مقالات
الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر
اليومان الوطنيان الخالدان في التاريخ اليمني هما يوم السادس والعشرين من سبتمبر، 1962، والرابع عشر من أكتوبر 1963.
يوم الـ 26 من سبتمبر أعاد لليمن مجده وتاريخه الحضاري، أو بالأحرى مثل الميلاد الجديد ليمن جديد- يمن الثورة، والجمهورية، والمواطنة، ومثل يوم الـ 14 من أكتوبر 1963 الكفاح القومي لطرد الاستعمار البريطاني، وتحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية.
هب أبناء الجنوب بالعشرات والمئات دفاعًا عن الثورة والجمهورية في الشمال، وكانت ثورة سبتمبر السند والداعم الأساس إلى جانب ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، وللثورة اليمنية شمالاً جنوبًا. و يحتفي شعبنا بالعيد الستين للثورة السبتمبرية، والتاسع والخمسين لثورة أكتوبر المجيدة.
حققت ثورة سبتمبر المواطنة للرعوي اليمني، ونشرت التعليم الحديث في مختلف مناطق اليمن، وأوصلته إلى القضوات والنواحي والعزل، وفتحت الأبواب لها أمام رياح العصر، وحققت نقلة طبيعية للنظام السياسي من نظام أسري كهنوتي، إلى ثورة شعبية، ونظام جمهوري بمشاركة شعبية واسعة، ووضعت الأسس للبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحديث، وحققت السيادة والاستقلال كجزء من تيار الثورة القومية في مصر، وسوريا، والعراق، والجزائر، وعالميًا، وقادت الجبهة القومية كفاح الشعب في الجنوب لطرد الاستعمار البريطاني، وتحقيق الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 1967، ووحدت اثنين وعشرين سلطنة وإمارة، ووضعت اليمن الديمقراطية في طليعة حركات التحرر العالمية، وحققت إنجازات وطنية اقتصادية واجتماعية مهمة، وقضت على الأمية، ونشرت التعليم الحديث في مختلف مناطق الجنوب، وحققت قدرًا من العدل الاجتماعي، وإزالة الفوارق بين الطبقات، والمساواة، وسن قانون أسرة ديمقراطي وعادل، وإصلاح زراعي، ومؤسسات اقتصادية، ونهج تقدمي في العلاقات العربية والدولية.
واجهت الثورتان: سبتمبر، وأكتوبر تحديات خطيرة؛ فقد حوصرت الثورة في الجنوب، وشُنت عليها الحرب عقب الاستقلال من قبل السعودية وبريطانيا، واقتطع منها «الشرورة»، و«الوديعة»،كما دعمت السعودية المرتزقة في حروب استمرت بضعة أعوام. أما الحرب ضد ثورة الـ 26 من سبتمبر، فقد استمرت سبعة أعوام، واشتركت فيها أمريكا، وبريطانيا، وقامت إسرائيل بإنزال السلاح للملكيين. بلغت الحرب ذروتها في حصار السبعين يومًا، وانكسر الحصار بصمود الجيش والأمن، والمقاومة الشعبية، والجيش الشعبي.
الحرب ضد الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر كان يترافد مع الثورة المضادة في الداخل. في ثورة سبتمبر كان المشايخ المجمهرون، وكبار الضباط المعادون للتغيير، والساسة المعارضون يُستخدمون كطابور خامس في الثورة، وتغري معارضتهم الجناح الملكي المحارب، والقوى الداعمة للمزيد من إشعال الحرب، وفرض الحصار، وكانت الأخطاء المرتكبة من قبل قيادة الثورة، ومراكز القوى المصرية، توفر الزاد والأرضية للثورة المعارضة، وللمقاتلين الملكيين؛ لتسعير الحروب، وتمكنهم من تحشيد الكثير من المواطنين المؤيدين للثورة والملكية للاقتراب أكثر فأكثر من المعارضين.
وهناك شخصيات عامة وكبيرة، واتجاهات، وأحزاب ثورية وقومية دفعتهم أخطاء قادة الثورة، وممارسات مراكز القوى المصرية (عامر، والسادات)، إلى صفوف المعارضة.
انكسر الملكيون في حصارالسبعين يومًا، وفشلوا في إسقاط صنعاء، ولكن الثورة المضادة متحالفةً مع صف واسع من المعارضة الوطنية، كانت تمكنت من القيام بانقلاب الـ 5 من نوفمبر 1967 بعد هزيمة 1967.
