مقالات
اليمن المنكوبة المنهوبة
عود على بدء "اليمن المنكوبة المنهوبة" إرث وبيل ورثته اليمن عبر تاريخ دامِ وآثم، كتسمية الأحرار اليمانيين.
الحقيقة أن اليمن -كل اليمن- منكوبة منهوبة، وكل جهة أو منطقة أو مدينة أو قرية في اليمن تعتقد أنها الأكثر مظلومية وحرمانا، فالبلاء يعم والخير يخص.
الفقر حد المجاعة فاشٍ في اليمن كلها، والراعب أن المناطق الأكثر غنى هي الأكثر فقرا ومجاعة. مناطق الثروة البترولية محرومة من الكهرباء، ومن مياه الشرب النقية.
الجهل والحرمان من الخدمات والمستشفيات والمدارس الحديثة يعم اليمن كلها، وبالأخص في الشمال، وشمال الشمال، التي حرصت الإمامة على إبقائها في غياهب الجهل وعُزلها عن المدينة كتهديد دائم لأي تطور أو تحديث أو ازدهار في المدن.
كانت الإمامة تعتبر ازدهار التجارة والاستقرار وازدهار الحياة في صنعاء فساداَ، ومروقا، وهو ما تجلى في الحرب ضد الجمهورية.
بعد سقوط الإمامة، أصبح كبار مشايخ الضمان - الركيزة الأساس للإمامة- حائلا بين الدولة والقبيلة، فهم واسطة العقد بين الدولة والقبيلة يهددون الدولة بالقبيلة، ويحرمون القبيلة من الخدمات العامة، والتمدن، والتحضر، أو الحصول على التطبيب والتعليم؛ لإبقائهم مجرد مليشيات مقاتلة؛ وعندما أراد الشهيد إبراهيم الحمدي مد الطريق، وإقامة التعاونيات، وإيصال الماء والكهرباء وإقامة المدراس والمستوصفات في مناطقهم، كان جزاءه الاغتيال.
طبَّق مشايخ الضمان ما أرادته الإمامة، وأسوأ من ذلك. الاستنجاد واستخدام القبيلة والريف ضد شباب المدن، وتيار التمدن والتحديث عام ومشترك في الشمال والجنوب.
ضرب المقاومة الشعبية والاتحاد العام للنقابات العمالية في الحديدة عام 1968 وأحداث أغسطس 1968 في صنعاء؛ وانقلاب مارس في عدن 1968 وصولا إلى ١٣ يناير في عدن 1968 كانت استنجادا بالقبيلة والمجتمع الأهلي ضد التمدن والمدينة، وزعماء القبائل يقفون وراء حروب 1972 وحرب 1979 بين الشمال والجنوب.
تشارك المجتمع الأهلي في صنعاء وتعز وعدن في الثورة الشبابية ضد نظام صالح، وإلى جانب الربيع العربي؛ ولكن اليد ظلت على الزناد في الانقلاب على ثورة الربيع العربي، وضد ساحات الشباب في صنعاء وتعز وعدن؛ وإزاحة الانتقالي السلمي واستبعاد عبدربه منصور -رئيس الجمهورية- ممثلي الجنوب المختارين من لجنة الحوار.
المجتمع الأهلي الآن يحكم اليمن شمالا وجنوبا عبر الغلبة والقوة. وكل ما عمله ويعمله المجتمع الأهلي هو تفكيك اليمن، وتمزيق النسيج المجتمعي، والعودة باليمن إلى ما قبل عصر الوطنية والدولة.
كارثة الأمطار والسيول في تهامة تفضح طبيعة الحكم وتكشف المستور؛ فأهم وديان اليمن وأكبرها وادي "رَمَاع"، وادي زبيد، وادي "المحط"، سهام، سُردد، مور، هذه الوديان هي التي تزود اليمن بالحنطة، ومختلف أنواع الحبوب والبقوليات والفاكهة، واللحوم، وخيرات الأرض.
عمت الكارثة الطبيعية جل وديان ومدن وقرى تهامة؛ فما موقف سلطة صنعاء؟ فهي حتى لو أرادت لا تقدر على معالجة كارثة بهذا المستوى، والكارثة مسؤوليتها مشتركة بين السلطة والمجتمع حسب الدستور اليمني المادة 33، وحقيقة الأمر فإن كل سلطات الأمر الواقع ومليشياتها الموزعة على الخارطة اليمنية، وكل المجتمع اليمني المفكك والمقهور والمنهوب، لا يستطيع وحده المعالجة أو حتى تضميد الجراح لما يقرب من ستة ملايين.
فالكارثة في تهامة نتيجة؛ فعلها يشبه ما يفعله الصهاينة في غزة؛ فقد جرفت التربة الزارعية، وقذفت إلى البحر بالقرى والبشر والمواشي والمحاصيل الزراعية، وتركت العديد من قرى تهامة [قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ] الٱية.
كارثة بهذا الحجم لا تستطيع اليمن كل اليمن دولة ومجتمعا على معالجتها، ولا بُد من دعم ومساعدة إنسانية دولية، ولكن المأساة أن العاملين في هذه المنظمات الدولية معتقلون، ومتهمون بالعمالة والتجسس والخيانة العظمى، بينما هم مجرد عاملين في هذه المنظمات الاممية، فكيف يمكن طلب العون من جهة تعتقل موظفيها اليمنيين.
السلطة في صنعاء تحرم على بعض المؤسسات المدنية، حتى التابعة لها، من التعاون معها في تحصيل المساعدات؛ فهي حريصة على تملك واحتكار تحصيل المعونات، وتعزل شريكها (ممثلي المجتمع) حسب نص الدستور المادة المشار إليها.
لا تستطيع كل سلطات الأمر الواقع في اليمن أن تضمد جراح ستة ملايين، عداكم أن تعيد إليهم بعض ما فقدوه، وهي باعتقالها موظفي المنظمات الأممية، وموظفي الأمم المتحدة، واتهامهم بالتجسس لا تتيح للمنطقة والمواطنين المنكوبين الحصول على المساعدة (فهي لا ترحم ولا تخلي رحمة الله تنزل).
يتحجج كل من أنصار الله الحوثيين والشرعية في عدم حل قضايا معيشة المواطنين وصرف المرتبات بانهما في حالة حرب أو مواجهة؛ والحقيقة أن حربهما والمواجهة ضد بعضهما هي بالأساس ضد الشعب بأكثر مما هي ضد بعضهما.
التصدي للسفن المتجهة إلى إسرائيل والسفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية من قبل بعض أنصار الله الحوثيين موقف قومي وإسلامي وإنساني شأن توجيه المسيّرات والصواريخ إلى إسرائيل؛ ولكن الواجب القومي لا يلغي الواجب الأول في مساعدة النفس، بل إن إجراءاتكم وطبيعة إدارتكم والتنكيل بالمجتمع المدني وقمع الحريات، وغياب الإنصاف والعدل، كلها تضعف ثقة المواطنين بكم، وتقلل من مصداقية وأهمية الموقف القومي، ولا ينبغي خلق تناقض عدائي بين الوطني والقومي.