مقالات
شراكة الفراغ
أبو زرعة المحرمي يرفع صوته مطالبًا بآلية تشاركية فعالة. عيدروس الزبيدي يؤكد ضرورة الشراكة ويتجاوز رئيس الجمهورية ويصدر قرارات تعيين انتصارًا للشراكة! فرج البحسني يكرر المعنى ذاته بلغة أخرى، وطارق صالح ينضم إليهم في حفلة الشراكة السياسية المتخيلة.
الأربعة تحدثوا عن الشراكة، رفض القرارات الانفرادية، الدعوة إلى توافق أوسع. من هو الغائب الذي يُوجَّه إليه هؤلاء خطابهم؟
ليسوا معارضة في الظل، ولا أصواتًا محاصرة تبحث عن منفذ. هؤلاء أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، يجلسون في موقع السلطة العليا، يمسكون بخيوط القرار، ويملكون تشكيلات مسلحة خارج أطر الدولة وأقوى منها. يتحدثون بلغة من يقف خارج الدائرة.
في منتصف المشهد يقف الرئيس رشاد العليمي، وقد حوّل الرئاسة إلى فعل صمت وتودد وعجز وشلل. تعمّد تعطيل نفسه، مقتنعًا أن الجمود أضمن وسيلة لتجنب الاصطدام مع عيدروس وشركائه الأقوياء بتشكيلاتهم المسلحة غير النظامية. وجوده أقرب إلى حركة؛ أصبح موقع الرئيس، وهو الأعلى في سلطة الدولة، أقرب إلى شبكة علاقات شخصية من كونه مركز قرار.
المجلس نفسه وُلد من رحم تفاهمات إقليمية، جرى تصميمه كمعادلة توازن بين الرياض وأبو ظبي. مقاعده موزعة بالمناصفة بين الدولتين، وأدوار محسوبة بدقة كي تحافظ على هدنة هشة، وتمهد لتسوية تساعد السعودية على الخروج من الحرب. ولم يكن هدفه الأساسي إعادة بناء السلطة الشرعية على نحو يعزز الاتجاه نحو أولوية التحرير، وإنهاء التهديد الحوثي، أو استعادة الجمهورية.
تُرك المجلس سريعًا على أطراف المشهد. أصبح على الهامش. لم يتلقَّ دعمًا اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا يرسخ وجوده. ظل يُستدعى فقط في لحظات التفاوض، مجرد ورقة ضمن أوراق لعبة أوسع. ومع مرور الوقت، انعكست هشاشته إلى الداخل على شكل خلافات متصاعدة، صراعات على نفوذ محدود وسلطة هشة ووهمية، وانكشاف متزايد لفكرة أن المجلس يعيش على هوامش المشهد العام.
اختير الرئيس العليمي في الأصل لأنه بدا ضعيفًا، ولأنه لا يثير حساسية أي طرف. في تلك اللحظة، كانت الحاجة تتجه نحو رئيس يمرر أي تسوية محتملة مع الحوثيين دون مقاومة. لكن الواقع أظهر حسابات أخرى مع مرور الوقت. حين فرضت التطورات في الجنوب مشهدًا أكثر تعقيدًا، وصارت الحاجة إلى رئيس قادر على التصرف واتخاذ القرار، بدا الرجل عاجزًا عن الحسم. في عدن كما في حضرموت، غاب القرار المركزي.
بقي المجلس أسير مسار التفاوض بين السعوديين والحوثيين، وخارج هذا التفاوض، وكل ما عداه ظل خارج نطاقه. هذا الحصر جعل السعودية لا ترى أي أهمية لتقديم أي دعم أمني أو عسكري أو اقتصادي للمجلس. غياب قناة مباشرة وفعالة بين قيادة المجلس ومراكز القرار الإقليمي أضعف العليمي أكثر، وفتح المجال أمام المجلس الانتقالي وبقية التشكيلات غير النظامية لتوسيع نفوذها. رفضت الاندماج في وزارتي الدفاع والداخلية، ورأت في استقلاليتها العسكرية ركيزة لسلطة موازية.
التحالف حين صاغ المجلس لم يجعله أداة لمواجهة الحوثية، وإنما بوابة لتطبيع وجودها في المعادلة ومنحها موقعًا مهيمنًا في أي تسوية محتملة. النتيجة أن الانسجام بين المكونات غاب، والانقسامات تعمقت. تزايدت وتيرة التنافس والصراع في جنوب البلاد.
عيدروس الزبيدي، نائب الرئيس، بات يصدر قرارات تدخل ضمن صلاحيات رئيس المجلس. الرجل يمارس سلطة واقعية، بينما الرئيس يتراجع خطوة بعد أخرى، حتى بدا وجوده شكليًا. ضعف الرئيس لم يعد سمة شخصية فقط؛ تحوّل إلى عبء سياسي. أمام الداخل، لم يعد يمثل هيبة الدولة، وأمام الخارج، لم يعد قادرًا على منح صورة توازن. السعودية التي اختارت رشاد كونها بحاجة لضعفه، الذي يؤهله للقبول بأي تسوية تتوصل إليها مع الحوثيين، صارت ترى في الرجل عبئًا عليها حين عجز عن منحها أي مكاسب في عدن وحضرموت.
المجلس اجتمع قبل أيام وخرج باتفاق ينص على وضع كل أعماله وقراراته، بما فيها قرارات الرئيس رشاد العليمي ونائبه عيدروس الزبيدي، للمراجعة، على أن يُتخذ القرار بشأنها بعد تسعين يومًا. كان يُفترض أن تُلغى قرارات عيدروس فورًا، وأن يجتمع المجلس لإدانتها، لكن ضعف رشاد جعله يعتقد أنّ مجرد مساواته بعيدروس إنجاز بحد ذاته، وأنها خطوة نحو "نجاح سياسي". الفراغ الرسمي يتحول إلى مجال للمناورة!
عيدروس يتحرك بين الأوراق والموظفين بخفة ملفتة، يُحاكي منصب رئيس الجمهورية، يوقع قرارات تعيين، ويُلوح بخيارات أكثر خفة. ليس ذكيًا أو بارعًا، الفراغ منح له القدرة على المحاكاة، والزعامة البدائية، ابتسامة رئاسية هنا وتوقيع هناك، يُكابد في تقليده للبروتوكولات الرئاسية، بينما السلطة، رغم محدوديتها، تنتقل إلى من عرف كيف يستغل الفراغ.
الرئيس يتجول برأس منخفض، يغادر سجن معاشيق ويهمس لنفسه: "القوة تكمن في الهدوء والضعف، والذكاء في الوداعة". ترك الرجل فراغًا رسميًا وسياديًا، ومنح عيدروس فرصة لملئه. تحاول قوى محلية وإقليمية ودولية منح الرئيس أوراق قوة لتبدو رئاسته حقيقة، لكنه يذهب وينثرها أمام عيدروس.