مقالات

المقاومة الفلسطينية والاحتجاجات الإسرائيلية

03/07/2023, 19:12:11

لم تهمد المقاومة الفلسطينية منذ توافد اليهود من مناطق مختلفة من أوروبا وبعض البلدان العربية. تشكلت كتائب عز الدين القسام ٣٦ - ١٩٣٩، وقادت المقاومة، واتخذت صوراً وأشكالاً مختلفة،
ومرت بمنعطفات شديدة الخطورة في نكبة ٤٨ - وهزيمة ٦٧، ومن ثم اتفاقات كامب ديفيد ١٩٧٨، واتفاقيات أوسلو ومدريد ١٩٩٣، وهي الاتفاقيات التي فرضت على مصر التخلي عن القضية الفلسطينية، وعلى منظمة التحرير التخلي عن المقاومة، والتسليم بالوجود الإسرائيلي في الضفة والقطاع (الأرض المحتلة في ٥ حزيران ١٩٦٧).


طرحت القيادات الإسرائيلية، منذ التأسيس، "الاستيطان " في كل الأرض الفلسطينية، وبالأخص في يهودا والسّامرة (أرض التوراة) الضفة الغربية.
حتى لا نشتري الوهم، هناك تصاعد المقاومة في الضفة والقطاع، وتصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل، فما العلاقة بينهما؟
المقاومة سردية الشّعب الفلسطيني، منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضي. وقد ارتكبت مجازر وثلاث حروب كبرى لإخماد المقاومة الفلسطينية دون جدوى.


اليمين الإسرائيلي، والتيارات الدينية كانت في قلب الدولة الإسرائيلية، لكن اليسار الصّهيوني كان الواجهة، والمؤسس الفعلي للدولة.


لم يكن اليمين غائباً، وإن اتخذ شكل المعارضة. أما التيارات الدينية المتعددة: الحريديم، الحسيدية، الحريدية، وساطمر الحسيدية، إضافة إلى حركة نطوري كارتا "حراس المدينة"، والأخيرة ضد قيام الدولة القائمة؛ لأن للدولة ارتباطا بعودة السيد المسيح: فكلها حاضرة في قلب الدولة، وأساطيرها أساس بناء دولة رب إسرائيل، وهو رب خاص "وربما أب لليهود وحدهم، والعالم كله أغيار، وحتى علمها شال الصلاة، وشعارات الدولة، وأيديولوجيتها "فرغم علمانيتها" دينية، ومع ذلك فإن للاتجاهات والأحزاب والطوائف الدينية مطالبها الخاصة.


الانتفاضتان الفلسطينيتان الأولى ١٩٨٦ - والثانية 2000 هددتا الكيان الصهيوني، وأنذرتاه بالخطر.
استمرار المقاومة الفلسطينية، وتحديات الشباب الفلسطيني هي دافع أساس لتزايد نفوذ اليمين المتطرف، والديني. بوجه خاص، والاحتجاجات الكاثرة، منذ مطلع العام، هي التعبير العميق عن الأزمة داخل المجتمع الإسرائيلي، فاليسار الصهيوني يرى أن اليمين المتطرف يزحف على كل مواقعه، وما تبقى من إرث "القضاء"، ويرى أيضاً أن اليمين الديني يفضح أسطورة الديمقراطية، التي سوقها اليسار الصهيوني منذ النشأة. و جزء من تعاطف المجتمعات الأوروبية هو أن إسرائيل واحة الديمقراطية والتحضُّر والتعدد في غابة الدكتاتوريات العربية، والتوحش.


اليمين الإسرائيلي مؤشر على عمق أزمة الهوية داخل المجتمع الإسرائيلي.
ترى الباحثة نادية سعد الدين أن الصهيونية وجدت قلة في صفوف اليهود شكلوا ما يسمى مجتمع "اليشوف القديم"؛ أي الاستيطان الأول في فلسطين قبل بدء الهجرات الصهيونية المنظمة، مرتعاً خصباً لمقولاتها، التي أطرتها بالمشروعية الدينية التاريخية ليسهل تغلغها في صفوفهم.


الاحتلال الاستيطاني والدولة قائمة من ألفها إلى يائها على أساطير قرأها بدقة وتتبع غارودي في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية". وهناك الخلاف في من هو اليهودي؟ هل هو الدين؟ أو النسبة إلى الأم "العرق".


ويرى اليمين الديني أن العقيدة هي الوطن مجرداً كما يتلاقى الانتماء العرقي مع تحويل العروبة إلى العرق بدلاً من اللغة والثقافة. صحيح أن الفكر الصهيوني سواء العلماني والديني فكر عنصري منذ النشأة، بينما هو في الفكر القومي العربي انحراف في التفكير الذي أسس له، ودعا إليه قسطنطين زريق وساطع الحصري وآخرون.


