مقالات
عن تصعيد طارق صالح ضد الرئيس العليمي
لسوء الحظ، لم يحظَ بيان الأمانة العامة للمكتب السياسي – على افتراض أن المكتب السياسي مكون قام بذاته وليس قيادة لمكون هو المقاومة الوطنية – بالأهمية التي يستحقها، فهو يؤشر إلى أول تصادم سياسي معلن بين عضو مجلس القيادة العميد طارق صالح، ورئيس مجلس القيادة الدكتور الجنرال رشاد العليمي.
البيان يبدو كأنه يهتم بما يُعتقد أنه إقصاء لمكون طارق صالح في المناقشات السياسية التي يجريها رئيس مجلس القيادة الرئاسي في عدن، لكن ذلك، في تقديري، ليس إلا رأس جبل الثلج، لأن المشكلة تبدو أعمق بكثير ومتعددة الأبعاد، وذات أبعاد إقليمية متشعبة.
يبدو طارق صالح متسلحًا بذَرائع مهمة في معركة تأسيس النفوذ في الجزء الجنوبي الغربي من الوطن، وهو النفوذ الذي فُرض – على ما يبدو – وفق الأولويات الإماراتية، ويثير قدرًا كبيرًا من عدم الارتياح لدى السعودية.
فهو اليوم يتحدث بصوت مرتفع فيما يخص مشروع المياه الإنقاذي لمدينة تعز، الذي تعهدت الإمارات بتمويله، وما من أحد في تعز إلا ويتطلع إلى تنفيذ هذا المشروع.
بإمكان العميد طارق أن يضيف إلى ورقة مشروع المياه أوراقًا أخرى متصلة بآلام تعز وتحدياتها المعيشية، وبتدهور حياة الناس نتيجة انقطاع المرتبات، وحرمان المدافعين عنها من المرتبات المنتظمة، مقارنة بما يُصرف لجماعات مسلحة متخمة لا يقع على عاتقها أي التزام تجاه المشروع الوطني.
من الواضح أن الرئيس رشاد يتصرف وفق ما لديه من إمكانيات لتعطيل الجهود السلطوية للعميد طارق، لا لأنه يشعر بأنه بات محاصرًا بين فكي كماشة المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي وقواته، ولكن أيضًا لأنه ملتزم بشكل حرفي بتفاهماته غير المعلنة مع الرياض، والتي تعكس حذر المملكة الشديد من تنامي نفوذ طارق صالح الملتصق بالأجندة الإماراتية.
محافظة تعز ليست ساحة فارغة ليملأها الآخرون؛ تعز تحررت معظم مديرياتها بفضل المقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حمود المخلافي، وبتضحيات الجيش الوطني الذي تشكّل معظمه من المقاومة الشعبية.
هؤلاء ضحوا وأبدوا التزامًا لم يقدّره أحد تجاه رئيس الجمهورية والحكومة، وكان على المقاومة والجيش أن يضمنوا وجود سلطة محلية تعمل دون سقف، لصالح تعز وأبنائها.
نصيحتي للرئيس رشاد: أرجو أن تكون حكيمًا في التعاطي مع التحديات التي تعصف بمحافظة تعز؛ بوسعك أن تصحح المسار، وتعيد تشكيل المكتب التنفيذي للمحافظة، بما في ذلك رئيس المكتب – محافظ المحافظة – وتضع له أولويات، وتسعى بكل إخلاص لتأمين البدائل السريعة لاحتياجات تعز.
وإذا تعذر ذلك، فعلى الرئيس، الذي تعني له تعز الكثير، أن يضمن وجود حالة من الوفاق، تسمح بتلبية احتياجات تعز من خلال التمويل الإقليمي المشترك السعودي – الإماراتي – الكويتي – القطري للمشاريع الملحة المرتبطة بالمياه والكهرباء، والإصحاح البيئي، وتحسين وانتظام مرتبات الجيش والشرطة والجهاز المدني في المحافظة.
لا يجب أن تتحول تعز إلى ساحة لتصفية الحسابات، فهذه المحافظة تتصدر قائمة المحافظات المستهدفة، والتي تأسست بشأنها – وضدها – عقيدة سياسية وأمنية محلية وإقليمية ودولية مشوّهة وخبيثة، أبقتها محاصرة ومستباحة ومهملة طيلة السنوات الماضية.
بيان المكتب السياسي للعميد طارق أطلق العنان لخلاياه الإعلامية للبدء بتفسير ما خفي في سياق الصياغة المهذبة والدبلوماسية للبيان. على أن خطورة هذا النوع من الحملات الإعلامية الموجهة ضد الرئيس، هي أنها توفر أسبابًا إضافية لتهميش تعز واستهدافها، وهذا ما لا تحتمله المحافظة أبدًا.