مقالات

قلبي على وطني

19/04/2023, 13:17:28

انفجرت الحرب الأهلية في السودان بين الجيش السوداني، ومليشيات الدعم السريع: القوتين المسؤولتين عن جرائم قمع الاحتجاجات منذ العام 2013، في مواجهة تجمع المهنيين.

قوات الدعم السريع (الجنجويد) مسؤولة عن مذابح دارفور في جرائم حرب، وضد الإنسانية، وعن الاغتصابات الكثيرة في غرب السودان.

عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو- الذراعان الحديديان للبشير- وحَّدتهما المصالح، وفرَّقهما الصراع على السلطة والثروة.

خطر المواجهة الدموية على الكيان السوداني ووحدته كبير؛ فالمجتمع السوداني مجتمع فسيفسائي شديد التعقيد، كثير التنوع والتعدد؛ ففيه 742 قبيلة تتحدث 114 لغة؛ منها خمسون في الجنوب، كما أن السكان يتوزعون إلى 40% عرب، و30% جنوبيون، و13% من قبائل غرب السودان غير العربية، و12% نوبة، وبجة، و3% نوبيون، و3% أجانب مولدون.

ووفقا لهذه التقسيمات، فإن 52 % من السكان يتكلمون العربية، بينما هناك 48% يتكلمون لغات ولهجات محلية. (مشكلة جنوب السودان وأثرها على مستقبل العلاقات العربية الأفريقية، مجلة المستقبل العربي، العدد، 88، شهر 6، 1986).

كما أن الهويات الأثنية: العربية - الأفريقية الزنجية حاضرة، وإلى جانب الإسلام والمسيحية، توجد اعتقادات محلية، خصوصا في الجنوب، وقد فشلت محاولات العسكر منذ عبود 1958، مرورا بالقوى التقليدية: حزب الأمة، والإخوان المسلمون، والجبهة القومية الإسلامية - في صهر هذه الأجناس في جنس أو دين واحد (العروبة والإسلام)، بقوة السلاح، وأدت الحروب منذ منتصف خمسينات القرن الماضي إلى انفصال الجنوب، ولا شك أن للنميري والبشير والتبشير، والكنائس العالمية، وأخيرا أمريكا وإسرائيل دورا كبيرا في الانفصال.

في دراسة للدكتور حيدر إبراهيم "السودان إلى أين؟"، يرى أن السودان بلد شديد التعقيد، وعصي على الفهم والتنبوء؛ بحكم التناقضات والمفارقات التي لازمته منذ النشأة؛ فقد خضع السودان باستمرار، ومن دون تغييرات جذرية، لعبء التاريخ، وضرورات المكان؛ الأمر الذي حد قدرته على التجديد، وولوج الحداثة، وبقي السودان أسيرا لثنائية الحديث، والتقليدي المبثوثة في كل مكونات الواقع السوداني؛ لذا ظل التحدي الأكبر الذي يواجه السودان هو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحقق الوحدة الوطنية بإدارة عقلانية للتنوع الثقافي، مع تحقيق تنمية منتجة عادلة ومتساوية.

ويرى الدكتور حيدر أن السودان بعد الاستقلال ورث دولة ناقصة وعاجزة، وكان ذلك يتطلب جهدًا فائقًا لبناء دولة وطنية حديثة؛ إذ بقيت التركة الاستعمارية كما هي، رغم تعاقب الحكومات المدنية والعسكرية.

والواقع أن الصراع في السودان بين المدنية والديمقراطية المعبر عنها بالانتفاضات الشعبية منذ عام 1964م، مرورا بانتفاضة 1987 ضد النميري، وأخيرا الانتفاضة ضد البشير في 25  ديسمبر 2018، والانقلابات العسكرية هي السمة الأساسية لتاريخ السودان الحديث منذ الاستقلال؛ فخلال سبعة وخمسين عاما منذ العام 1956، لم يحكم المدنيون إلا بضعة أعوام، وتغطي الانقلابات العسكرية أكثر من نصف قرن؛ فارضين الدكتاتورية، والفساد، والاستبداد، وقمع الديمقراطية، وإعاقة التحديث والتنمية بإشعال الصراع الجهوي الإثني والديني، ومحاولات فرض اللون الواحد، والمعتقد الواحد، والجهة الوحيدة التي لها حضور كبير في انفصال الجنوب، وفي صراع دارفور، والنيل الأزرق، والنوبة.

