مقالات
عن حماس وإيران وثالثهما الحوثي
مندوب 'حماس' في صنعاء كرَّم الحوثي، هذا سلوك مستفز بالطبع، موقف يضرب صورة 'حماس' كحركة تدافع عن العدالة، ويثير حساسية اليمنيين المظلومين مثلها.
هذا حدث أشبعناه حديثا؛ لكن هناك من أعلن سخطه ضد سلوك 'حماس' -وهو محب لها ومنتمٍ إليها- كنوع من الاحتجاج، باعتبار الحوثي قاتلًا، ولا يليق بحركة تحرر وطني أن تكرّمه، وهناك من اتخذها فرصة؛ ليفرِّغ أحقادا قديمة ومتجددة ضد الحركة، لدرجة تجريدها من كل صفة نبيلة، بل والذهاب بعيدا بالقول إنها حركة تضر بالقضية الفلسطينية وتمثل اختراقا إيرانيا للقضية وخلخلة للإجماع العربي تجاهها.
بداية: كانت خطوة 'حماس' في صنعاء سلوكا ارتجاليا وخطوة سياسية لم تحسب الحركة تبعاتها، فعلها مندوبها في صنعاء، أظنه لم يتوقّع ردّة الفعل تلك، وبعد أن أخذ الحدث زخما كبيرا، حاولت الحركة احتواء الموقف بالقول إنها لا تدعم طرفا يمنيا ضد طرف آخر، وهي محاولة استدراك لم تفلح في احتواء أثر الحدث، تحديدا لدى خصوم الحركة الذين يعادونها من قبل الموقف ومن بعد.
علاقة الحوثي بحماس ظلت في حالة من الكُمون طيلة سنوات الحرب، بخلاف علاقتها ببشار. ففي حين خرجت الحركة من سوريا ونقلت مكتبها من هناك إلى 'الدوحة'، ظل مكتبها في صنعاء مفتوحا. وقد يقول قائل: لماذا لم تتخذ الموقف نفسه تجاه الحوثي؟ باعتقادي هناك أكثر من سبب، ولو أن الأسباب هنا لا تشكل تبريرا لموقفها، بقدر ما تفسِّره، أولها: أن الحوثي لم يطالبها ببيان تؤيّد فيه انقلابه، وحربه ضد اليمنيين، ولم يضغط على الحركة كما فعلت سلطات 'دمشق'، كما أن الأمر يعود إلى طبيعة الحرب بين اليمنيين أكثر منه لطبيعة علاقة 'حماس' بالحوثي كجماعة حاكمة، فبالرغم من الحرب، والانقسام العميق، إلا أن روح التعايش ظلت قائِمة بين اليمنيين بمستوى معين -مع التنويه أن ذلك لا يعني بأي حال وجود حياة طبيعية في مناطق سيطرة الحوثي- لكن طبيعة الحرب في البلدين مختلفة بعض الشيء، حيث لم تُرتكب المذابح في صنعاء كما هو الحال في دمشق، وهو ما منح الحركة فسحة للبقاء هنا، ولم يشكل حرجا عليها.. فارق البشاعة يشكّل عاملًا يفسِّر فارق الموقف من بشار والحوثي، وهو فارق لا ينفي إجرام الحوثي بالطّبع، ولا يبرر موقف الحركة منه أيضا.
نعود إلى الفكرة العامة، هناك من يبالغ في نسبة 'حماس' لإيران بشكل متجاوز لما هي عليه العلاقة في الواقع، يتشارك في ذلك طرفان متناقضان، الأول: هو إيران وأذرعها، ومبالغتهم في تصوير كل انتصارات المقاومة الفلسطينية على أنها تعود لإيران، وكأنّه لولا 'محور الممانعة' لما تمكنت المقاومة من فعل شيء.
بالطّبع، هذا الحديث فيه تصخيم لدور إيران ومصادرة لجهود أطراف كثيرة خدمت المقاومة بل مصادرة للجهود الذاتية للمقاومة، ودورها في الصمود والتحايل على كل الظروف، وابتكار الحلول والبدائل لمقاومة المحتل طوال سنوات النضال الفلسطيني، منذ بدايات القرن الماضي، وليس منذ بدء علاقتها بإيران.
