مقالات

حرب الإبادة الإسرائيلية

16/05/2024, 06:54:09

قبل تناول ما يجري في غزة والضفة الغربية من تقتيل جماعي، وتدمير للمنازل على رؤوس ساكنيها، وتهجير للأهالي، وإتلاف المحاصيل الزراعية، والحصار، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء، لا بُد من قراءة التعريف القانوني لمعنى "الإبادة الجماعية"، وجرائم الحرب وضد الإنسانية.

يعرف النظام الأساسي للمحكمة الدولية (المادة الرابعة): إبادة الأجناس بـأنها "أي فعل من الأفعال التالية يجري ارتكابها بقصد القيام كليًا أو جزئيًا بالقضاء على فئة وطنية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية، وذلك من قبل: أ‌- قتل أفراد هذه الفئة. ب‌- إلحاق ضرر بدني أو عقلي بالغ. جـ-إرغام الفئة عمدًا على العيش في ظل ظروف يُقصد بها أن تؤدي إلى القضاء عليها قضاءً ماديًا على نحو كلي أو جزئي. د- فرض تدابير يُقصد بها منع التوالد لدى الفئة. هـ- نقل أطفال الفئة قسرًا إلى فئة أخرى.

وهو النص نفسه في تعريف جرائم الحرب في النظام الأساسي للمحكمة الدولية لراوندا (المادة الثانية)، كما ينص على التعريف إياه نظام روما الأساسي بشأن حقوق الإنسان (المادة السادسة)، والإعلان بشأن حقوق الإنسان (المادة الثانية).  

يدعو المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان إلى المساءلة عن جريمة الانتهاكات الواسعة النطاق، التي تتعرض لها حقوق الإنسان، ولا سيما تلك التي تتخذ شكل الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والاغتصاب المنهجي للنساء في حالات الحرب؛ مما يؤدي إلى نزوح جماعي لللاجئين والمشردين.

وإذ يدين المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان وقوع هذه الممارسات المقيتة؛ فإنه يكرر المطالبة بمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، وتوقف هذه الممارسات فورًا. (المادة 28). في نظام روما الأساسي، والنظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة، والنظام الأساسي للمحكمة الدولية لراوندا، والقانون الإنساني، والإعلان بشأن حقوق الإنسان- فإنها رغم موادها الكثيرة تعجز عن الإحاطة بجرائم الحرب، وضد الإنسانية، والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني على مدى ستة وسبعين عامًا.

ما يجري في فلسطين منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا، وبالأخص ما يجري في غزة حاليًا من جرائم حرب، وضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وتهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، وتدمير بيئتهم، وحرمانهم من الغذاء والماء والدواء- يتفوق على ما لحق باليهود في أوروبا في العصور الوسطى، ويتجاوز الهولوكوست. لكأن الصهاينة الإسرائيليين والأمريكان هم الورثة الحقيقيون للنازي الألماني، والفاشي الإيطالي.

فبعد مئتين وعشرين يومًا يصل الشهداء الفلسطينيون إلى أكثر من خمسة وثلاثين ألفًا غالبيتهم من الأطفال والنساء والعجزة، والجرحى أكثر من 75 ألفًا، ومعظمهم أيضًا من النساء والأطفال والعجزة، والمدفونون تحت أنقاض منازلهم عشرات الآلاف؛ أليست هذه حرب إبادة؟! تدمير البيئة في كل مناطق غزة، وتدمير غالبية المساكن، وتحريق المزارع، ويطال التدمير المستشفيات، والمدارس، والمخابز وأماكن العبادة: المساجد، والكنائس؛ أليست هذه جرائم حرب؟! يُمنع وصول الماء والغداء والدواء، ويقتل الفلسطينيون بالقصف والتجويع والتعطيش ومنع العلاج؛

وهذه الجرائم لم تبدأ في السابع من أكتوبر 2023 كما تدأب الدوائر الاستعمارية والإسرائيلية وإعلامهما مع الإعلام التابع لهما.
الهبة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر، استمرار للكفاح الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الاستيطاني، والتطهير العرقي، والتمييز العنصري، والتهجير داخل فلسطين وخارجها، وهي القضية الأساس التي ينكرها الأمريكان والأوروبيون؛ لأن إسرائيل صناعتهم، وتجسد وجودهم الاستعماري.

