مقالات

علي محمد زيد وعزاف الأسى "البردوني"(2-2)

15/02/2023, 15:43:49

يتناول الباحث الدكتور علي محمد زيد صدور المجموعة  الشعرية الأولى للبردوني (من أرض بلقيس ). وقد صدرت في مصر على نفقة المجلس الأعلى للآداب والفنون. وكان رئيس اللجنة: عباس محمود العقاد، وعضوية: عبدالقادر القط، وعلي أحمد با كثير، وإبراهيم المازني، واشرف على تصحيح الديوان علي الجندي.

يعتبر الباحث صدور الديوان الأول محطة مهمة في حياة "عزاف الأسى". وفي اكتساب مكانته كشاعر بارز في الوسط الثقافي خارج اليمن، يضيف: فقد أسهمت هذه المجموعة الشعرية في رفع مكانته محلياً، واكسبته مزيداً من الثقة بنفسه، وبشعره، ووطدت العلاقة العضوية بينه وبين الشعر. ويفخر بصدورها. وأن من أجازها ثلة من كبار أدباء مصر. 

يرى الباحث أن شعر البردوني يمثل الصوت المنطلق بحريَّة خارج سجن النظام للمطالبة بالانعتاق باقامته في مصر، ورفع صوته عالياً دون خشية من سيف الجلاد، في حين أن شعر البردوني يمثل محاولات المستنيرين في الداخل، رفع صوت التحدي، ولكن بحذر؛ لتجنب رعب النظام الاستبدادي وانتقامه..

ومع وجاهة ما أشار إليه الدكتور زيد، فإن أشعار البردوني في الجوانب الإبداعية والفنية أكثر أصالة وحداثة وارتباطاً بروح العصر من قصيدة الزبيري، وهي من جوانب عديدة أكثر جرأة وشجاعة من قصيدة الزبيري.

فالبردوني مغروس في التربة وأكثر اتصالاً بتيارات الحداثة والإبداع وتشبعاً بالموروث، أكثر من معاصريه الشعراء العرب الكبار. 

يدرس الباحث والناقد نماذج من شعر البردوني مبيناً خصائص وسمات العديد من القصائد المتسمة بمشاعر عدم اليقين، والتساؤل والحيرة، والبحث عن الطريق.

ويدرس ارتباط قصيدة البردوني بأحداث التطورات في يمن ما قبل الثورة، كما يقرأ اقتراب قصيدته من شعر المعري، وبحثه المبكر عن منفذ للتعبير عن موهبته الشعرية. 

ويدرس احتفاء الشاعر بالوحدة بين مصر وسوريا، والوحدة العربية "قصيدة  "زخف العروبة":

 يا ابن العروبة شد في كفي يداً

 تنفض غبار الذل و الاتعاب 

 فها هنا اليمن الخصيب مقابر 

 ودم مباح واحتشاد ذئاب 

 ذكره بالماضي عسى يبني على

 أضوائه مجداً أعز جناب 

.

.

.

قل للإمام وأن تحفز سيفه 

أعوانك الأخيار شر ذئاب 

يومون عندك بالسجود وعندنا 

يومون بالأظفار والأنياب 

ويقرأ عميقاً ارتباط القصيدة بالأحداث فقصيدة "تحدي"، في مارس عام ١٩٦١، مرتبطة بمحاولة اغتيال الطاغية في مستشفى الحديدة في العام نفسه. كما أن قصيدة "نحن والحاكمون"، في ديسمبر ١٩٦١، مرتبطة أشد الارتباط بتكوين الضباط الصغار "خريجي مدرسة الايتام"؛ تنظيمهم السبتمبري الذي فجَّر ثورة ال٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢. 

ويرى أن الفترة من ١٩٥٩ و١٩٦٢ قد شهدت إنتاجاً غزيراً بالقياس إلى الفترات السابقة، مؤكداً أن شعره في هذه الفترة يحتاج إلى دراسة خاصة؛ لأن موهبة البردوني تجلت فيه، وعبَّرت عن بلوغ مسيرته الشعرية نضجها. 

ويشير إلى إنتاجه الكثير من الشعر، الذي أهمله؛ لأنه بعد أن نضج فنه الشعري أحس بأن المستوى الفني للكثير من القصائد السابقة لا يرضيه. وكان همه -كإشارة الباحث- تجاوز منافسيه التقليديين والمحدثين. وأضيف: في هذه الفترة نشر العديد من القصائد  في سبأ والنصر. وكانت تتضمن مدحاً للإمام ونقداً مريراً للأوضاع. و كنت احتفظ بالكثير من هذه القصائد. وليس فيها ما يؤخذ على عزاف الأسى، ويمكن البحث عنها ونشرها. 

