مقالات

سردية التوحيد الصحافي وبوائق الحرب ووأد الحرية

24/01/2023, 15:44:00

احتفى الصحفيون اليمنيون أيما احتفاء بالعكوف على بناء كياناتهم النقابية الصحفية، وصياغة مواثيق شرف في مؤتمراتهم: (منظمة الصحفيين الديمقراطيين في الجنوب 1976، وجمعية الصحفيين في الشمال 1976)، والدعوة إلى التوحد منذ البدء.

معاناة الصحفيين كثيرة ابتداءً من فقدان الحرية الصحفية، وفقدان الخبز الكفاف، والتهديد لحظياً بفقدان الحياة بسبب الحروب المسلسلة والمتناسلة. منذ ما قبل ميلاد الصحافة منتصف القرن الماضي كلها تدفعهم إلى الانغماس في العمل السياسي والنقابي كقضية حياة أو موت؛ فالكفاح السياسي والنقابي وسيلتان "تحرزهم" من مآسي القهر الاجتماعي، والقمع المستدام، وربما رأوا في التوحد هروبًا من القمع الشطري، ومصادرة الحرية هنا وهناك.

النقابة العربية كلها سنت مواثيق شرف صحفي، والعديد من الصحف المهمة تسن مدونات سلوك للمهنة، والمواثيق الصحفية سنة صحفية عالمية، وتقليد حضاري أممي. صحيفة النداء اليمنية سنت مدونة سلوك غاية في الدقة والموضوعية، واحترام المهنة، وكانت الوحيدة في الصحافة اليمنية، وكانت المدونة ميثاقها الخاص.

في كل مؤتمرات منظمة الصحفيين الديمقراطيين 5 مايو 1976، ومؤتمر الصحفيين في الـ ج. ع.  ي في الـ 22 من أبريل 1976 - جرى نقاش الوحدة، وقيام كيان صحفي موحد أسوةً باتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. قُدمت صيغة مشروع ميثاق في مؤتمر الصحفيين الثاني 7 – 14 مارس 1978، ولم يناقش أو يقر. قدمت المؤتمرات اللاحقة مواثيق كانت تناقش وتقر، ولعل أشهرها الميثاق الصحفي المقدم في المؤتمر الثالث بعد أن رضخت سلطات صنعاء للقبول باسم مسمى نقابة. كانت سلطات صنعاء تحظر اسم الحزب (مجرد الاسم)، ومسمى النقابة.

كل الدساتير الدائمة والمؤقتة، وما أكثرها، تعتبر الحزبية محظورة، وتمنع العمل النقابي، وتعتقل الحزبيين والنقابيين. اعتصم أعضاء الجمعية العمومية في قاعة المؤتمرات بوزارة الإعلام بصنعاء، ورفضوا فض اعتصامهم إلا بعد اعتراف السلطة بالنقابة، ومسمى النقابة. حظر الحزبية في الشمال، واعتبارها خيانة وطنية عقوبتها الإعدام، وهي محظورة ومجرمة في الجنوب، حيث الجبهة القومية (التنظيم السياسي لاحقًا)؛ الحزب الوحيد. ففي الجنوب يحتكر العمل الحزبي والنقابي، وفي الشمال محظور، وهو ما يدلل على مدى الشمولية والتخلف في الشطرين.

الباحث عبد الحليم سيف في كتابه المهم "نقابة الصحفيين: تاريخ وتجربة" يرصد بتتبع ودقة تتالى المؤتمرات، ومواثيق الشرف الصحفي في الشمال في المؤتمرات العديدة، ويوثق لنشأة العمل النقابي العمالي، وفي مجال الصحافة بصورة أخص، ويدون إصرار الكيانين النقابيين على التوحد. يرصد النشأة منذ اتحاد الصحفيين العرب، ومرحلة الستينات والسبعينات في اليمن، واتفاق مارس 1976 لقيام النقابة الصحافية الواحدة. كان الاتفاق بين القيادات الصحفية منذ مطلع السبعينات على قيام كيان نقابي موحد للصحفيين، ولكن التشطير، واختلاف المهام لنظامين مختلفين بل ومتصارعين حال دون تحقق الإرادة الصحفية.

في كل المؤتمرات الصحفية- منذ التأسيس- ظل مطلب التوحيد أساسيًا في المنظمة والنقابة، وشكلت لجنة تحاور بينهما. ظل هم التوحد الصحافي قائمًا ومطلبًا في كل مؤتمرات المنظمة الديمقراطية في الجنوب، والنقابة في الشمال، ولكن إرادة السلطتين الشطريتين كانت أقوى، وكان قمع الحريات الصحفية هو الحاكم والسائد.

