مقالات
الحوثي.. سيد المخدرات
برزت تجارةُ المخدرات كأداةٍ حوثيةٍ موازية، ذاتِ مردودٍ مزدوج: تمويلِ حربها العسكريةِ على البلد، وضربِ مجتمعِنا من داخله.
خلال النصف الأول من عام 2022، تكشّفت شبكةُ تهريبٍ إيرانيةٌ حوثيةٌ، تجاوزت قيمةُ الشحناتِ المضبوطةِ منها 400 مليون دولار، وهو رقمٌ لا يمثلُ جريمةً منظمةً فقط، بقدرِ ما يعكسُ نطاقَ اقتصادِ حربٍ يتجاوزُ العصابةَ الحوثيةَ إلى منطقِ دولةٍ موازيةٍ تُدارُ بعقيدةٍ عنصريةٍ، وسوقٍ سوداء، وتجارةِ مواردٍ إجرامية.
يتوسّعُ تهديدُ عصابةِ الحوثي ليأخذَ طابعًا مركّبًا يتجاوزُ السلاحَ والمواجهةَ العسكريةَ، ليشملَ بناءَ نظامٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ قائمٍ على الإذعانِ والمخدرات، من الإنتاجِ والتهريبِ، إلى التوزيعِ والتجنيد.
المعطياتُ الرسميةُ تشيرُ إلى أن الحوثيين يديرون، عبر شبكاتٍ محليةٍ ودوليةٍ، تجارةً ضخمةً تشملُ الحشيشَ والهيروينَ وحبوبَ الشبو والكبتاغون، ضمن امتدادٍ إقليميٍّ تشاركُ فيه إيرانُ وحزبُ الله، وسابقًا نظامُ الأسد.
التحولُ يعكسُ بوضوحٍ ما يمكنُ تسميتُه بعسكرةٍ قسريةٍ للمنطقةِ الواقعةِ تحت احتلالِ الحوثيين، عبرَ الاقتصادِ المدمّر، ويُستخدمُ المخدّرُ كوسيلةٍ لإعادةِ تشكيلِ فئاتٍ شابةٍ في مساحةِ الفراغِ الكبيرِ والعطالةِ الواسعةِ الناتجةِ عن حربِ الإمامةِ، وضمانِ ولاءِ مجنّدين فاقدين للتوازنِ النفسيِّ والسياسي.
فورَ اجتياحِ العاصمةِ صنعاء، واستيلائِها على مؤسساتِ الدولة، أطلقت عصابةُ الحوثي عددًا من تجّارِ المخدرات، ووفّرت لهم الحمايةَ والدعمَ، مقابلَ دمجِ أنشطتِهم ضمنَ العملياتِ التي تديرُها الجماعةُ منذ أكثر من عقد.
كانت ترى فيهم منافسين لأنشطتها قبل أن تستولي على الدولة. رأت التهديدَ في منافستهم لها، وليس في تجارتهم للمخدراتِ ذاتها. كان هؤلاءِ التجّارُ والمهربون زملاءَ للعديدِ من قادةِ الجماعةِ في صعدة.
حرّرتهم من السجن لا ليعملوا معها كشركاءَ وزملاءَ في تجارةٍ وتهريبٍ للمخدرات، وإنما كأدواتٍ لها.
شبكةُ التهريبِ الحوثيةُ تتمُّ ضمن خططٍ تشملُ منافذَ بريةً وطرقًا بحريةً، وتتوزّعُ المهامُ على متعهّدين وخلايا محليةٍ متصلةٍ بالمركزِ الأمنيِّ الحوثي.
هذه المعلوماتُ لم تَعُد جزءًا من الشكوك، فعددُ الشحناتِ المضبوطةِ دوليًّا، وحجمُ المخدرات، وأنواعُها، والأساليبُ المتبعة، تؤكدُ وجودَ منظومةِ تهريبٍ محترفةٍ ومدارةٍ مركزيًّا.
شهد اليمنُ تحوّلًا لافتًا في طبيعةِ تجارةِ المخدرات، التي كانت لفترةٍ طويلةٍ محصورةً ونادرةً، إلى ظاهرةٍ متّسعةٍ ومهددةٍ بأبعادِها الأمنيةِ والاجتماعيةِ والاقتصادية، نتيجةً لاستيلاءِ العصابةِ الحوثيةِ على مؤسساتِ الدولةِ واجتياحِ صنعاء.
هذا الاجتياحُ لم يكنْ مجردَ استيلاءٍ على السلطةِ السياسية، بل انزلاقًا إلى بناءِ شبكةٍ متكاملةٍ من التهريبِ والجريمةِ المنظمةِ، أخذت شكلَ الدولةِ الموازي التي تديرُ اقتصادَ المخدراتِ وتوظّفه في تمويلِ مشروعِها الإقليمي.
إمبراطوريةُ المخدراتِ الحوثية، التي يقودها عبدُالملك الحوثي، ليستْ مجردَ شبكةِ تهريبٍ محلية، نحنُ أمامَ نظامٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ تمتدُّ جذورُه إلى أذرعِ الحرسِ الثوريِّ الإيراني، الذي صنّفته العديدُ من الجهاتِ كأخطرِ شبكةِ مخدراتٍ في الشرقِ الأوسط.
تؤكدُ مزيدٌ من المعطياتِ أن امتداداتِ الشبكةِ الحوثيةِ في تجارةٍ وتهريبِ المخدرات، لا تقتصرُ على الحدودِ اليمنية، بل تصلُ إلى حزبِ الله اللبناني، ونظامِ بشار الأسد، وقادةِ الحرسِ الثوريِّ الإيراني، وتشملُ أيضًا روابطَ مع كارتيلاتِ مخدراتٍ دوليةٍ في المكسيك وكمبوديا، فضلًا عن دولِ أمريكا اللاتينية الأخرى.
تستندُ هذه الصورةُ إلى معلوماتٍ استخباراتيةٍ لدولٍ خليجيةٍ كشفت عن أساليبَ جديدةٍ تعتمدها إيرانُ في تهريبِ الأسلحةِ والمخدراتِ إلى الحوثيين، من خلالِ تعاونِها مع تجّارِ مخدراتٍ في كولومبيا.
هذا التعاونُ يتجاوزُ التقاليدَ الإقليمية، ويعكسُ شبكةً عالميةً متشابكةً من المصالحِ التي تربطُ بين منظماتٍ إجراميةٍ وجماعاتٍ مسلحةٍ وعصاباتِ تهريبٍ دولية، في تحالفٍ غامضٍ وفعّالٍ يدمجُ بين السياسةِ والجريمةِ المنظمة.
لم تَعُدْ صعدةُ وصنعاءُ مجردَ نقاطِ عبور، وإنما مراكزُ تخزينٍ وتوزيعٍ، وفي بعضِ الحالاتِ، مواقعُ إنتاج. الجماعةُ تستندُ إلى مرافئَ بحرية، وتمتدُّ خطوطُها إلى الشواطئِ الغربيةِ والحدودِ البريةِ المفتوحة.