مقالات

يحيى يخلف و"نجران تحت الصفر"

25/05/2024, 14:40:19

يحيى يخلف أديب وروائي، وكاتب قصة، وبطل من أبطال الكفاح الوطني الفلسطيني. في بداية الستينيات كان يحيى يخلف مُدرِّسًا في نجران، وشهد وقائع حرب الملكيين والسعودية والأمريكان ضد ثورة 26 سبتمبر.

بطل الرواية اليامي. ويام هي القبيلة الكبرى الممتدة من نجران اليمنية إلى قلب العربية السعودية. فيام الإسماعيلية المذهب عبر عدة قرون هي امتداد لهمدان- أم القبائل اليمنية التي كانت تمثل قيادة الحكم في اليمن.

ذَبْح اليامي بتهمة السُّكْر يعكس وضع نجران في العام 1962، وطرائق وأساليب قمع المقاومين. واليامي المذبوح بطل الرواية والمقاومة الجمهورية. 

ترسم الرواية بدقة مشهد الجمهوري اليامي بحضور مندوب الأمير، وأبي طالب الملكي وأبي شِنان- البطل الثاني في الرواية.

يلتقي أبو شِنان بأمه سمية التي ظهرت تبحث عن طيف اليامي باكيةً. أبو طالب يريد أبو شِنان؛ ليجمع له مقاتلين لإسقاط صعدة. يستدعي المستر الأمريكي أبا شنان بعد أن عرف أن أبا شنان صديق لليامي، وأنه نقابي مطرود من أرامكو لاشتراكه في مظاهرة. يستضيف المستر الأمريكي أباشنان، ويغريه بالويسكي والنساء؛ ليعمل مترجمًا مع المرتزقة الأجانب ضد الجمهورية. 

انتشر خبر عمل أبي شنان مع قائد المرتزقة الأمريكي في حارة العبيد كالصاعقة. كيف هذا، ودم اليامي صديقه لم يَجِّفْ؟! يتسلم أبو شنان عمله كمترجم في معسكر المرتزقة الأوروبيين في «أبو الرشاش» بعيداً عن نجران، ويصف يخلف معسكر المرتزقة المزود بالمسابح، وأماكن الإقامة وبالبغايا.

كما يصف لقاء أم أبي شنان سمية بالعجائز، والحديث عن زوجة المُطّوِّع التي قبضوا عليها في فراش مفتش الصحة، والحديث عن رجمها، وإدانة ختان النساء، وخصي، الرجل، ويصف الجوع، والمطر، والحالة البائسة في حارة العبيد. ذهبت نجران كلها لرؤية رجم الزوجة الشابة الحسناء التي زوجوها شائبًا عِنِّينًا. 

يصور حالة الفقر والمجاعة التي تدفع للبحث في قمامة معسكر الحرس الوطني، وهجوم الشاب ابن أمينة للهجوم على اللحم المُدَلّى في المجزرة؛ فيُضرَب ويأخذه العسس.

يعود أبو شنان إلى نجران بعد أن منحه المستر إجازة لثلاثة أيام، ويصف نفسه بالنذالة بعد أن كان زِينة الرجال.

ويتذكر مشعان الذي كان يردد: يجب على الفقراء ألا يسكروا إلا بعد الانتصار، ويواعد نفسه بالبكاء ماحيي على اليامي. 

تصف الرواية حالة المجاعة في نجران، وإقبال الأطفال على أكياس الزبالة؛ للبحث عما يؤكل.

ويعود أبو شنان من المعسكر لنجران؛ فيجد وجوه الناس تنكره. عُبَاجة الزَباَّل وجد يد ابن أمينة الشاب الذي هجم على اللحم في المجزرة في الزبالة؛ ففقد عقله، وهام على وجهه في البراري، وغرقت نجران في الروائح الكريهة. يُعتقَل رأفت العدني؛ فيجد نفسه أمام المحقق المستر مُتَّهمًا بإرسال برقية إلى عمه في جدة لتزويده بقوالب فلافل؛ فيتهم بأنها قنابل، وأنه يريد إرسال السلاح إلى صنعاء، ويغرق في الدم.

