مقالات
عن واقعية إطلاق مصطلح "الخلفاء الراشدين"
لا أعرف من أطلق مصطلح "الخلفاء الراشدين " على عهد الخلفاء الأربعة - رضوان الله عليهم - بعد وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام.
ولماذا تم حصرها عليهم دون غيرهم ممن قد يتسمون بخصال الحكم الراشد.
خصوصاً وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحددهم في الحديث (الحسن) الذي رواه أحمد وفيه [.. فعليكُم بسنتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديين]، غير أنه وصفهم بـ"الرشد والهدى"، وهو ما قد يتصف به خلفاء متأخرون وفقاً للمؤرّخين الذين وضعوا الخليفة عمر بن عبدالعزيز مثلاً في خانة "الراشدين".
ووفقاً لمعياري الرشد والهدى، فإن وقائع التاريخ تقول إن أفضل من خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإطلاق كانا "الصديق والفاروق"، ولا أعتقد أن هناك من يختلف في استحقاقهما ذلك.
الأول تدارك دولة الإسلام وكانت على وشك الانهيار والتمزق؛ وفضله في ذلك جليل وعظيم، وباقي الأثر إلى أن تقوم الساعة.
والثاني أسسها ومأسسها ووسع رقعتها وبنى لها مجداً تجاوز إمبراطوريات تلك الحقبة، وضرب أروع الأمثلة في علاقة الحاكم بالمحكوم، وجسَّد قِيم العدالة وسماحة الإسلام في أبهى وأجلّ صورها.
أما الحييّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- فإنه قد انشغل - لكبر سنه وكان قد تجاوز الثمانين- بعبادته ومشاغله عن شؤون الحكم، وفوّض صهره مروان بن الحكم بصلاحيات واسعة، الذي تولّى بدوره كبر التأسيس لمرحلة التغلغل العائلي، ومن ثم انحراف مسار الحكم الشوروي الرشيد.
وهيأ بإصرار وتخطيط للانقضاض على السلطة، والانقلاب على نظام الخلافة (الشوروية)، لمصلحة الملك العاض (الوراثي).
هذه الإرهاصات أدت إلى تدهور الأحوال، حتى انفجرت الفتنة، وأصبح الخليفة التالي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- جزءاً من الأزمة، بل طرفاً في الفتنة لدواعٍ تتصل بمعايير الأفضلية.
تهافت الانتهازيون من المندسين في جسد الخلافة، وأججوا نار الصراع تحت عنوان "أحقية علي بالخلافة"، واخترعوا لذلك النصوص، ودسّوها في المرويات والمصنّفات، ولم يوفِّروا حيلة لجعل ذلك جزءا من الدين وتكريسه قناعة لدى الأجيال المتعاقبة ممن خضعوا لفرضية قدسية النص، وعطلوا العقل والمنطق.
يطول الحديث عن حيثيات تولِّي الصحابيين الجليلين عثمان وعلي موقع الخلافة؛ لكن كما أن هناك سلبيات اعترت فترة حكمهما فهناك منجزات عظيمة على صعيد العلوم والفتوحات، يجدر إبرازها.
لست في موقع يخوِّلني الجزم بصحة ما أقوله، لأنه قد يحتمل الخطأ عند من لا يتفق معه، "والاختلاف طبيعة البشر".
لكن الشاهد، الذي تؤكده كل المرويّات في السيرة والتاريخ، أن عهد الصديق والفارق كان ذروة سنام الخلافة الراشدة، في كل المستويات.
ومن غير الموضوعي اعتبار عهد حكم عثمان وعلي فترة حكم راشد ولا رشيد.
أحببت في هذه السطور إثارة التساؤل عن معايير الحكم الراشد، ومدى واقعية إطلاقه على عهد الخلفاء الأربعة (أبوبكر وعمر وعثمان وعلي)،
-رضي الله عنهم وعن كافة الصحابة السابقين الأولين
وعنا معهم بإحسان إلى يوم الدين.
واستغفر الله، إن كان في كلامي تجاوز على أي منهم،
لكنها وجهة نظر لا حكم.