس من الشعائر الزيدية الأصلية، وهذا يظهر كيف تُستخدم الرموز الصوفية لأهداف سياسية واضحة (YPAgency).

وإذا تتبعنا ما يحدث في مناطق شرق اليمن في حضرموت والمهرة وسواحل سلطنة عُمان، التي تمثل جغرافياً حساسة تحاول فيها الحوثية توسيع نفوذها عبر استغلال التداخل الدّيني، فإن القبائل والسكان المحليين ما زالوا يشكلون حاجزاً أمام النفوذ المباشر. ومع ذلك، فإن غياب رقابة الدولة يسهّل عمليات التهريب والإمداد العسكري للحوثيين عبر هذه المناطق، ويُستخدم النفوذ الصوفي في هذه البيئات كغطاء اجتماعي لهذه العمليات (alaraby.co.uk).

بناءً عليه، يمكن القول إن الصوفية ليست الوجه الآخر للتشيّع بالمعنى العقائدي، لكنها في الواقع تشكّل أداة ديناميكية يمكن أن تتقاطع مع مشاريع شيعية سياسية، خاصة في بيئات تعاني من ضعف الدّولة وصراعات الهوية، وهو ما تبرزه تجربة اليمن بوضوح، وفي الخليج، خصوصاً في الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين والكويت، تحركات مشابهة لمساعي استثمار الصوفية في تمهيد القبول لمشاريع ذات خلفيات شيعية أو سياسية، لكن السياق هناك أكثر تعقيداً وأقل توتراً من اليمن.

أخيراً، ثمة ضرورة بالغة لفهم هذه العلاقة المركَّبة، وإدراك أن الرموز الدينية – كالموالد والقبور والمدائح – ليست مجرد ممارسات روحية، بل هي أدوات نفوذ سياسي واجتماعي تُستخدم بوعي. وفي اليمن اليوم، تشكل هذه الأدوات بوابة حيوية لاستيعاب النفوذ الحوثي، مما يحتّم على الباحثين وصُناع القرار والحركات الدّينية السنيَّة والمكوّنات السياسية المختلفة مراقبة وتقييم هذه التطوّرات الخطيرة بدقَّة عالية وحذر بالغ.


المراجع:

Encyclopaedia Iranica – Safavids/Safaviyya
Cambridge Core – Shiʻism and Sufism: Their Relationship
DOAJ – Shiʻism and Sufism in History
AJIS – Sufism in Yemen: Historical and Social Dimensions
USIP – Religious and Political Dynamics in Yemen
YPAgency – تقارير المولد النبوي في حضرموت
yemenmonit – نشاط الحوثيين في صنعاء
alaraby – تهريب الحوثيين في حضرموت والمهرة

مقالات

قمع الحوثي للمؤتمر.. ذعر وقائي

اقتحام الحوثيين اجتماع قيادة حزب المؤتمر قبل أسبوع، برئاسة صادق أبو راس، تأكيد مبكر على الذعر الوقائي الذي يميز الحوثية وبنيتها السلالية المعادية. السلالة لا تخشى القوة المباشرة فقط، فوجود أي إشارة للحياة المستقلة عنها يصيبها بالذعر، وأي بادرة رمزية قد تمنح حزب المؤتمر حضورًا أو هوية خارج سيطرتها، حتى وهو شريكها. مصادرة الأموال المخصصة لذكرى تأسيس المؤتمر يوم 24 أغسطس مثال واضح على استباق أي فعل يذكّر بأن الحزب لا يزال موجودًا كشكل سياسي حي، وأن أي استقلالية رمزية، مهما كانت ضعيفة، تُعتبر تهديدًا للهيمنة الحوثية.

مقالات

وقتلوا آخر شهود الجريمة

الصحفيون في كل زمان ومكان هم شهود الحقيقة؛ فهم مَنْ يُتابع الأحداث ويدوّن الوقائع، ويتحرّى الوصول إلى المعلومات الصحيحة من مصادرها الأساس، ويدقق في المصادر ومعرفة الأهداف والغايات في حالات الصراع، ولا بُدَّ من الحياد والموضوعية.

مقالات

عن فساد النخب الذي التهم اليمن في زمن الحرب

في قلب المأساة الإنسانية التي مزقت اليمن منذ سنوات، حيث كان الموت جوعاً أو قصفاً هو قدر اليمنيين، تنشَّطت آلة أخرى لا تقل فتكاً، وهي تعمل في الظل والعلن: إنها آلة الفساد المنظم الذي مارسته النخب السياسية والعسكرية المتحكمة بمفاصل الصراع. لقد تحولت الحرب الأهلية المستعرة منذ عام 2014 إلى فُرصة ذهبية غير مسبوقة لنهب ثروات البلاد المتبقية،

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.