مقالات

بيان الرئاسي... ترحيل للأزمة وهروب من الاستحقاقات

19/09/2025, 11:01:18

بيان الرياض، الذي صدر عن أعضاء المجلس الرئاسي المتناحرين، أظهر بوضوح مدى الارتهان للخارج، والقبول بما يراه الخارج، ولو كان مخالفًا لقناعات أعضاء المجلس، الذين لم يعودوا يجلسون على الطاولة إلا برعاية خارجية. لقد تحولوا إلى أدوات للتعطيل السياسي، وحرف مسار المعركة اليمنية لاستعادة الدولة، وتكريس أنفسهم كأمراء حرب صغار يتقاتلون على الهامش، بحثًا عن مكاسب آنية لأنفسهم وأنصارهم.

ظهر مجلس القيادة الرئاسي ككيان هش، يفتقر إلى أبسط مقومات الإدارة والإرادة المشتركة، وتحول من أداة لإدارة التعدد السياسي إلى ساحة تنافس بين أعضائه. فقد بدا منذ البداية كيانًا بلا استقلالية، قائمًا على التبعية للخارج أكثر من اعتماده على توافق داخلي، الأمر الذي جعله يعكس أجندات رعاته الإقليميين بدلًا من أن يكون سلطة سيادية قادرة على قيادة مرحلة ما بعد إبعاد الرئيس هادي عن منصبه.

المجلس، الذي ابتدعته الرياض وأبوظبي، وحرصتا على زرع آليات النزاع الداخلي بين أعضائه منذ لحظة تشكيله على عجل في فجر إحدى ليالي الرياض الباردة، كان معطوبًا منذ لحظة ولادته بسبب غياب اللوائح الداخلية وآليات صنع القرار المشترك، وعدم استناده إلى تفويض شعبي أو إطار مرجعي وقانوني يمني. ما فتح الباب أمام الفوضى التنظيمية خلال أكثر من ثلاثة أعوام من تأسيس المجلس، لإدارة مرحلة كانت سمتها الأساسية "اللا حرب واللا سلام".

حتى حين قرر بعض الأعضاء مؤخرًا، بعد لقائهم سفيري الرياض وأبوظبي عقب أزمة قرارات عيدروس الزبيدي، استدعاء اللجنة القانونية للنظر في القرارات المختلف عليها، لم يكن ذلك سوى محاولة شكلية لترحيل الأزمة. إذ إن اللجنة نفسها بلا صلاحيات محددة أو مهام واضحة، وآليات عملها واتخاذ القرار فيها لم يتم اعتمادها أو اختبارها. وهذا بحد ذاته قد يثير أزمة أعمق ويفتح باب التجاذبات بين أعضاء المجلس الرئاسي. وفي المجمل، قد يكون الحديث عن الاحتكام للجنة القانونية واللجان العسكرية والأمنية مدخلًا لإدارة جماعية غير منضبطة، ويعمق الانقسام ويزيد حدة الاستقطابات، ويكرّس سطوة الرياض وأبوظبي على كل مخرجات اللجنة. وفي الواقع، فإن كل الصلاحيات بيد سفيري العاصمتين الخليجيتين، وكان بالإمكان حل الإشكاليات جميعها بتسوية بين السفيرين دون المرور بهذا الطريق الملتوي.

إن مشاهد استمرار الخلافات داخل المجلس الرئاسي تعيد للأذهان إخفاقات تجارب المجالس الرئاسية السابقة في اليمن، مثل المجلس الرئاسي الذي نشأ بعد الوحدة في مايو 1990، والذي انتهى بحرب صيف 1994، وأسفر عن هيمنة طرف واحد على حساب الشراكة، أو تجربة ما بعد ثورة 2011، حين فشلت التسوية السياسية في خلق إطار حقيقي لتقاسم السلطة، فانتهت بخلافات داخلية وأدت لانقلاب الحوثيين وإسقاط الدولة اليمنية.

المؤشرات والسلوك السياسي لكل من الرياض وأبوظبي في اليمن يبرزان بوضوح أن إمكانية تشكيل قيادة موحدة ومنسجمة لم تعد سوى ضرب من الخيال ورهان خاسر. فالتنافس المحموم بين العاصمتين، وتصادم رؤيتهما حول مستقبل اليمن، أجهضا مبكرًا فكرة بناء مرجعية مشتركة تقود مسارًا سياسيًا مستقرًا.

السعودية أعادت تموضع أولوياتها نحو حماية أمنها الحدودي وصورتها كراعٍ للسلام، فيما انغمست الإمارات في تكريس نفوذها جنوبًا عبر دعم تشكيلات أمنية محلية، والسيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية. هذا التباين حوّل المجلس الرئاسي إلى واجهة هشة لصراع إقليمي مفتوح، تتبدد داخله فرص بناء سلطة يمنية متماسكة.

