مقالات
اليمن في عين العاصفة
عشر سنوات من الحرب في اليمن وعليها. وهي حرب متعددة الأطراف متنوعة وكاثرة. في الجانب الأساس حرب أهلية بين القوى الحاكمة: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، وهما الحليفان في الحكم منذ إعلان ميلاد التجمع اليمني في العام 1990؛ لمواجهة الطرف الثاني في الحكم (الحزب الاشتراكي اليمني).
خاض الحليفان حربين ضروسين ضد الحزب الاشتراكي الشريك في وحدة الـ 22 من مايو 1990، واتخذت الحرب البُعدَ الجهوي: شمال- جنوب. فالمؤتمر والإصلاح إضافةً إلى الخلافات السياسية والأيديولوجية مع الاشتراكي ينظران إلى الجنوب كملحق بالشمال، وأنَّ الشمال هو الأصل، والجنوب هو الفرع، وهو ما ردده كثيرًا الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- شيخ مشايخ حاشد، وزعيم التجمع اليمني للإصلاح.
الصراع الجهوي في اليمن قَوِيٌ ومتوارث غذَّاه أوقوَّاه الوجود التركي في الشمال، والاستعمار البريطاني في الجنوب خلال عقود، وورثته المتوكلية اليمنية في 1918، وأحزاب المعارضة الوطنية الأم: «رابطة أبناء الجنوب 1950»، و«حزب الأحرار في الشمال 1944».
شهدت اليمن عِدَّةَ حروب بينية، ومع الجوار السعودي أيضًا، وخصوصا منذ الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 في الشمال، وثورة الـ 14 ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب 1963. حرب 1994 كانت الأساس للحروب المتواصلة حتى اليوم. فثورة الربيع في اليمن 11 نوفمبر كانت التعبير عن الإرادة الشعبية للخلاص من الطغيان والفساد ورموز الفتن والحروب وحُكْم الغلبة والقوة. انضمام علي محسن وأولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وأحزاب اللقاء المشترك- حوَّلَ المسار من ثورة شعبية سلمية إلى عودة المواجهات المسلحة بين أطراف حكم الغلبة والقوة، وساندت دول الخليج عبر مبادرتها الخليجية، ومنح الحصانة لطرفي الحكم: قادة المؤتمر، وعلي محسن (الثورة المضادة).
الطابع السلمي والشبابي، ومشاركة المرأة كانت جوهر الربيع في اليمن، ولفتت أنظار العالم، وكانت محل اهتمام وتقدير. انشقاق الحكم، وانضمام أطراف الصراع المسلح غيَّبَ سِلميَّة الربيع، وانحرف بها إلى الصراع المسلح؛ لإعادة الاقتسام، وضرب ثورة الربيع بدعم سعودي وخليجي. تحالفَ علي عبد الله مع أنصار الله، وتَمَّ اجتياح عمران، وصنعاء، وإعلان انقلاب 21 سبتمبر 2014 بدعم إيراني؛ ما أدى إلى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، والإمارات، والأمريكان، وفرنسا، والبريطانيين- ممثلي الرباعية الدولية؛ فكانت حرب العشر سنوات.
دَمَّرت الحرب الأهلية والعدوانية مكاسبَ وإنجازاتِ الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، وعادت باليمن إلى مكوناته الأولى إلى ما قبل الوطنية والدولة. دَمَّرتْ الحرب الأهلية البُنيةَ التحتية، وتمزقت اليمن إلى كيانات متحاربة، وعمَّ الفقر، وانتشرت المجاعة، وتسيدت السلالية والجهوية ودعوات الانفصال.
عُقِدَتْ عدة مفاوضات في غير بلد دون نتيجة بسبب رهان الأطراف المختلفة على الحسم العسكري، وتشجيع الصراع الإقليمي الإيراني- السعودي، والتدخل الأمريكي- البريطاني، دفعت الأمم المتحدة بعدد من الممثلين وجولات من الحوارات واللقاءات المتكررة لهذه الأطراف ولممثلي المجتمع المدني.
أكدَّتْ حرب العشر السنوات الموزعة بين الحرب والتهديد بالحرب، وحالة اللاسلم واللاحرب-أكدت أنَّ الأمر لم يَعُدْ بيد أطراف الحرب اليمنيين؛ فهو مرتهن للصراع الإقليمي، والتدخل الدولي.
الحرب الإسرائيلية على غزة، ومساندة أنصار الله (الحوثيين) للمقاومة الفلسطينية كطرف في محور المقاومة، وتهديد السفن المتجهة للعدوان الإسرائيلي، وإرسال المسيَّرات والصواريخ إلى الكيان الإسرائيلي، وطالت الإجراءات طرفي الرباعية الدولية: أمريكا، وبريطانيا الضالعتين في الحرب على غزة ولبنان، فعاودت الاعتداء بالقصف على المدن اليمنية والمنشآت والمرافق العامة والأحياء السكنية في صنعاء، وعمران، وصعدة، والحديدة، والعديد من المدن والقرى.
يعود الحديث مجدّدًا عن خارطة الطريق. ويقينًا، فإن معاناة الشعب اليمني: جنوبًا وشمالاً كبيرة. فالمجاعة تطال نسبةً كبيرةً من السكان، والأوبئة الفتاكة فاشيةٌ، والخوف من تفجر الحرب مصدر قلق شديد، كما أنَّ الحصار الجائر الداخلي والخارجي مميت، وحرب الإبادة على غزة وامتدادها إلى لبنان، واليمن، وتهديد العراق، والقصف الإسرائيلي المستمر ضد سوريا، وجنوح نتنياهو واليمين الصهيوني لتوسيع نطاق الحرب؛ لتعم المنطقة والإقليم، إضافةً إلى ما بعد مجيء ترامب (الخدن الوميق لنتنياهو)، والمخاطر القائمة- كل ذلك يهدِّدُ المنطقة والأمة العربية والعالم.
فالمنطقة العربية تعيشُ تحتَ وطأة الحرب، والتهديد بتوسيع نطاقها واردٌ، ودول الخليج، وبالأخص العربية السعودية، عُرضةٌ للابتزاز والإضعاف. مجيء نتنياهو، ومعه صفقة القرن المقدمة من دورته الأولى، قد تضيف لها إنجازات نتنياهو بتدمير غزة، كما أنَّ اجتياح الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لمدن وقرى الضفة، والحرب على لبنان قد تعطي لها إمكانية التحقق والفرض، وتقوم أمريكا بشرعنتها.
ليست اليمن وحدها -كواحدة من محور المقاومة المستهدفة-، وإنما منطقة الجزيرة والخليج كلها، وبالأخص اليمن، والسعودية، فهل يدرك اليمنيون، وحكام العربية السعودية المخاطر المحدقة بالأمة وببلدانهم؛ فيسسعون إلى وقف شامل للحرب، وإحلال الأمن والسلام في ربوع اليمن، وتحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية شاملة؟!