الطرف الثاني: هو الطرف المتربّص بحماس، والمُعادي لها، هو يقول إنه يعادي 'حماس' بسبب علاقتها بإيران، فيما الحقيقة أن مبالغته في تصوير 'حماس' كأنها ذراع إيرانية هو سلوك يخدم إيران، فهذا النوع من الخطاب، يؤدي الغرض نفسه الذي تريده إيران وتنتهجه في خطابها، وتصوير كل إنجازات المقاومة الفلسطينية كأنه انتصار لها، وبفضلها.
بدأت علاقة 'حماس' بإيران بعد انسحاب إسرائيل من 'غزّة' في 2006، وتعززت لاحقا، بعد ما تعرّضت له 'حماس' من تضييق وملاحقة في مصر والخليج، لكن ما هو مُهم هنا هو أن 'حماس' وقدراتها ليست خلاصة الدّعم الإيراني فقط، بل إن الدعم المادي الشعبي الذي يصل لحماس من كل الدول العربية، والدعم المالي من تركيا وقطر، وتموِّل الحركة به نشاطاتها، يتجاوز الدعم الإيراني بكثير.
وهو ما ينفي محاولة إيران احتكار نتائج المقاومة في تصوير علاقتها بحماس، وما يقتضي منّا نفيه أيضا، وتجريد إيران من غرضها، ولن يحدث ذلك ما لم نحطْ نقدنا لحماس بإظهار حقيقة الدعم الإيراني لها، وحجمه، وليس بالمبالغة في تعنيفها بسببه، لجانب تعزيز روابطنا بها، وتوفير دعم موازٍ ومنافسٍ يخفضّ من اتكاء 'حماس' على إيران وأذرعها.
من المُهم نقد خطاب 'حماس' حين تبالغ في شكر إيران، وبشكل متجاوز لما تتطلبه إكراهات العلاقة، أو حين تشيد بإحدى أذرعها في المنطقة (الحوثي وبشار)، لكن نقد 'حماس' ومطالبتها بضبط خطابها يجب ألاّ ينزلق نحو شيطنة المقاومة، وكأنها صارت عدوّا لنا.
ننقد 'حماس'؛ كي نحمي صورتها الناصعة في أذهاننا؛ وليس للإمعان في شيطنتها، نتساء من سلوكها المفارق لنا؛ كي نستردها إلينا، وليس لندفعها أكثر نحو الآخر ونصوِّرها كأنها بيدقٌ في جيبه.
هناك تياران داخل حركة 'حماس': تيار يرى ضرورة تعزيز العلاقة مع إيران بشكل استراتيجي، وذلك بعد أن تقطّعت علاقة 'حماس' بغالبية الدول العربية، وتعرّضها للحصار، وهناك من يرى وجوب ضبط العلاقة معها في حدود الدعم المقدّم لهم، وليس بالتماهي الكُلي معها.
ونحن حين ننتقد 'حماس' يتوجّب أن نشتغل بشكل يصبّ في صالح تعزيز قوة التيار الآخر، وليس جلدها بشكل يفصلها عنا، ويصبغها بهُوية إيرانية.
باختصار: لا تمنحوا 'حماس' لإيران ولا للحوثي بهذه السهولة وبشكل مجاني، مهما بلغت درجة علاقتها بهم. 'حماس' منكم وإليكم، هي حركة مقاومة حاملة قضيّتكم، وليست قضية 'فارس'، ومهما ادعت 'فارس' حملها للقضية، يظل حديثها ادعاء، لكن المدّعي -مهما بلغ زيفه- يحوز قدرا من المصداقية، حين يغيب الحامل الأصلي للقضية (العرب)، أو حين يتوه في خطابه، ويستعدي من يفترض أن يكون حليفه الأول من قبل وجود إيران ومن بعده.