يدرس الباحث الناقد نماذج من قصائد فترة الخمسينات، وشطر من الستينات؛ فترة نضج قصيدة عزاف الأسى. وهي الفترة التي وضعته في صدارة المشهد الشعري والثقافي كواحد من أهم كبار شعراء الأمة ومبدعيها. ويدرس "ثقافة البردوني الواسعة". 

فيرى أنه امتلك قاعدة ثقافية واسعة وعميقة، وتجاوز العزلة والانغلاق الثقافي إلى تنوع الثقافة العربية، و غناها. 

فالبردوني كقراءة الباحث يمتلك ذاكرة استثنائية، ومقدرة قوية على الحفظ، بسرعة فائقة، مشيراً إلى أنه بدأ بتثقيف نفسه في مرحلة التكوين الأولى في ذمار، حين كان يبحث عن نفسه لإنقاذها من الضياع في دنيا ترفضه. وأمثاله من المكفوفين مقفلة أمامهم أبواب الرزق والحياة. يدرس محنة البردوني بالعمى والفقر حد المجاعة، وقسوة الظروف المحيطة، وإصراره العنيد على التجاوز والتحدي، باستيعاب الموروث، والانفتاح على ثقافة العصر، والإبداع الشعري. 

لم يستهوِ كثيراً مجال الفقه، وما يرتبط به من مجال ديني رغم إلمامه الواسع، وارتبط بالبلاغة والشعر عضوياً ومصيرياً، متعاطفاً مع المعري، وطه حسين، وأيضاً بشار بن برد. 

ويقرأ اطلاعه الواسع على التراث، وتمكن ذاكرته القوية من حفظ الكثير من الروايات، والقصص والأساطير والأشعار  ويشير إلى الاندهاش بكُتاب وشعراء مثل أحمد شوقي، وعلي محمود طه، ومصطفى صادق الرافعي، والعقاد، وطه حسين، والمتنبي، وأبو تمام، والبحتري، وأبو نواس، وحتى الحطيئة، وأضيف ديوان "لن" لأنسي الحاج. 

فتحت الجمهورية أمامه أبواب الاغتراف من الثقافة العربية الحديثة. وعلى أساس ثقافته العامة الفلسفية بنا ثقافته الواسعة والعقلانية ليصبح معلما مهماً من معالم الحركة الثقافية، في اليمن في النصف الثاني من القرن العشرين. 

ويتبع الدكتور مصادر ثقافية القديمة والحديثة، واستعراض فلسفة الإبداع عند خليل حاوي، ونجيب محفوظ، والمتنبي، والمعري، وصلاح عبد الصبور، وحنا مينه، والطيب صالح، وشكسبير، وديكنز، وجوستاف  فولبير.

جلي أن البردوني قرأ تيارات الحداثة أدباً ونقداً وثقافة، واستوعب القصيدة الحديثة "قصيدة النثر"، ونقدها. ورغم بعض الانتقاد لها إلا أنه كان الأقدر على امتصاص رحيق الصورة الشعرية والأخيلة الأجد من كثير من دعادة التجديد والحداثة. فقد قرأ: 

مطران ونازك، وطوقان، وعلي محمود طه، وقبلهم الرضي، وشوقي. كما قرأ مؤلفات جبران، وميخائيل نعيمة، وإيلياء أبو ماضي. والبردوني ناقد حصيف لثقافة الأحرار الدستوريين، التي ل اتتجاوز الدين والفقة واللغة العربية. فهو دارس الثقافة التقليدية شعراً ونثراً، ومتفتح وإلى أبعد مدى على ثقافة العصر الحديث بتياراته المختلفة،

لم يؤثر التخلف الثقافي كثيراً على تكوينه؛ لأنه اتجه لتثقيف نفسه من خلال متابعة كل جديد.

وهو ما تؤكده مقدمة كتابه "أشتات". 

ويسرد العديد من الكتب التي قرأها. وتابع باهتمام الصراعات الفكرية وسجال الجديد والقديم؛ فهو قارئ نهم، وحفاظة قلَّ نظيره. 

في علاقته بتيارات التجديد والتقدم يشير الباحث إلى تأثره بالثقافة المستنيرة، في الأربعينات والخمسينات، واستيعابها بعمق، وتمثل قيمها الجمالية، واستطال فوق بعض هاماتها. ويتناول الدكتور مظاهرات ما قبل قيام الثورة السبتمبرية، التي ترفض حصر الحكم في أسرة واحدة. ويشير إلى محاولات الأحزاب السرية لجره إليها، لكنه ظل متمسكاً بالاستقلالية. 

