مقالات

الزمن اليمني الجميل .. ما هو؟

11/08/2025, 08:56:36

سوى الذكريات.. ذكريات الزمن، ذلك القريب منه والبعيد، الجميل فيه وغير الجميل، لم يعد ثمة ما تهتم به غالبية اليمنيين في حاضرها، هروباً مؤقتاً من واقعها المحاصر باليأس والإحباط، أو التفكير في مستقبلها الغامض المجهول.

ذلك ما توحي به على الأقل أحاديث الكثير من اليمنيين الذين تلتقيهم في بلدان الشتات، أو منشورات العديد منهم داخل البلاد، كأن لم يعد لهم من الحياة سوى استعادة ما كان في حياتهم يوماً شكلاً ولو متواضعاً، من الـ (دولة) أو ما كان بشبهها، لهم في ظلها كيانٌ وجمهوريةٌ وعلَمٌ ونشيدٌ ومدارس وجامعات يذهب إليها أبناؤهم، ومستقبل يتوق هؤلاء إلى ارتياده بالنافع من العلوم والمعارف والشهادات (المتعوب) على حيازتها بالتحصيل العلمي الجاد، بالجد والكد وسهر الليالي الطوال.

صحيحٌ أن النبش في الذاكرة، وترسيخ وتوريث كل جميل اختزنته عن الماضي سبيلٌ إلى الاحتفاظ بمعنى الذات وثوابت الهوية، لكن الصحيح أكثر هو أن الأوطان لا تستعاد بمجرد الحنين إلى ماضيها، والدول لا يمكن أن تعاد إلى الواقع دون يدٍ تمسك بغصن السلام وأخرى بزناد البندقية.

أحزنتني في هذا السياق كلماتٌ قليلةٌ لا نجد أبلغ منها في تشخيصٍ الوضع الراهن في اليمن كتبها النائب المستقيل العام 2005 احتجاجاً على قضايا فسادٍ في ذلك الوقت، حيث كتب السفير اليمني الأسبق لدى لبنان، فيصل بن أمين أبوراس قائلاً "حال اليمن (اليوم 2025) من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، فوضى بلا رؤية، وصراعْ بلا عقل، وتنازعٌ بلا مشروعِ وطنيٍ جامع، إنها أزمةٌ مركبة لا تُحلّ بالشائعات ولا تُدار بالمغالطات" على الذات.

وفي المقابل، أعجبني قبل ذلك رأيٌ شجاعٌ للأخ علي ناصر محمد، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا، مؤَّداه أنَّه يؤيد مشاركة الحوثيين في الحكم لكنه "يرفض أن يكونوا حكاماً لصنعاء" كما يؤيد مشاركة المجلس الانتقالي في حكم اليمن "لا أن ينفرد بحكم الجنوب" كما قال.

‏أكثر من عقد من الزمن أضاعه اليمنيون من تاريخهم، وخصماً من حياتهم وديناً مؤجّل السداد على أجيالهم، وهم - أي الإخوة الأعداء - في حربٍ لم يعد معظمهم يدري إن كانت لا تزال لهم أو عليهم، وصراعٍ بات مع غير الأعداء، ولكن في ما بين أبناء اليمن التواقين إلى عودة الدولة، وذلك بأكثر مما لم يظل نزاعاً مع جماعةٍ مسلحةٍ إيرانية الهوى والولاء لا تريد فقط الاستحواذ على السلطة والثروة بل تريد اجتثاث (الجمهورية) من العقول والقلوب والضمائر والوجدان، وهذا هو المستحيل.

لذلك أقول، إن مجرد التغني بـ (أمجاد) الزمن الذي كان جميلاً واسترجاع الأغاني والصور والذكريات ليس عيباً، لكن الإفراط فيه يجعلنا نعيش في الماضي، ونعيد إنتاجه بما كان له وعليه وفيه من صراعاتٍ واختلافات وسجالات عقيمة في الدين والفلسفة والفكر، ولا نعيش الحاضر بما هو قائم عليه من علومٍ وتكنولوجيا واقتصاد ، ولا أن نجعل أجيالنا الصاعدة تستعد للحياة في المستقبل، ومواجهة ما يهدد وجودنا فيها من سباقات علمية مالم تكن لدينا القدرة، ليس فقط على التكيف معها وملاحقتها، بل على المنافسة والمبادرة وأن نكون في صفوفه السباقة والمتقدمة إن لم نكن في الصدارة منها.

جيدٌ أن يكون لدينا شعراء مبدعون وأدباء كبار وحقوقيون ناجحون وآخرون في كل المجالات والعلوم الإنسانية، ولكن يجب أن يكون لنا في المقابل أطباء ومهندسون وعلماء في مختلف ميادين العلوم التطبيقية، فذلك إذاً سوف يكون هو الزمن الجميل، حيث نكون قد رفعنا رؤوس آبائنا، وكنَّا نحن من دونهم مَن يجب أن نكون، ووضعنا أقدام أبنائنا وأحفادنا في بداية الطريق الصحيح لحركة التغيير والحياة والتاريخ.

مقالات

حضرموت .. أزمة واحدة وسرديتان

هذا نصٌّ تحذيريٌّ يحاول قراءة مسارٍ يتشكّل أمام أعيننا لا مجرّد سرد أخبارٍ متفرّقة. خلال الأيام الأخيرة تمدّد الغضب المعيشي في حضرموت من انقطاعات الكهرباء والوقود إلى ساحاتٍ أوسع، فيما تصاعد الجدل حول معنى “النظام والقانون” وحدود القوة. في الوادي، خصوصًا تريم وسيئون، بدأت الحكاية من مطالب خدميةٍ واضحة ثم انزلقت إلى احتكاكاتٍ وتفريقٍ بالقوة وتوقيفات. ظهرت تعبيراتٌ قبليةٌ رمزيةٌ تؤشّر إلى أن المجتمع يرفع سقف حمايته الذاتية حين يشعر بأن القنوات المؤسسية لا تُنصفه. هذا لا يحوّل الاحتجاج إلى فعلٍ قبليٍّ خالص، لكنه يذكّر بأن الفراغ السياسي يُملأ سريعًا بأطرٍ اجتماعيةٍ تقليدية عندما تغيب الاستجابة الجادّة.

مقالات

الوصفة السحرية لصناعة القطعان

منذ زمن طويل، يحاول علماء النفس وفلاسفة السلوك فهم العلاقة بين الذاكرة والذكاء؛ فكلاهما من أعمدة الشخصية الإنسانية، لكن تفاعلهما قد ينتج صورًا متباينة جذريًا من البشر. وإذا أردنا تبسيط هذه العلاقة، يمكننا النظر إليها عبر ثلاثة أنماط رئيسية:

مقالات

المعنى آخر أسلحتك للبقاء

ليست المتاعب ولا الصدمات، لا الفشل ولا كل ضروب القسوة، هي ما قد تدفعك إلى الانتحار، مهما كان ما تواجهه من حياة موحشة؛ بمقدورك مجابهتها، حتى لو كنت وحيدًا جدًا وتعيش في صحراء خالية من البشر،

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.