وما يحدث في اليمن ليس استثناءً في المنطقة، إذ تكشف تجارب سابقة أن تضارب الأجندات الإقليمية غالبًا ما يجهض أي سلطة تشاركية. ففي لبنان، ظل النفوذ الإيراني والسعودي يعمّق الانقسام السياسي ويشل مؤسسات الدولة. وفي العراق، أدى الصراع الإيراني–الأمريكي والخليجي إلى تآكل قدرة الحكومات على بسط سلطتها، لتتحول الدولة إلى ساحة تنافس إقليمي دائم، انعكس في تشكيلات عسكرية موازية وقرارات عاجزة عن التوافق. هذه الحالات تبرهن على أن غياب التفاهم بين القوى الإقليمية الراعية يجعل أي محاولة لبناء قيادة وطنية موحدة أقرب إلى الوهم منها إلى السياسة الممكنة.

المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة والدول الراعية، يواجه مسؤولية وضع حد لهذا التباين. فكما فشلت تجارب مشابهة في لبنان أو العراق حين تحولت المؤسسات إلى انعكاس لتوازنات إقليمية متضاربة، يهدد الوضع في اليمن بالانزلاق نحو سيناريو مماثل إذا لم يتم فرض آليات ضغط واضحة. الحل يكمن في ربط أي دعم سياسي أو اقتصادي بشرط التنسيق بين الرياض وأبوظبي، وربط صفقات السلاح والمساعدات باحترام وحدة اليمن. كما يمكن أن تكون إعادة الإعمار أداة ضغط إيجابية لإقناع الطرفين بدعم حكومة موحدة بدلًا من تغذية كيانات متنافسة.

الإصلاح لا يقف عند حدود الخارج، فالمطلوب أولًا إصدار لائحة داخلية ملزمة للمجلس، تحدد صلاحيات الرئيس والأعضاء وتمنع القرارات الفردية، أو التفكير في إعادة هيكلة المجلس بصيغة أكثر رشاقة، مثل تقليص عدد الأعضاء أو الاكتفاء بنائبين للرئيس، بما يضمن مرونة القرار السياسي ويمنع الشلل الذي يعيشه اليوم.

وفي حال تعذّر توحيد الرؤية السعودية–الإماراتية، فإن البديل الواقعي هو تعزيز المسارات الوطنية المستقلة، وتفعيل الضغط الإعلامي والسياسي لوقف التدخلات المباشرة. صحيح أن المطالبة بانسحاب كامل تبدو بعيدة عن الواقع في ظل الحسابات الأمنية والاقتصادية للدولتين، لكن بالإمكان الدفع نحو تحييد تدخلاتهما العسكرية والسياسية، وحصر دورهما في الدعم الاقتصادي واللوجستي فقط، بما يحفظ لليمنيين مساحة أوسع لإدارة شؤونهم.

إن الأزمة اليمنية تكشف عن خلل مزدوج: ضعف داخلي يتمثل في هشاشة المجلس الرئاسي وفقدانه آليات فاعلة لصنع القرار، وضغط خارجي مصدره التنافس السعودي–الإماراتي، الذي يضاعف الانقسام. إصلاح الداخل لا ينفصل عن كبح الخارج، ومن دون ضغط دولي منظم، وآليات قانونية ملزمة، وحوافز اقتصادية وأمنية، ستظل قرارات المجلس رهينة بالإملاءات، وستبقى فرص السلام مجرد شعارات مؤجلة.

مقالات

في ذكرى مذبحة التهاميين

في الثامن عشر من سبتمبر قبل أربع سنوات أعدمت مليشيا الحوثي تسعة مواطنين من أبناء تهامة علنًا بحضور حشد من أنصارها في صنعاء، لاتهامهم بالضلوع في قتل القيادي الحوثي صالح الصماد عام ألفين وثمانية عشر.

مقالات

شمال الحوثي .. جنوب الانتقالي

لا تكمن المشكلة في تصرفات المجلس الانتقالي، بل في الذين يتوقعون منه أن يكون كيانًا عاقلًا ومسؤولًا لديه التزامات تجاه أتباعه وشركائه. النقطة الحرجة التي تدحرج منها الانتقالي، ليكون هذا الذي هو عليه الآن، ليست قرارات عيدروس في 10 سبتمبر الجاري، بل قرار الفاعل الإقليمي برعاية الانقلاب الثاني في 10 أغسطس 2019.

مقالات

ما بعد القمتين؟

في الرابع عشر والخامس عشر عُقِدت في الدوحة قمتان: عربية إسلامية، وقمة خليجية، كردٍّ على الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر في التاسع من هذا الشهر.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.