يلاحظ التّرابط بين اشتداد المقاومة في الضفة الغربية، و صعود اليمين الصهيوني نحو ما يطلق عليه "تسريع الاستيطان" وهوس اليمين في إطاحة القضاء،
وسن تشريعات تلبِّي الجموح الصهيوني نحو الابتلاع الكلي للضفة، وفرض الاستيطان حتى على مناطق ألف وباء التابعة للسلطة الفلسطينية.


القلق الإسرائيلي المتزايد من تصاعد المقاومة تعبِّر عنه الاحتجاجات الواسعة، التي تضم أعدادا من مختلف التركيبة المجتمعية، ويشارك فيها طلاب المدارس العسكرية، وجنود وقيادات من ضباط المدفعية وضباط المخابرات العامة، والموساد، ويشارك فيها أيضاً ضباط من القيادات الجوية، معلنيين أنهم لن يؤدوا واجباتهم العسكرية!!
ومعروف أن هذه القوى هي الموكل إليها الاجتياحات المتكررة ضد اللاجئين من أرضهم ومنازلهم إلى المخيمات داخل مدنهم وقراهم.


يهرب نتنياهو من المساءلة القضائية وربما حسد أصدقاءه الحكام العرب الأقدر على تسعير حروب الإبادة في بلدانهم، ونهب الثروات دون أن يجرؤ أحد على مساءلتهم، وتهرب الطبقة الحاكمة وجيشها وأمنها المتعدد من العجز عن القضاء على مقاومة شعب أعزل يواجههم غالباً بالتحدي وبالحجارة، وحديثاً بالعبوات، ومقاومته مستمره منذ ما يقرب من قرن.


لا أدري ما هو الفرق بين دعاة الحق الإلهي، والتمكين، وبين أصحاب الوعد الإلهي: الذين وهبهم الرب أبوهم أرض كنعان؟ وما هو الفرق أيضاً ما بين حصر النبوة في أبناء إسحاق وحصر الإمامة بين قريش والآل.

بمعنى السلالة، كرؤية نشوان الحميري. الهرولة نحو التطبيع، وتسعير القمع ضد المقاومة الفلسطينية، وتصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل، والمواجهة والاعتقالات تعني أن الديمقراطية الإسرائيلية أخت توأم لاستبداد الحكم العربي، وأنه ليستحيل الجمع بين العنصرية والديمقراطية، كصعوبة الجمع، بل استحالة الجمع، بين دعاوى الحق الإلهي أو التمكين، والديمقراطية، كما يصعب الجمع بين الاستبداد والحرية. شيئاً فشيئاً يتماهى نظام الحكم العنصري، والاحتلال الاستيطاني مع نظام الحكم العربي، ويكون الاختلاف حتى الآن أن قمع الاستبداد العربي موجّه ضد شعوب الأمة العربية، فالحاكم العربي ليس متاحاً أمامه، ولا مسموحاً له، أو لا يستطيع إلا قمع شعبه بينما قمع الدولة الإسرائيلية موجّه بالاساس ضد الشعب الفلسطيني، وبمستوى معين ضد شعوب الأمة العربية، و ربما يكون الحكام العرب هم الأكثر احتياجاً إلى إسرائيل من احتياج إسرائيل إليهم؛ خصوصاً بعد تراجع الوجود الأمريكي الحامي في المنطقة.


اشتداد المقاومة الفلسطينية واتساع نطاقها يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات الإسرائيلية، كما أن هذه الاحتجاجات تأتي لحماية حرياتهم المهددة من اليمين المتطرف: ابن غفير، وزير الأمن القومي، وسموتريتش، فاليمين المعتدل والمتطرف واليسار الصهيوني متفقون على مد الاستيطان إلى الضفة الغربية، ويختلفون فقط على طريقة وزمن الاستيطان والتهويد. فاليمين يريد التسريع وربما إحراق الأحياء والمخيمات والقرى، والعودة للتهجير، وبدون أي حساب للمقاومة الفلسطينية المستمرة لما يقرب من قرن من الزمان، والوضع العربي قريب العهد بالربيع العربي، وخطر ذلك على المطبعين، ولا يحسبون حساباً للرأي العام الدولي، وحاجة حلفائهم الأمريكان والأوروبيين المحتاجين إلى التهدئة للانتهاء من حرب أوكرانيا. أما اليسار أبو الاستيطان والتهويد فهو يقونن الخطوات، و يدرس الإجراءات ويراعي الاعتبارات المشار إليها، ويسير في الاستيطان بخطوات متأنية. كفلسطينيين وكعرب لا يمكن التعويل كثيراً على صراع اليمين واليسار الصهيوني، فهدفهما وغايتهما واحدة.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.