مقالات

جذور التوحش الغربي

جذور-التوحش-الغربي
24/12/2023, 12:18:08

لوهلة، يبدو طبيعيًا أن يشعر الناس، كل الناس بالصدمة والذهول، حين يتابعون مشاهد المذبحة. الموت مخيف، والدم السيّال في الشوارع، جماجم الأطفال والجثث المنتشرة في كل مكان. كلّ هذه تفاصيل موحشة للنفس. غير أنّ الصدمة لا يصح أن تطول. وزوال الصدمة ليس نهاية للتعاطف ولا دعوة لاعتياد مظاهر التوحش؛ بل تنظيم العواطف لمواجهة مشاهد المذبحة بطريقة فعّالة. 

أيام قليلة وتبلغ مذبحة غزة شهرها الثالث. مع أنّ الجريمة لا تحتاج للزمن؛ كي تكتمل بشاعتها أو يتشدد الحكم عليها. الجريمة هي الجريمة في أول يوم لوقوعها أو بعد عام من تواصلها. جريمة قتل البشر هي الحدث النهائي للوجود والحد الفاصل بين حكايتين وعالمين. عالم مشهود وعالم محجوب. وما يحدث في غزة هي جريمة مفتوحة ومتواصلة لحجب وجود كامل. 

الجريمة مفتوحة والصدمة متواصلة. لماذا تتواصل الصدمة..؟ لأن العربي والمسلم؛ يعجز عن استيعاب كيف يمكن تقبّل وحشية كهذه؛ بل ومواصلتها بوقاحة واثقة من حقها في الجريمة. لكونه يتوّهم أن الغرب بتطوره الأخلاقي المشاع؛ يستحيل أن يمضي في الجريمة حتى النهاية. 

الحقيقة، ما كان علينا أن نبالغ في الشعور بالصدمة من سلوك الغرب السياسي تجاه مذابح غزة. فالعقل الذي تجرأ على استبعاد "الله" من أن يكون مرجعية أخلاقية نهائية؛ تتأسس عليها الأخلاق، هو أقرب للكفران بكل القيم وأقدر على ممارسة الجريمة بأريحية تامة. هكذا وبخلاصة سريعة دونما حاجة لاستعراض مواطن وحشيتهم وتاريخهم الأخلاقي الملئ بالسواد. 

يفتقد الغربي لأي شعور حقيقي بالمهابة، إنهم يتحركون مدفوعون بوهم القوة وشعارهم:" الإنسان سيد الطبيعة" ولا يصح أن يردعه شيء عن مساعيه لإخضاع الطبيعة للسطوة البشرية. في ظاهر الشعار تحفيز للإستكشاف وفي باطنه، تصريح بحق الإنسان المفتوح بتحطيم كل ما يحول بينه وبين غايته في السيطرة التامة على الحياة ولو تطلب ذلك إبادة الآلآف بل ومئات الآلآف والملايين. وصولًا لاحتفاظه بالسلطة العليا على مسرح العالم. 

هذه الفكرة هي من الأفكار الجذرية في العقل الباطن والواعي وفي أعماق الوجدان الغربي. وهي فكرة ليست منفصلة عن فقدان الغربي للأساس الإلهي للأخلاق، وعجزه عن الشعور بأي إحترام أعلى لفكرة الخالق وهي فكرة مهيبة تجعل الإنسان يمضي في حياته متواضعًا أمام مهابة الروح الإنسانية وقداستها المستمدة من الخالق وليست القداسة التعاقدية والقابلة للإستباحة بأي لحظة. 

شعار الإنسانية الغربية؛ يعاني من أزمة أسس حقيقية، ومن هنا تكون إحتمالية التوحش كامنة، مهما راكموا من فلسفات أخلاقية جيدة. أخلاق الغرب مقطوعة عن أي امتداد غيبي، وهو ما يجعلها خاضعة للعبث البشري في أي لحظة يتصادم فيها الموقف الأخلاقي مع المصلحة ويشعرون بتهديد يطال موقعهم المتحكم بمصير العالم. 

