مقالات
الشراكة على المحك.. الانتقالي من شريك ملزَم إلى مشكلة شرعية
يُظهر التصعيد الأحادي الذي أقدم عليه المجلس الانتقالي الجنوبي – بيانات تعبوية وتعيينات خارج إطار مجلس القيادة – تحوّلًا من منطق الشراكة المشروطة إلى سياسات الأمر الواقع.
هذه الخطوة لا تُقرأ تكتيكًا تفاوضيًا فحسب، بل نسفًا لبنية التوافق التي أنتجها اتفاق الرياض، ومخالفة لإعلان نقل السلطة، وإضعافًا متعمدًا لمرجعية “الشرعية” بوصفها الإطار الوحيد الذي يملك اعترافًا دوليًا وغطاءً إقليميًا لإدارة المرحلة.
وبذلك، يستهدف التصعيد ركيزتين في آن: الشرعية التي تملك اعترافًا ودعمًا، والتحالف الذي هندس الشراكة بالصيغة الموجودة اليوم.
اختار الانتقالي تعزيز النفوذ المؤسسي عبر قرارات أحادية ورسائل تعبئة شعبية، مستندًا إلى حجة “تعثّر تنفيذ اتفاق الرياض” و”تأجيل الملف الجنوبي”.
غير أن هذا التموضع يخلق معادلة خاسرة: إما توكيل كامل يفضي إلى احتكار التمثيل، أو تفكك لمسار الشراكة.
والنتيجة المباشرة هي إحراج الداعمين الإقليميين، وفتح ثغرة لسردية خصوم الشرعية – وفي مقدمتهم الحوثيون – عن تفكك معسكر الدولة وتهافت مظلتها.
من زاوية المشروعية، تبدو القرارات باطلة من حيث الأساس الدستوري، فالدستور اليمني وأي تفويض قانوني نافذ لا يمنح المجلس الانتقالي صفة “ممثل لمحافظات الجنوب والشرق”، ولا يعطيه حتى صلاحية الإسناد الوظيفي في أجهزة الدولة.
التمثيل الشعبي يُكتسب عبر صناديق الاقتراع أو تفويض دستوري واضح، لا عبر الغلبة الأمنية. وعليه، فالقفز فوق مرجعية القانون يرقى إلى التفاف على الإرادة العامة في اليمن، والجنوب بشكل خاص، بالتالي نحن أمام إعادة إنتاج لمنطق الانقلاب الذي يُفترض أن الدولة والتحالف يناهضانه.
لماذا إذن اتُّخذ هذا الخيار الآن؟ حسابات اللحظة تقترح ثلاثة دوافع متداخلة: إما رغبة في تحصين أوراق التفاوض قبل أي اختراق محتمل في مسار السلام مع الحوثي قد يُهمّش تعريف القضية الجنوبية؛ أو سعيٌ إلى تثبيت تمكين داخلي يسبق أي دمج أمني أو إصلاح مؤسسي قد يقصّ الأجنحة؛ أو استثمارٌ رمزي تعبوي لـ(مواسم أكتوبر/نوفمبر) يمنح غطاءً جماهيريًا للتحوّل من شريك إلى صاحب قرار.
لكن هذه الدوافع – وإن بدت مفهومة سياسيًا – تخطئ تقدير الكلفة الاستراتيجية؛ وتدفع بالمجلس الانتقالي إلى مقامرة في لحظة حرجة وسياق إقليمي معقّد، بما يستوجب تحجيمه إقليميًا لا مكافأته، وتحويل وضعه من شريك في الشرعية إلى ملفٍّ قانوني–سياسي يتطلّب معالجة.
إن اختبار قدرة الحكومة على الرد في جغرافيا يهيمن الانتقالي على أمنها لا يعني قبولًا بالأمر الواقع؛ بل يراكم فاتورة ثقة على صاحب التصعيد، ترددٌ إقليمي، تزايد التحفّظ الدولي، وتآكل قدرة الحلفاء على تسويق القضية الجنوبية بوصفها جزءًا من حلّ دستوري لا قطيعة معه.
المخرج السياسي يكمن في إعادة الشراكة إلى عقد واضح: التزاماتٌ محددة زمنيًا وقابلة للقياس في الخدمات والتمثيل والإدارة، تحت سقف اتفاق الرياض وآلياته الضامنة.
عندها فقط يتحول الضغط المشروع إلى رافعة إصلاح داخل الشرعية، لا إلى معولٍ يهدم مظلتها ويُهدي الحوثي مكسبًا مجانيًا في لحظة إقليمية دقيقة.
الخلاصة: ما يبدو مكسبًا سريعًا قد يكون فخًا استراتيجيًا بعائد عكسي — محليًا وإقليميًا. الحصافة السياسية تقتضي العودة إلى المرجعيات الحاكمة للبلد، وترسيم الخلاف في أروقة الشراكة لا على هوامشها، وتثبيت الحقوق بآليات محاسبة لا بقرارات أحادية.
القضية الجنوبية لا تُعالج بهدم السقف الذي يظلّلها. أصلح الشرعية ومنظومتها، وكافح الفساد، وإلا فأنت تمنح الحوثي ما لم يأخذه بالحرب: شرعية مثقوبة وخصمًا ممزقًا.