مقالات

زلزال تركيا - سوريا.. هل من حكم؟

09/02/2023, 05:54:41

حدث الزلزال، وقد حدث مثله الكثير. تتعالى صيحات البشر، يشعرون بالذهول، يوم، يومين، ثلاث، أسبوع بالكثير، ثم يعودون لحياتهم الطبيعية. هذا أمر طبيعي بلا شك. لكن السؤال المهم والأبدي، يكمن في تفسيرات الحدث، هناك معنى مهم يمكن للبشر أن يتوقفوا معه عند كل حدث من هذا النوع. 

علميا، تحدث الزلازل لأسباب طبيعية تتعلق بتفاعلات حرارية في باطن الأرض. غير أن التفسير العلمي، لا يلغي تفاسير أخرى مهمة. حتى لو لم تكن علمية. فمن قال إن العلم هو المصدر الوحيد لمعاني الوجود والشارح الأعظم لأسرار الطبيعة. بل إن التفسيرات العلمية، تبدو ميكانيكية وفارغة من أي دلالة حية متصلة بوجود البشر أو ملهمة لهم. 

اختزال الزلزال كظاهرة طبيعية في تفسير علمي وحيد، هو نوع من احتكار المعنى وتسخيف كل دلالة موازية للحدث. فيما الحقيقة أن العلم ليس سوى أداة واحدة من أدوات كشف الوجود ومنظار جزئي في تشريح ظواهر الكون. غير أن البشر بطباعهم ونزعاتهم الذاتية، لا يستسلمون لمنطق أحادي ويمارسون حقهم في منح الحدث دلالات مختلطة تنطلق من مخاوفهم وتهويماتهم الخاصة. 

في هذه الوقفة سنحاول الحديث عن التفسيرات الموازية لحدث الزلزال. مهما بدت للبعض غير منطقية. فمن قال إن المنطق هو الطريقة الوحيدة للسيطرة على الطبيعة وفهم مدلولات الوجود. المنطق هو نظام من التصورات الذهنية المجردة والمرتبة مسبقا؛ لكنه ليس معيار شامل ومتطابق مع الوجود كما هو. الوجود كحالة مفتوحة وهائلة متجاوز للعلم ومتجاوز للعقل وأدواتهم وبالضرورة متجاوز لقواعد المنطق. 

وعليه يمكن القول: إن الدلالات المتداخلة والتفاسير العشوائية والمبتورة للوعي العام تلك التي يلبسها الناس للأحداث الغامضة، بما في ذلك تفسيراتهم الغيبية لها. ليست معاني ساذجة أو أقاويل بلا منطق؛ فضلا عن التهور الذي يمارسه البعض حين ينعت تلك التفاسير بكونها نابعة عن جهل. فمن الذي منح هؤلاء العقلانيون الحق بتنزيل أحكامهم وتحديد ما هو حقيقي مما ليس كذلك. بل من الذي منحهم الحق برفض الدلالات التي يسبغها الناس على الحدث_كالزلزال_والقول إنها غير منطقية. 

بداية، يمكن أن يكون حدث الزلزال لأسباب تتعلق بنشاطات بشرية أثرت على توازن النظام الطبيعي، في هذه الحالة تكون كارثة الزلزال، نتاج صنيعة الإنسان وانتهاجه طريقة مختلة لاستكشاف الطبيعة واجراء تجاربه واختباراته. قد لا تكون التجارب تلك مباشرة، بمعنى أن حدوث تجربة هنا أو هناك، انعكست بشكل مباشر وحدث الزلزال في تلك المنطقة. لكن المقصود أن نظام الطبيعة هو نسيج واحد، وعليه فتراكم اختلالات بعيدة في أي مكان بالكوكب، يمر بتفاعلات عديدة؛ ثم تظهر آثاره هنا أو هناك وتحدث الكارثة. 

هذا احتمال وارد. أما لماذا هو وارد، فلأننا ننطلق من فرضية ضمنية، هي أن خالق الطبيعة، لا يمكنه خلق عالم يهدد الإنسان وغير صالح لبقاءه فيه. فطالما أن الإنسان انتهج طريقة منضبطة فس العيش بهذا الوجود وتحرك بشكل حذر وبما يتوافق مع قوانينها المعلومة منها والمجهولة. يحتمل أن يعيش آمنا ولا يضطرب وجوده. أما حين يكون الإنسان جامحًا ويتوهم أنه رب الكوكب ومن حقه العبث وتجريب مغامراته كما يشاء وبلا أي رادع قيمي، فمن الطبيعي أن يتفاجأ بصدمات كثيرة هنا وهناك ويتسبب باحداث ابادة لبعض رفاقه في الكوكب. ولا يوجد ما يجرد هذا التفسير من احتماليته المنطقية. 

والآن نأتي للتفسيرات الموازية للحدث. أعني تلك التفسيرات الشعبوية والدلالات الغيبية التي ينطق بها الناس لتفسير حدث الزلزال. يقولون: إنه عقاب إلهي للبشر. غير أن المقصد بالطبع، ليس أن الله عاقب هؤلاء الذين تضرروا من الزلزال بشكل مباشر؛ بل عقاب للإنسان بشكل عام. فالبشر يعيشون في كوكب هو بيتهم العام وأي انحراف بسيط يمارسه انسان أو مجموعة بشر بأي مكان في الدنيا يؤثر على حياة أخرين في أقاصي الأرض. وهذه هي الحكمة الأولى للحدث. 

بوضوح أكبر: يعيش الإنسان في هذا الكوكب وحياته متداخلة مع حياة سكان العالم كله. ليست إرادتك البشرية الفردية هي ما تقرر مصيرك بشكل كامل، فأنت مجرد فرد في مجموعة أوسع وقراراتهم وإراداتهم تتداخل وتؤثر في مجرى حياتك. يحدث الأمر على مستوى مجموعتك الصغيرة في القرية أو في الفصل الدراسي ويمتد في دائرة عملك ومثله ينطبق على دوائر أوسع. مدينتك ودولتك ومحيطك القريب وصولا للحياة في كامل الكوكب. حيث عمل مصنع في أطراف أمريكا يؤثر على المناخ في بيتك الواقعة بالريف الجنوبي للجزيرة العربية وتحديدًا في قريتك الواقعة في أقاصي العدين، مثلا. 

الخلاصة: لا يوجد أي منطق عقلي وواقعي وعلمي يمنع الناس من أن يستفيدوا من هذا الحدث الطبيعي بشتى الطرق. بمعنى من حق الجميع أن يؤله بما يحب ويستنطق منه ما يمنحه دلالة قريبة لنفسه وتؤثر في مجرى حياته. نفسيا ودينيا، عقليا وروحيا.. نحن أمام حدث فيه من الغموض ما فيه من الوضوح. ويتداخل فيه المعلوم بالمجهول. ولا يمكن لأحد مصادرة حق الأخرين في التكيف معه ومنحه الدلالة التي يحبون. ليس في الأمر عبث بقواعد العقل ولا فتح للتأويلات الخرافية، بل هو دليل احترام لهذا الوجود الواسع. وايمانًا أن العقل البشري وحده لم يتمكن بعد من السيطرة على التفسير النهائي للعالم. وعليه فليس من حقه التأفف من سائر التأويلات. ثم ما الضير لو أن العقل تواضع قليلا وتوقف مع التفاسير البدائية وحاول فهم منطقها الداخلي. لربما يجد في هذا الفضاء الدلالي الخرافي والغيبي لمحات تعينه أن يضبط سلوكه ويفرمل جموحه ولربما تخف اضطرابات الطبيعة ويحيا الإنسان بأمان أكبر. 

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.