تشير الباحثة كارين آرسترونج في كتابها (معارك في سبيل الإله: الأصولية اليهودية، والمسيحية، والإسلامية) أن هرتزل يعتبر الدولة اليهودية القادمة مستعمرة أوروبية، ولا علاقة لها بالدين، وهي الآن امتداد الوجود الأمريكي والأوروبي لحماية مصالحهما. تَعتبر أمريكا وأوروبا جرائمَ الحرب وضد الإنسانية وحرب الإبادة دفاعًا عن النفس، وتُجَرِّم حماس والمقاومة الفلسطينية، ويصل الأمر حد تهديد محكمة العدل الدولية.

حروب الإبادة متواصلة ومستمرة منذ 1948 و1967، فقد جرى تدمير وإزالة مئات وآلاف القرى، وتهجير المئات والآلاف والملايين من المدن والقرى؛ إما داخل وطنهم أو إلى الشتات، وما يجري حاليًا من طرد الآلاف إلى مناطق باعتبارها آمنة، ثم يُقصفون إما في الطرقات، أو في الأماكن التي هربوا إليها.

وقد تكرر الأمر في التهجير القسري من غزة إلى خان يونس وجباليًا وبيت لاهيا، ثم إجبارهم للفرار إلى رفح، ويقوم الجيش مجددًا بالتهجير إلى "لا مكان"، وتقصف رفح، وتتعرض للاجتياح، والأمر أولاً وأخيرًا هو الإبادة الجماعية، والتهجير القسري إلى المنافي؛ فهل لكل هذه الجرائم من معنى غير الإبادة الجماعية الزارية بالتعريف القانوني والحقوقي للقوانين الدولية؟!

جرائم الحرب الإسرائيلية وضد الإنسانية وحرب الإبادة المتواصلة منذ 1948 تشمل وتعم كل فلسطين؛ فالمستوطنون في الضفة الغربية يحتلون ما تبقى من أراضي 1948، وما جرى احتلاله في حرب 1967، ويقومون بتدمير القرى، وإحراق المحاصيل ونهبها، وطرد الرعاة والبدو والمزارعين من قراهم، ويقوم الأمن بحمايتهم، كما يقوم مع الجيش الإسرائيلي بالاجتياحات اليومية للمدن الفلسطينية، وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، ويقوم الجيش بتقتيل المقاومين، والاعتقالات الكيفية بالآلاف، ويجري التعذيب في السجون الإسرائيلية، والاختفاء القسري، والهدف الأساس في الضفة والقطاع إجبار الفلسطينيين على ترك أرضهم، وهناك شكوك حول الجسر الأمريكي الذي يُجهز في أعقاب الحرب لاستقبال الناجين من جحيم حرب الإبادة التي تنخرط فيها أمريكا، وترحيلهم بعيدًا عن وطنهم.

حرب الإبادة بعد مئتين وعشرين يومًا تتخذ مسارين: المسار الأول: اجتياح رفح، ووضع سيناء ومصر تحت التهديد، وإرغام السعودية على التطبيع، والتهجير القسري لأبناء غزة خارج وطنهم، وفلسطينيي الضفة إلى الأردن، وربما أُرغمت الحكومة المصرية المطبعة على استقبال أبناء غزة أو بعض منهم على الأقل.

المسار الثاني: الضغط الأمريكي والبريطاني والأوروبي على الأنظمة التابعة والمطبعة، وعلى منظمة التحرير لاستكمال ما عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه، والانحياز المطلق للإرادة الأمريكية، والتشارك في لعبة حل يستجيب ويلبّي إرادة إسرائيل.

تعرف أمريكا أن الحكام العرب لا يخافون الله ولا شعوبهم قدر خوفهم منها، ورغم انخراطها في الحرب ومواصلتها إلا أنها ترى أن الحكم العربي يمكن أن يحقق لإسرائيل ما عجز جيشها وأمنها عن تحقيقه.
التحدي العظيم الذي يُراهن عليه هو الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، وتصاعدها، ورفض الشعب الفلسطيني الصابر جريمة التهجير، وتصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل، والانقسام بين الجيش والسياسيين، وتصاعد الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية والأوروبية، والتبدل في الرأي العام.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.