مراكز القوى المصرية، والاستبداد سبب رئيس في هزيمة 1967، وقبلها انفصال سوريا، أما انقلاب 5 نوفمبر في اليمن، فمرتبط بأخطاء قادة الثورة، ونهج عامر والسادات في التدخل، وتوسيع نطاق الحرب، والمساومة بها. انكسار الثورة القومية في المنطقة العربية مرده إلى فساد الحكم واستبداده بالأساس، ومرتبط أيضا بهزيمة 1967، كما لا يمكن إغفال دور الرجعية، والاستعمار، والصهيونية في الحرب ضد الثورة القومية، ولكن لا ينبغي أن نجعل من دورها مشجبًا نعلق عليه عجزنا، وأخطاء وجرائم حكامنا الثوريين. تآكلت الثورة اليمنية بالأخطاء القاتلة، وبفساد واستبداد الحكام، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وعدم الاحترام للتجربة الليبرالية، والأنموذج الديمقراطي الذي تحقق في عدن عقب الحرب الكونية الثانية، والحريات الصحفية والنقابية والسياسية التي بدأت منذ أربعينات القرن الماضي وحتى منتصف الستينات، وكانت المدماك الأساس لنشأة الحركة الوطنية في الجنوب والشمال
فعندما ألغت دولة الاستقلال الحريات العامة والديمقراطية، وألغت ثلاثة عقود من التحديث والتفتح وقبول المختلف، وأقدمت على إجراءات اقتصادية شديدة القسوة والتطرف، كانت عمليًا تضرب الأسس المتينة التي قامت بها وعليها الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر . وشعبنا يحتفي بالعيد الستين لثورة الـ 26 سبتمبر، والعيد التاسع والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 ليستعيد مسار الثورة، والانحرافات والانقلابات التي تعرضت لها، وأدت إلى الوضع الكارثي بعد نصف قرن من الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، حيث بجد شعبنا نفسه أمام وضع كارثي بكل المعنى؛ فاليمن كلها تحت وطأة الحرب الأهلية والإقليمية والدولية، وبين الشمال والجنوب، وداخل كل شطر على حدة.
يتطلع شعبنا بملايينه الثلاثين إلى وقف الحرب، والعودة إلى الحوار السلمي الديمقراطي. وقف الحرب يعني أطراف الحرب في المستويات الثلاث؛ فهي الأطراف التي اقترفت جرائم الحرب. رفض شعبنا الحرب المفروضة منذ الوهلة الأولى، وعبرت بيانات بعض الأحزاب، ومناضلو الثورة، ونداء السلام عن رفض الحرب، وإدانتها، والتحذير من مخاطرها.
وقف الحرب هو الطلب الأول والأساس لشعبنا وأمتنا، والعودة للحوار اليمني- اليمني هو السبيل الوحيد والآمن للخلاص من تبعات الحرب ومآسيها، والتفاوض في الرياض بين أنصار الله (الحوثيين)، والعربية السعودية مهم للاتفاق على وقف دائم وشامل للحرب، ومهم لرفع الحصار الخارجي والداخلي، وتبادل الأسرى على قاعدة الكل مقابل الكل، ولكن السلام الحقيقي يصنعه اليمنيون بإرادتهم الحرة، وبالجلوس على مائدة المفاوضات، والتوافق على الحل السياسي، واشتراك ألوان الطيف المجتمعي الفكري والسياسي والشباب والمرأة في بناء سلام وطنهم، وفي التوافق والتشارك في بناء كيانهم الوطني، وحل خلافاتهم بالحوار، ورفض التبعية والاحتكام للسلاح.
الاحتفاء بالعيد الوطني الواحد والستين لثورة سبتمبر، وبالعيد الـ ٦٠ لثورة أكتوبر لا يكون إلا بوقف الحرب، وإحلال السلام في ربوع اليمن، والعودة للحوار الوطني، وقبول التشارك قولاً وفعلاً في الحياة السياسية، وبناء الكيان الوطني بعيدًا عن التفرد، والاستعلاء، وعصبيات ما قبل الوطنية والدولة، أو دعاوى الحق الإلهي، أو الاختصاص والتمكين. ويعيدًا عن النوايا، فإن للأمر علاقة بما يدور من حوارات في الإقليمي والدولي.