يختلط قصف الطيران المصري على نجران بسقوط المطر والفيضان، ويهرب أمراء الحرب. 

يتجاوز أبو شنان الإجازة. يستدعيه المستر، ويأمره بالتوجه إلى المعسكر. يقصف الطيران الجمهوري معسكر الحرس الوطني ويصيب المعتقل؛ فيهرب ابن أمينة، ورأفت العدني إلى صعدة. يحكي أبو شنان لريتا العاهرة التي قدمها له المستر قصة اصطياد الأمريكي لوحيد القرن في إفريقيا، ومحاولات ترويضه كتعبير عن رفضه العمل في معسكر المرتزقة الأوروبيين. تكلم ابن أمينة ورأفت العدني من إذاعة صنعاء، وأُصيب أبو طالب، وكانت الحصيلة عددًا كبيرًا من الجثث؛ نتيجة القصف الجمهوري. يخرج رفيقه مشعان من المعتقل، ويرسل إليه رسولاً للقاء في جدة. 

مشعان من معتقلي مظاهرة الدمام، بينما أبو شنان مطرود من العمل. يهرب القادة من نجران، وتُقطع رجل الزيدي، ويهرب أبو طالب بعد أن خلع حذاءه في وجه من يهرب. يستعيد قصة ذي نواس، ونصارى نجران، وإخصاء الأمير معشوق أمه سمية- أمه بالتبني، ويعتقد أنها كانت حاضرةً سردية الأخدود، ويغضب أنها لم تأخذ خصية الأمير السديري الذي خصى عشيقها الفتى القوي، وأهداه لأمير نجد؛ ليضمه إلى نساء الأمير. يغادر أبو شنان نجران للالتقاء بمشعان في جدة. 

السيول أغرقت حارة العبيد، والأمير يرغم السكان للتوقيع على هجرها، وسمية ترفض أن تبصم؛ فهي ترى نجران أرضًا مسروقة.

تعيده الذكريات في جدة إلى تفاصيل التفاصيل في نجران، والفلاش باك عن الدمام، ومعركة الدمام مع عمال أرامكو، والنقابة السرية، ومشعان، وهجوم الحرس الوطني بالبنادق وقضبان الحديد، والأمريكان يكتبون في مكاتبهم المكيفة، والأرض الرملية تلقم ثدييها للأنابيب، ومشعان يطويه السجن.

يقدم وصفًا دقيقًا لشوارع جدة. يتسكع في شوارعها، وفجأة يجد نفسه أمام مشعان- بطل مظاهرة الدمام ضد أرامكو.

يتذكر مشعان الأصدقاء الذين ماتوا، وهو في السجن، وعن الحديد السائل الذي يغلي في الأفران، والدماء الحارة التي تجري في العروق، والنظرات الحارقة التي تصب من حدقات العيون.يسأله أبو شنان: - إلى أين؟ - إلى حارة السبيل. - هل تسكن هناك يا مشعان؟ - يسكن هناك العمال والأجراء والفقراء ومَنْ ليس لديهم مأوى.

ويسأل أبو شنان: - ماذا نعمل؟ - أعيد ترتيب الأمور. يجب أبو شنان: - أما أنا فقد... يرد مشعان: - صه! اعرف كل شيء.

في غياب النقابة يمكن أن يحدث كل ذلك. المهم أن نبدأ صفحة جديدة. أطلقت باخرة صفارتها مرات عديدة. هتف مشعان نبدأ الآن رحلة جديدة، وبعيدًا عند آخر نقطة يدركها البصر. 

كانت الأمواج تبدو شديدة الزرقة. تللكم نهاية رواية «نجران تحت الصفر». «نجران تحت الصفر» رواية صدرت في العام 1977، وجرى الاحتفاء بها باليمن جنوبًا وشمالاً.

