مقالات

تحدّيات التغيير في سوريا

10/03/2025, 11:13:26

من المستبعد وغير الواقعي أن نرى سوريا جديدة بمجرد سقوط نظام آل الأسد، وما أعقب هذا من تبدلات في المشهد السياسي من اعترافات إقليمية ودولية متوالية بالرئاسة والحكومة، ومن ملامح تغيير في الحياة العامة للسوريين عموماً.

الرحلة نحو استقرار هذا البلد وعودته إلى وضعه الطبيعي لا تزال طويلة، فالطريق ملغوم بكثير من الفخاخ والفجوات والحفر، وقطار التغيير لا تزال أمامه الكثير من المحطات الصعبة والمفاجآت المحتملة في بلد مثقلٍ بتركة أكثر من نصف قرن من الاستبداد والفساد، ونحو عقد من حرب طاحنة ضروس تدخلت فيها جيوش أجنبية وفصائل محلية متناحرة.

الوضع الجديد في سوريا لايزال غض العود، ولم يستطع الوقوف على أقدامه بثبات بعد، ما يغري كثيراً من الأطراف الداخلية والخارجية لإرباكه وإفشاله أملاً في استعادة أو فرض نفوذها كما برهنت على ذلك حركة التمرّد الفاشلة في الساحل السوري وإعلانها عن قيام مجلس عسكري، لا شك أن التمرد والحركة تلقيا دعماً لوجستياً وتشجيعاً من قِبل طرف خارجي وآخر داخلي.

التمرد في مدن الساحل الغربي لسوريا ليس وحده ما يهدد دمشق، فهناك الأكراد في الشمال الشرقي للبلاد لا يريدون إعطاء سوريا الجديدة فرصة للعمل على بناء الدولة السورية الموحدة، ويعملون من جانبهم على تشديد قبضتهم على مناطقهم، ويصرون على منحهم "وضعاً خاصاً" من خلال حكم ذاتي، أو ما شابه، يتعارض مع فكرة وحدة الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضي البلاد.

وفي الجنوب السوري، هناك تهديد جدي أكثر خطورة تمثله إسرائيل، التي لم تكتفِ بقضم أجزاء من الجنوب، بل وتعلن رغبتها في إبقاء المناطق السورية المحاذية للجولان المحتل خارج سيطرة الحكم في العاصمة دمشق، وتعمل إسرائيل على قدمٍ وساق لإذكاء النعرات الطائفية والجهوية، وليس من شيء أدل على ذلك أكثر من تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، للحكومة السورية من "إيذاء الأكراد والدروز"، الذين رفضوا دعواته، وأكدوا على أنهم جزء من سوريا، وأن "الشام مرجعيةً" لهم.

وبالطبع، فلن تكفّ إيران، وما بقي من حزب الله في لبنان، عن المشاركة في هذا العبث الذي يُراد لسوريا أن تسقط فيه مجدداً.

كل تلك الأطراف تتخادم ضمناً في محاولة إغراق سوريا في أتون حربٍ أهلية لا بُد أن تكون تبعاتها أكثر من تلك التي خلفتها حرب النظام السابق على الشعب السوري.

صحيحٌ أن الإدارة الجديدة لسوريا تعاملت مع كل تلك التحدِّيات بمرونةٍ عاليةٍ، وتجنَّبت الاصطدام بها في مرحلة التغيير على الأقل، لكن التهاون مع تمرد بقايا نظام الأسد المخلوع خطيرٌ، ويتطلب مواجهته بصرامة، إذ قد يمثل شرارة لإشعال الفتنة الطائفية في عموم سوريا، وليس في ساحلها الغربي فقط.

أغلبنا ربَّما يعرف سوريا جيداً، ولكن لا أحد يمكنه الادعاء بأنه يعرف "شعاب مكة" أكثر من أبنائها، فلا أحد يعرف طبيعة وتنوّع مكوِّنات شعبها أكثر من السوريين أنفسهم، الذين لا بُد أنهم يعرفون أين تكمن المصلحة العامة لهم، والحلول المناسبة لإدارة اختلافاتهم، وذلك أكثر من نتانياهو أو إيران وغيرهما.

 الحل في النهاية لن يكون إلاّ سياسياً يُشارك فيه مختلف أطياف الشعب السوري على قدَم المساواة، وصولاً إلى سوريا أخرى جديدة لكل أبنائها دون تمييز أو تفرقة.

مقالات

سلالة الإبادة

تسمية الحوثيين مجرد دكتاتوريين لا تنطوي فقط على تبسيطٍ مُخلّ، بل تُشارك دون وعيٍ في جريمة تبرئتهم من طابعهم المتسم بالإبادة والتطهير والإحلال بعد التجريف.. الدكتاتور يقمع، أما الحوثية فتفني، والدولة في مشروعهم ليست أداة حكم بقدر ما هي آلة تطهير سلالي شامل.

مقالات

مليون عقل في قبضة الكهنوت

كل يوم وأنا أزداد غرقًا في قلقٍ لا يهدأ، قلقٌ متراكم، متجذّر، يتسلل إلى أعماقي كلما تأملت ما يحدث للشباب في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي. هناك شيء مرعب يجري بصمت، أشبه بعملية سلخ جماعي للعقول، بترٌ ممنهج للوعي، وتفريغ متعمد للذاكرة، وإعادة تعبئة العقول بأفكار مسمومة لا تنتمي للحياة، ولا تُنتج إنسانًا، بل تُخرج آلات طيّعة، مبرمجة على الكراهية والخضوع. معركتنا اليوم لم تعد عسكرية في ظاهرها فقط، هي أعمق، أكثر تعقيدًا، وأكثر إيلامًا، إنها معركة على الوعي ذاته، على الروح، على الفكرة التي تشكّل الإنسان.

مقالات

اليمن في قلب حرب صامتة

لم تعد الحروب في هذا العصر تتطلب إعلانًا رسميًا أو دويًا للمدافع كي تبدأ، فقد دخل اليمن، ومعه عدد من دول الإقليم، في مرحلة "الحرب الصامتة"، أو ما يُعرف في الأدبيات الإستراتيجية الحديثة بحروب "الجيل الرابع والخامس"، حيث تُخاض المعارك دون جبهات تقليدية، بل عبر أدوات خفية تتمثل في الحصار الاقتصادي، الإغراق الإعلامي، تفكيك مؤسسات الدولة، وإعادة إنتاج الفوضى بأساليب غير معلنة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.