لو أننا على وعي جذري بفلسفة الأخلاق الغربية، لما طال شعورنا بالصدمة من استعدادهم المخيف لسحق كامل الأخلاق والتصرف بوحشية أشد فظاظة من الأقوام البدائيين. ذلك أنك حين تتبع جذورهم الفلسفية تجدها قائمة على أساسات هشّة وقابليتها للتلاشي أشد من قدرتها على التماسك أمام الإمتحان العملي والنظري معًا. 

الخلاصة: 

إنّ عالمًا يكفر بمفهوم "الروح" لهو عالم يحيل البشر لأشياء مادية. يُلبسها قداسة مزيفة، ويحطمها متى أراد. هنا تكمن بذور الوحشية الغربية الممكنة. فمهما ذهبوا في ادعاءاتهم لحرمة الحياة؛ فهم في أعماقهم يحملون كل النزعات المدنسة، ميولات لم ينجح ميراثهم الفلسفي والأدبي بتطهيرها؛ بل على العكس في أدبياتهم الكثير من الشرعنة المخيفة لمختلف أنماط الجريمة. 

حين تتصفح فلسفات الغرب، الكثير الكثير منها تجد تضاربًا أخلاقيًا حد التناقض التام. هذه الحيرة الأخلاقية ليست مجرد نتاج طبيعي لحرية البحث والتفكير فحسب، وتظل محصورة في تلك المساحة. بل هي بمثابة الخزان الخلفي لكل الممارسات الكامنة. لديهم ميراث نظري يشرعن لكل السلوكيات المجرمة. ما يؤكد أن الشعارات الأخلاقية المرفوعة هي نسخة أحادية من بين نسخ كثيرة؛ يستدعونها متى اقتضت المصلحة وفي حرب غزة نموذح حي على ذلك. 

مقالات

مجلس القيادة الرئاسي والأسئلة التاريخية (3/2)

السبب الثالث: نستطيع القول إنه إذا كان مجلس القيادة الرئاسي قد تشكل من أغلبية أعضاء كانوا يقفون في الواقع على رأس تشكيلات عسكرية في المناطق المحسوبة على الشرعية، ضف إلى ذلك أنه احتوى مجلس القيادة على عضوية طارق وعيدروس، اللذين كانا يمارسان فعلهما السياسي والعسكري خارج سلطة الرئيس هادي، ثم أصبحا - على إثر مؤتمر الرياض - عضوين في مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح رأس سلطة الشرعية المعترف بها دوليًا.

مقالات

حقوق المرأة في الولاية بين قادة السلف وبناتهم

في المطلب الثاني: انتهاكات وإهانة الأمم المتحدة للمرأة، يتناول الدكتور بعض قرارات الأمم المتحدة، ويعتبرها انتهاكًا لأعراض النساء في العالم، وجنايةً على البشرية من فرض الزنا والفاحشة، وانتهاك السيادة الوطنية.

مقالات

القائد.. فاعل خير!

الوضع المعيشي في اليمن يتدهور على نحو مروّع، في حين تعمد بعض قيادات السلطة إلى إنتاج مشاهد مؤذية ومهينة لليمنيين بلا خجل. هؤلاء الذين تقع على عاتقهم مسؤولية مواجهة الانهيار الاقتصادي المريع في البلاد ووضع حلول للمجاعة، اختاروا استغلال المجاعة ذاتها، تلك التي ساهموا في صناعتها، فصيّروا أنفسهم “فاعلي خير”!

مقالات

قيادة منذورة للفشل

التفاصيل، التي أحيطت بتشكيل مجلس الثمانية بقيادة رشاد العليمي في أبريل 2022، كانت من بدايتها غير قابلة للحلول على الأرض.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.