الحرب ضد دارافور فرضها طغيان البشير؛ مستنجدا بتأسيس مليشيات الجنجويد، ثم الدعم السريع بقيادة موسى هلال، ثم حميدتي المدموغين بجرائم حرب، وضد الإنسانية.

اصطنع البشير قوات الجنجويد لقمع احتجاجات دارفور، ثم أسس منها القوة الموازية للجيش- قوات الدعم السريع.

اشتركت قوات الدعم السريع، وقيادة الجيش في قمع الاحتجاجات السلمية منذ العام 2013، ولكنهما عندما شعرا بالعجز عن قمع الانتفاضة المتعاظمة انقلبا ضد سيدهما البشير، محافظين على كل تركته الوبيلة، وقاما باقتسام السلطة والثروات، ولم تقف جرائمهما عند حدود الوطن السوداني، وإنما تشاركا وتنافسا في تأجير قوتيهما في ليبيا، واليمن، وفي الجوار الأفريقي، وانغمسا في الاتجار بالجيش والمليشيات بكل ثروات السودان.

لقد تشاركا في مذبحة الاعتصام أمام رئاسة الجيش التي قتل فيها ما يصل إلى مئة وعشرين شهيدا، وتوافقا على شق قوى الحرية والتغيير، وتشكيل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك التي أطاحا بها بعد أشهر بعد اختطاف حمدوك، واعتقال الوزراء.

تصاعدت الانتفاضة التي استمرت في ظل حكومة حمدوك؛ بسبب إدراك الشعب السوداني المسيس أن قادة العسكر والدعم السريع هم الحكام الفعليون، ثم يعود قادة الجيش والدعم السريع للاشتراك في اللعبة مع الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ويوقعون الاتفاق الإطاري.

بدأت الخلافات تظهر وتتصاعد بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، وصلت حد الحرب في مدن السودان بصورة مرعبة، وبوحشية قل نظيرها؛ فخلال ثلاثة أيام تتناقل الأنباء مقتل أكثر من مئتين، وجرحى بالعشرات والمئات، وهذا ما وصل إلى المستشفيات، والأسئلة المفجعة: ما أسباب الخلاف والاقتتال بين فريقين تشاركا في جرائم حرب؟

هل العجز المتكرر عن قمع الانتفاضة، ومحاولة كل طرف تحميل المسئولية الطرف الآخر؟

هل  "للفلول والكيزان" -حسب النبز السوداني- دخل في تأجيج الصراع؟ هل هو العجز عن الاستمرار في الحكم، وعدم التوافق على الأنصبة والعوائد؟

هل شهوة التفرد والاستحواذ؟

هل هو اليأس من القدرة على المكوث في السلطة؛ ما دفع الأخوة الأعداء للحل الشمشوني؟ هل نضوب الموارد بفشل الحرب في اليمن، وسكون الحرب في ليبيا، ونقص الموارد الداخلية دفع للانتحار؟

هل هو تزايد الضغط الدولي خصوصا من الأصدقاء: الأمريكان، وعرب خليجيين؟

 اللافت أن تل أبيب تتحدث عن اتصالات قام بها البرهان وحميدتي بالقادة الإسرائيليين قبل بدء الحرب.

الخطر الماثل والداهم هو انهيار الكيان السوداني، وتفكيك الوطن وتمزيقه؛ حيث يتصرف الحاكم العربي مع البلد، وكأنها لعبة يقوم بتكسيرها عندما يمل أو يعجز عن اللعب بها. وتبقى احتمالات الحرب الأهلية، وتجاوز الاحتجاجات الشعبية، والدفع بالسودان إلى المجهول واردة.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.