كتب عنها العديد من الأدباء والمثقفين اليمنيين، وكانت تعدُّ ككتاب مدرسي وعُمِّمَت في التثقيف الحزبي للتيار اليساري والقومي.

كان الأستاذ يحيى يخلف مدرسًا في نجران مطلع ستينات القرن الماضي، وشهد الحرب الملكية ضد ثورة 26 سبتمبر، وحشود المرتزقة الأوروبيين والأمريكان ضد الثورة. 

الرواية عمل إبداعي راقي، ورصد وتتبع وتوثيق لجوانب مهمة لوقائع الحرب الرجعية والاستعمارية ضد اليمن وثورته.

زار يحيى صنعاء في مطلع ثمانينات القرن الماضي بعد انتخابه أمينًا عامًا لاتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين، ونائبًا لاتحاد الصحفيين العرب. كان الاتحاد الأدبي الفلسطيني يضم الأدباء والصحفيين، ويعد من أقوى الاتحادات الأدبية والصحفية العربية والعالمية. 

وُقِّعَ اتفاق حينها بين الاتحاد الفلسطيني، ونقابة الصحفيين اليمنيين، وأجريت معه مقابلة بالاشتراك مع الزميل الأستاذ محمد المساح، ولا أتذكر أين نشرت؟ والاحتمال أن تكون في صحيفة «الثورة»، أو صحيفة «الأمل»، ولا بد من البحث عنها.

تعمقت علاقاتنا من خلال العمل معًا في اتحاد الصحفيين العرب.

كنت في بيروت في الأعوام 1980- 1981، وشطر من العام 1982 قبيل احتلال إسرائيل لبيروت.

أتذكر عندما دخل ناجي العلي، وهو عضو لجنة تنفيذية في الاتحاد- في حالة من الفزع إلى مكتب يخلف، ليقول له: إنه مطلوب لمكتب ياسر عرفات.

كان استدعاء ناجي العلي مفجعًا؛ لأن رسوماته حينها عن صدام حسين، وعن عين فهد، وعن أبي عمار، وعن الحكام العرب، والقادة الفلسطينيين بالغة السخرية والإهانة والكشف. نصحه يحيى بضرورة الذهاب.

وفورًا ذهب ناجي، وسرعان ما عاد مدهوشًا؛ فقد استقبله أبو عمار كبطل من أبطال الثورة الفلسطينية؛ مثنيًا على «حنظلة»، وأنه فنان الشعب الحقيقي، ثم أعطاه تذكرة سفر إلى ألمانيا الديمقراطية، ومنحة سفر لدراسة الدكتوراه. 

وعندما أخبره ناجي عن تواضع تعليمه الأساسي، رد عليه قائلاً: المهم لا بد من الدارسة. فهم ناجي العلي أن القضية طرد. ذهب إلى ألمانيا، وتوسع ظهور حنظلة في «القبس» الكويتية، و«السفير» اللبنانية، وبعض الصحف الفرنسية والروسية؛ فَقُطِعت المنحة، وكانت قصة الكاريكاتور التي أدت إلى طرده من الكويت بدون أوراق ثبوتية إلى لندن، وحادثة قتلة معروفة. 

كان يخلف خارج لبنان عند اجتياح الجيش الإسرائيلي لها؛ فعاد إلى سوريا، وطلب من السفارة اليمنية المساعدة للدخول إلى لبنان، وقام الأستاذ عبد العزيز البغدادي القنصل بمساعدته ليلتحق بالمقاتلين الفلسطينيين، والحركة الوطنية اللبنانية؛ فهو عضو في المجلس الوطني، وفي المجلس المركزي، وقيادي فدائي. عندما التقيت عباس زكي- السفير الفلسطيني الأسبق في اليمن في زيارتي الأخيرة للقاهرة، سألته عنه، فقال لي: إنه مصاب بالزهايمر. شفاه الله وعافاه.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.