مقالات

الحروب الصليبية ومآسي العرب (2-2)

11/07/2023, 11:42:26

- سؤال التقدّم والتأخّر في رواية الحروب الصليبية

يتناول أمين معلوف، في روايته «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، أسباب انهيار الحضارة العربية، وآثار هذه الحروب، ومدى تأثير الاجتياح المغولي والتتري، وأثر الحروب على أوروبا، واستفادة الغرب من الحضارة العربية.

يرى الباحث السارد أن المجتمع العربي يومذاك كان أكثر تحضرًا وتمدنًا، وكان الأوربيون يستفيدون من الحضارة العربية أكثر مما يفيدون، وكان القضاء العربي أكثر تطورًا.

ويرى في هزيمة المغول والتتار نصرًا مبينًا، وأن الغرب قد سعى باجتياحاته المتلاحقة احتواء المد الإسلامي؛ فجاءت النتيجة معاكسة تمامًا. الدويلات الفرنجية في الشرق لم تقتلع فحسب بعد قرنين من الاستعمار، بل إن المسلمين نهضوا إلى درجة أنهم سوف ينطلقون لغزو أوروبا تحت الراية العثمانية.

يضيف: "ففي عام 1453، وقعت القسطنطينية في قبضتهم، وفي عام 1529 كان فرسانهم من الأتراك يعسكرون تحت أسوار فينا".

يرى أن العالم العربي في عهد الحروب الصليبية من إسبانيا إلى العراق لا يزال فكريًا وماديًا خازن أرقى حضارة على وجه الأرض، ولسوف ينتقل بعدها بعزم وتصميم إلى الغرب. أيكون في ذلك علاقة سبب إلى نتيجة؟ ويتساءل: هل يمكن التأكيد أن الحروب الصليبية قد أطلقت إشارة نهضة أوروبا التدريجية، التي ستتواصل بالتدريج، إلى الهيمنة على العالم، ودقت نفير موت الحضارة العربية؟

ويدرس الباحث إقبال الفرنج على المدرسة العربية في جميع الميادين، سواء في بلاد الشام، أو في إسبانيا، أو في صقلية، وكان من غير الممكن الاستغناء عما تعلموه منها؛ لتوسعهم وانتشارهم فيما بعد انتشار الحضارة الإغريقية ما كان لينتقل إلى أوروبا الغربية إلا عن طريق العرب مترجمين ومكملين؛ ففي الطب والفلك والكيمياء والجغرافيا والرياضيات والعمارة، استقى الفرنج معارفهم من الكتب العربية، التي هضموها وحاكوها وتجاوزوها.

ويستشهد الباحث بالعديد من الكلمات: السمت، التنظير، والجبر، والخوارزمي، والصفر، كما يتناول استخدام الأوربيين في مجال الصناعة ما استخدمه العرب من طرق قبل أن يحسنها الآخرون.

والمأساة - كما يرى معلوف - أن عهد الحروب الصليبية مثلت ثورة حقيقية اقتصادية وثقافية معًا، في حين أفضت في الشرق إلى عصور طويلة من الانحطاط والظلامية؛ فالعالم الإسلامي المطوق من كل صوب انغلق على نفسه، وانعدم فيه التسامح، وغدا عقيمًا، وأصبح يرتعش بردًا لكل نسمة، ويحاول الدفاع عن نفسه، وبتصاعد دورة الكوكب التطورية يزداد الشعور بالهامشية، وبات التقدم هو الطرف الآخر، والحداثة الطرف الآخر.

ويتساءل بحسرة: أفكان عليه تثبيت هويته الثقافية والدينية برفض هذه الحداثة التي يمثلها الغرب؟ أم كان عليه بالعكس من ذلك السير يعزم على درب الحداثة؛ مخاطرًا بفقدان هويته.

ويرى أن إيران وتركيا والعالم العربي لم ينجحوا في إيجاد حل لهذا المأزق، ويربط ظهور رجالات التطرف الشديد بالكراهية للاجئين؛ معجبًا ومرتاعًا من هؤلاء الفرنج الذين عرفهم برابرة، وانتصر عليهم، وإن كانوا قد نجحوا منذاك في الهيمنة على الدنيا؛ فإنه لا يستطيع أن يصمم على اعتبار الحروب الصليبية مجرد فصل من ماضي"، انتهى.

يندهش المرء عندما يكتشف إلى أي مدى ظل موقف العرب والمسلمين متأثرًا بأحداث يفترض أنه انتهى أجلها منذ سبعة قرون.

ويرى أن المسؤولين السياسيين والدينيين في العالم العربي لا يزالون عشية الألف الثالث يستشهدون بصلاح الدين، وسقوط القدس واستعادتها، وتشبه إسرائيل في المفهوم الشعبي - كما في بعض الخطب الرسمية- بدولة صليبية جديدة.

ويرى أن التشبيهات مثيرة، ويرى، ومعه كل الحق، أنه لا يمكن في عالم إسلامي معتدى عليه أبدًا أن تمنع بروز شعور بالاضطهاد يتخذ عند بعضهم شكل وسواس خطر.

الكتاب - الرواية - مبحث مهم في دراسة وتحليل أوضاع أوصلت المنطقة العربية، وإلى حد ما تركيا، وحركة الحشاشين (قلعة ألموت)، ومصادر الكتب الخاصة بالتيار، التي استولى عليها وأحرقها المغول، كما أحرق الفرنجة مكتبة طرابلس، التي تضم مئة ألف مجلد حسب الكتاب.

ويدرس معلوف ليس الصراع ضد الحملة الصليبية، واجتياح المغول والتتار فحسب، وإنما أيضًا الأخوة الأعداء في بلاد الشام، وضعف الخلافة الإسلامية، والصراع الفاطمي أولاً، ثم استيلاء صلاح الدين، وصراع المماليك، والمكائد والمؤامرات التي شهدتها المنطقة العربية.

وميزة هذ السارد الرائع أنه باحث دقيق وموضوعي درس عهود الحروب الصليبية، والاجتياحات المغولية، وحالة المنطقة العربية، والجوار الإسلامي حينها بنزاهة ودأب ومثابرة مدهشة، كما أن قراءته للنهوض الأوروبي، والانحطاط العربي، والرفض الميت والمميت للتعلم والاستفادة من التطور والحداثة والتقدم الأوروبي، الذين تعلموا جوانب مهمة من الحضارة العربية والإسلامية، هو كعب أخيل في حالتنا البائسة في الألفية الثالثة.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.