يرى البردوني أن الحكم في عهد الاستقلال لم يحقق الرخاء والتقدم، فواجه القول "غبر الشميل إذا لم يظلموا ظلموا"، مؤكدا على التأييد والمساندة للنظام الجمهوري. ويسمى حركة ١٣ من يونيو ١٩٧٤ بالجمهورية الثالثة، واعتبرها ثورة "السلطة ضد السلطة"، فالإمام يحيى وابنه أحمد حكما بدون وزراء.

ويرى أن محاولات الخلاص من التخلف أهم من التخلف، مؤكداً على أهمية وحدة الشطرين. 

يرفض "عزاف الأسى" العرقية والطائفية، فالوحدة -كما يرى الباحث- راسخة، في وعي ولا وعي البردوني. وعدم مجاراة الحماس الشعبي كوحدة ال٢٢ من مايو ٩٠ مرده إلى رأيه الثاقب في استقراء الواقع السياسي.

  يا بنت أم الضمد قولي لنا 

              أي علي سوف يخصي علي 

ويعتبر البردوني ثورة سبتمبر ١٩٦٢ فاتحة العهد الديمقراطي. ويؤيد الحزبية الناضجة ذات البرامج العملية، ومطالباً بإطلاق حرية الأحزاب السياسية. وأن الحروب منذ ١٩٧٥ إلى سنة ١٩٩٠ حروب طوائف، وليست بين الأحزاب. ويشير الباحث محقاً إلى مساندة البردوني للمشير السلال. يؤيد حركة ال١٣ من يونيو ١٩٧٤ بعد نقدها. 

ويشير الباحث إلى موقف البردوني التقدمي المؤيد للمرأة بصورة عامة وللمرأة اليمنية بخاصة، وموقفه ضد "القات"، وترؤسه اتحاد الأُدباء والكُتاب اليمنيين. 

ويتناول الباحث كتابة البردوني للتاريخ، معرباً عن عدم توفر فرص التمحيص، والعودة إلى المراجع، وعقد المقارنة والحكم على النصوص.

ويشير إلى ميل البردوني للتاريخ الشفوي، معتمداً على التحليل السياسي، و الاجتماعي. ويتناول الباحث قراءة البردوني أحداث ١٩٤٨ و١٩٥٥ مسجلاً بعض الملاحظات النقدية، مثنياً على تشخيصه وضع صنعاء ومحيطها قبل الثورة السبتمبرية. وله رؤيته لشخص القاضي عبدالرحمن الإرياني - رئيس اليمن بعد انقلاب ال٥ من نوفمبر ١٩٦٧. 

يعتبر انقلاب ٥ نوفمبر بمثابة الموت لصنعاء. يميِّز بين الإرياني قبل الحكم وبعده، مشيداً بمناقب الحمدي. 

ويتناول الباحث زمالة البردوني وتنافسه مع زملائه في الإذاعة (حمران والمقالح والشرفي)، وقصة هجائه لحمران. 

يدرس الباحث رؤية البردوني للشعر والنقد، فهو -أي البردوني- يعوِّل أكثر على العنصر الجمالي مهما يكن المضمون، ويرد على من يقول إن الشعر العمودي رجعي بالقول: إن الشكل الشعري لم يعد وسيلة للمسِّ بالشاعر العمودي. ويرأى أن الحداثة حداثة الرؤية والصورة 

كشاعر كبير ومثقف واسع الاطلاع يقدم رؤية أكثر حداثة في قراته النقدية، فهو يرى أن الجديد لا ينجح ما لم يقم على أساس قديم. وقديماً قيل في تعريف الجديد إنه قتل القديم بحثاً - الكاتب. 

يدرس شخصيتي الزبيري والنعمان، ويدرس الباحث زيد "مرحلة الامتلاء والتميز عند البردوني"، مشيراً إلى إهماله الكثير من قصائده الأولى. كما يدرس تجديد البردوني للشعر العمودي، وهو ما تناوله بتوسع الدكتور عبدالعزيز المقالح والدكتور الناقد عبدالله البار، ونقاد عرب كثيرون. 

يذكر الباحث أن البردوني أشار إلى أنه بدأ كتابة الشعر من عام ١٩٤٥؛ أي أنه بدأ كتابة الشعر وعمره تقريباً إحدى عشرة سنة. فهو يقدِّر ولادته في العام ١٩٣٤، وهو شاهد الذكاء والنبوغ المبكر "الكاتب".

كما يدرس -كناقد- أسلوب البردوني في كتابة النثر، ويختار قراءة ديوانه (جواب العصور)، وهو من أواخر دواوينه. وشعر البردوني أولاً ثم نثره هما مجده الإبداعي والأدبي والثقافي، ومصباح شهرته في اليمن والوطن العربي والعالم.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.