مقالات

في إعادة تأويل النص

21/05/2022, 06:59:59
المصدر : خاص

على سيرة إعادة تفسير القرآن، التي تقترحها توكل كرمان، ودشّنها مروان الغفوري، والمعلّقة على حيثيات كثيرة، وأكوام متراكمة للتفسيرات والاجتهادات اليومية، وهذا التراكم يعني أن القرآن مثل بقية الكتب الدِّينية المقدّسة متناقض، وخفي، ومكتوب بلغة قديمة مضطربة، وقد حاول المفسرون السابقون معالجة هذه الإشكالات الموجودة في النصوص القديمة، والنقاش حولها ليس جديداً.

إحدى أسباب إعادة التفسير الرئيسية -  عادة - هو أن التفسيرات القديمة مرحلية، ومع التقدّم بالزمن لم تعد صالحة، فقد كانت أشبه بطعم قديم، والهدف منها قيادة الناس نحو الإيمان الأعمى بالدين، وكيفما شاء حينها، وهذا الغرض لم يعد صالحا بأية حال اليوم، وهناك سبب آخر وهو أن الكتب الدينية تمتلىء بالعديد من القصص والأساطير الخرافية، التي تتناقض مع تفسيرات العلم الحديث لطبيعة الأشياء، ناهيك عن العديد من التفسيرات اللا أخلاقية، التي لم تعد صالحة للعصر.

وبالتالي أصحاب رأي إعادة التفسير ينطلقون من حجج قوية، ويزعمون أنا بحاجة إلى إعادة تفسير جديد يمكّن الناس من فهم حديث للأديان يتناسب مع متطلبات العصر وروحه.

وعلى عكس غالبية الأديان، فإنه يمكن تفسير الموت مثلا تفسيراً أفضل من خلال العلم، فالعلم يكشف لنا طبيعة ونشأة الحياة، وتوقعات نهايتها، وهو تفسير مختلف عن تفسير الأديان جميعا لفكرة الموت، وما بعده، ومع الأخذ بمعظم التفسيرات الدينية بالاعتبار إلا أن العلم تفسيره هو الأدق والأقرب إلى الحقيقة، وهذا مما لا جدال فيه اليوم.

لذا عندما يطرح فكرة إعادة التفسير الجديدة للكتب الدينية، فإن أصحاب هذا الرأي يفكرون بتفسير جديد مؤسس على العلم، وفي محاولة أخيرة لافتراض أن الدين لا يتناقض العلم.

وهذه النقطة تعيدنا إلى نقاشات قديمة وصراعات أعمق.

فقد اصطدمت الكنسية، وكذا الجامع الإسلامي، والمعبد اليهودي والهندوس... بالعلم على مر التاريخ، وخصوصا حول أحجية الحياة والموت والغاية منهما، وهذا الاصطدام والصراع مستمر إلى اليوم، ولا يمكن أن يتوقّف.

العلم يعني أن يكون لك عقل فعال منفتح، وأن تكون ذكيا بما فيه الكفاية لتعرف الحقيقة، وعليك أن تكون عقلانيا، وأن تكون صادقًا، وأن تعرف بعض الأشياء (غير معروفة اليوم)  عبر البحث العلمي، أما الدين فكل ما يطلب منك هو التصديق الأعمى، وأن تتبع ما تأمر به بمعنى أدق، وأن تكون معتقداً بكتب وروايات السابقين دون نقاش.

وهذه الإشكالية حقاً، فلدى الناس دوما اعتقادات يقينية  تتعارض مع العلم ومع منطق أشياء العصر المختلفة، أشياء شاذة وغريبة مصدرها عادة الأديان، وهذه الأشياء تخلق مجاميع من الناس هدفهم الدفاع وحماية ذلك الاعتقاد وبأي شكل، وإن كان خاطئاً، وبالتالي على الدوام هذه الظروف تخلق ذلك الصراع بين الديني و العقلاني، وهذا الأمر نسميه معرفياً "التنافر المعرفي".

فالصراع بين الديني والعقلاني هو صراع بين معرفتين بالأساس، صراع بين المعاناة والجهل وتفسير الماضي من ناحية، وبين معارف الحاضر ومتطلبات من ناحية أخرى، وبالتالي محاول إعادة التفسير الغاية منها هو تصحيح معرفي ليتناسب مع المعرفي الآخر، ولمحاولة تجفيف أسباب الصراع.

وفي حالتنا هذه، نفترض أن  إعادة تفسير القرآن غايتها إصلاح معارف المسلمين لتصبح أكثر علمية وإنسانية، ومن هنا أصحاب الفكرة ينطلقون من إعادة تنظيف المياه العكرة، ولأهمية إعادة التفسير للنص القرآني، فالتفسير القديم، وحتى الحديث، كتفسيرات شحرور أو ترقيعات عدنان إبراهيم للنص القديم سببت الكثير من المشكلات للمسلمين قبل غيرهم، وأعاقتهم عن التقدم والتعلم والتغيير، وبالتالي -إن كنا مستعدين لتعلم أشياء جديدة وأن نكون قابلين للتغيير- علينا أن نقوم بأشياء كثيرة جريئة، أهمها أن نزيل التناقض المعرفي في حياتنا، الذي يصنعه الدين مقابل العلم، ولدينا الخيار لتصحيح ذلك الخلل الكارثي.

ومع أهمية إصلاح المؤسسات الدينية المعيبة (من خلال إعادة التأويل للنص) إلا أن هناك إشكالية رئيسية ترافق عملية الإصلاح الديني، ويجدر التنبيه لها، وهي أن بعض المؤسسات الدينية قد تكون غير قابلة للإصلاح، ومن بينها المؤسسة الدينية الإسلامية، التي طرحت سابقا فكرة أن إصلاحها مستحيل لغياب مرجعية مخولة بالإصلاح أساسا، فالإسلام يختلف مثلا عن الأديان الأخرى لكون المسلمين يعتقدون أنه فضائي وليس بشريا، وبالتالي يمتلك الكمال المطلق، وعلى عكس المسيحية التي تكفل الكنيسة تعديلات بشرية على نص بشري.

ومع ذلك تبقى فكرة التأويل للنص أحد الطرق والآراء المهمة لمحاولات إصلاحية معتبرة، وخصوصا مع استحالة القيام بإصلاحات جذرية للنص ذاته.
وفي حالة فشل إصلاح الدين، تبقى الخطوة الأخيرة وهي الفصل العلماني بين الدين والدولة.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

مقالات

عندما يكون اليمنيون مجرد كرة!

لا شيء يشير إلى أن اليمنيين يتحرّكون بمحض إرادتهم. لا السلام يتدحرج إلى الأمام ضمن مسار أولويات يمنية، ولا الحرب وضعت أوزاها تحقيقاً لرغبة ومصالح داخلية.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.