يقرأ الباحث سيف مشروع الشرف الصحفي المقر في المؤتمر العام الثالث 10- 13 مارس 1980 لنقابة الصحفيين بصنعاء، وهو مكون من أربعة عشر بندًا، تدعو إلى وحدة التراب اليمني، والحفاظ على أسرار المهنة، واجتثات الأفكار الضارة بسلامة المجتمع والمعيقة للتطور، والعمل على التعريف بالتاريخ الحضاري للمجتمع اليمني، واحترام القيم الإسلامية، والمبادئ الخلاقة، ويدعو الميثاق إلى بناء دولة مركزية ديمقراطية قوية. والحقيقة أن شعار بناء الدولة المركزية العصرية القوية والحديثة كان الشعار المركزي لدولة الـ 13 من يونيو 1974، وكان موجهًا بالأساس ضد نفوذ كبار المشائخ الذين لا يريدون للدولة أن يمتد نفوذها إلى مناطقهم، خصوصًا في الشمال، ولا يريدون دولة قوية عصرية وحديثة (دولة مواطنة).

 والواقع أن جل بنود الميثاق يغلب عليها الجوانب السياسية، والمطالب الاجتماعية، وتبدو القضايا المهنية والنقابية شاحبة وضعيفة. ظلت المؤتمرات في الشمال والجنوب تدعو عبر مؤتمراتها المتكررة، ووثائقها وأدبياتها، ومواثيق الشرف، وبياناتها الختامية- تدعو للتوحد كقضية مصيرية ومبدئية.

عقد المؤتمر التوحيدي في صنعاء عقب قيام دولة الوحدة في الـ 22 من مايو 1990 بأسابيع، وتحديدًا في الـ 9 من يونيو. كانت نقابة الصحفيين اليمنيين أول منظمة نقابية تتوحد مباشرة عقب إعلان دولة الوحدة. أقر المؤتمر ميثاق الشرف الصحفي الذي صاغته رئيسة المؤتمر الصحفية القديرة أول صحفية في الجزيرة والخليج: رضية شمشير، ولا يزال الميثاق حاضرًا.

المؤتمرات المتكررة أقصت مشاركة الزملاء الصحفيين في الجنوب عمليًا بعد حرب 1994، ودمرت الكيان الوحدوي السلمي، وأتت على كل مكاسب ومنجزات الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، والوحدة السلمية ولا يزال دخان الحرب يغطي سماء اليمن، ويحجب الرؤية، ويعمل على خلق الأوهام للعودة باليمن- كل اليمن- إلى ما قبل ستينات القرن الماضي.

هناك قول مشهور للأشاعرة: "لا تنفع مع الكفر طاعة"؛ باعتبار الكفر المعصية التي ما بعدها معصية بالنسبة لهم. الحرب أم وأبو الكبائر كلها. ما تشهده اليمن من محاولات بائسة ويائسة للبحث عن هويات زائفة عجزت الرجعية والاستعمار عن فرضها، أو محاولات العودة إلى ما قبل عصر الوطنية والدولة. هذه كلها كوابيس خلقتها حرب 94، والحروب المتناسلة حتى اليوم. الجنوح للانفصال معطى من معطيات الحرب، ورد فعل على ما ألحقته 94 من إقصاء الجنوب، وتدمير كيانه ونهب ثرواته. الهم الأكبر لليمنيين الخلاص من الحرب، ونشر السلام في طول اليمن وعرضها، وبدء تحاور جدي لا يستبعد ولا يستثني أحدًا من مكونات المجتمع اليمني، والبراءة من طغيان التفرد، وأوهام الغلبة والقوة.

مقالات

العلوم والتكنولوجيا.. جامعة تحت القيد الحوثي

في مسار الأحداث التي مر بها اليمن خلال السنوات الماضية، تكاد لا توجد مؤسسة واحدة لم تطلها أيدي جماعة الحوثي، سواء بالتفكيك أو التوجيه أو إعادة التشكيل. ومنها جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء بوصفها حالة خاصة، تمثّل نقطة تقاطع دقيقة بين المعرفة والسيطرة، بين التعليم كقيمة، والتعليم كأداة.

مقالات

لو أنت تحبني اخرج من الحزب (6)

كانت تغريد تستيقظ عند الفجر وتمتطي قاربها وتدخل البحر، وكل يوم كانت أمها تظل تنتظر عودتها على قلق. وذات يوم تأخرت في العودة على غير العادة، وتفاجأتُ بأمها تدخل عليّ في العُشة وهي خائفة وتخبرني بأن تغريد لم تعد من البحر، وطلبت مني أن أفتح الكتاب لأعرف سبب تأخرها!!

مقالات

غزة.. صبر وعناد أسطوري

لا أعتقد أنَّ مُنظراً أيديولوجياً، أو قائداً عسكرياً، أو مناضلًا في حرب تحرير شعبية، أو حتى زعيمًا سياسيًا، هو من قال: «إنَّ شعبًا صغيرًا يمتلك إرادة التحرر من الاستعمار لا تستطيع أقوى قوة في العالم أن تَكسِرَ إرادته».

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.